العدد 4669 - الجمعة 19 يونيو 2015م الموافق 02 رمضان 1436هـ

دول وشعوب الخليج... للخروج من خداع النفس

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

الإرهاب الذي ضرب الشقيقة الكبرى السعودية، كان جرس إنذار بضربات قد تكون قادمة لباقي دول مجلس التعاون، فليست هناك حدود فاصلة، ولا أسوار مانعة للإرهاب الحالي الآخذ بالتمدد والاتساع. فهذا الإرهاب ينطلق من عقيدة تكفيرية وتنظيم متطرف هو خلاصة حركة تكفيرية ترعرعت ونمت في بيئتنا الخليجية، لتشكل شرعية دينية لبعض الجهات لتستخدم في ترهيب المعارضين، وشق صفوف الشعوب العربية من التراص من أجل المطالبة بالحقوق والإصلاحات، حتى شبّت عن الطوق، وتمرّدت على رعاتها، بعد أن حان الوقت لتطرح مشروعها الكبير: «الدولة الإسلامية»، كنقيض للأنظمة القائمة في البلاد العربية، ولتطلق عليها تسميات الولايات التابعة للدولة الإسلامية الأم (داعش) على أراضي سورية والعراق.

بموازاة هذه السياسة القائمة طوال عقود، كان الخطاب الرسمي يكرّر أن بلداننا بخير، وبعيدة عن القلاقل وليس الإرهاب فقط، وأن التواصل ما بين الحاكم والمحكوم هو الأروع في صفحات حكم الشعوب، وأن المجالس مفتوحة للمواطنين، وأن التلاحم ما بين مكونات الشعب هي كالبنيان المرصوص، وأن الانتماء الوطني هو المعيار، والمواطنة المتساوية هي المقياس.

في الوقت ذاته ظلت السياسات الرسمية تعمل تمزيقاً في جسد الشعوب التي تلاحمت في معارك النضال ضد الاستعمار البريطاني قبل عقود، أو في مسيرة حركة التحرر العربي والوحدة التي كانت تحقق الانتصارات من المغرب إلى عمان والبحرين، وإلى الموروث التاريخي لتعايش أبناء الشعب الواحد بمختلف انتماءاته المذهبية الإسلامية، وكذلك مع المكوّنات الدينية الأخرى، ومع الجاليات الأجنبية بمختلف دياناتها وانتماءاتها، بحيث تجاورت المساجد والكنائس والمعابد في حاضرات الخليج مثل مسقط والشارقة والبحرين والكويت والبصرة، كون الخليج ملتقى الهجرات وشريان الملاحة والتجارة الإقليمية والعالمية.

أصبح من الثابت تاريخياً رعاية بعض الأنظمة للاتجاهات الدينية المحافظة، لمواجهة تيارات التحديث والحركة الوطنية والقومية والتقدمية، حيث مكّنتها من المراكز القيادية في قطاعات التربية والإعلام والنشاطات الدعوية والاجتماعية والخيرية، وأغدقت عليها الأموال، ومكنتها من مفاصل الدولة والمجتمع، في الوقت الذي حاربت فيه تنظيمات ومؤسسات وجمعيات وأندية التيار الوطني والتقدمي والتحرري، بل وزجّت بمئات القيادات والكوادر في السجون والمعتقلات ودفعت بهم إلى المنافي.

اليوم تحصد الأنظمة ما زرعته عندما انقلب السحر على الساحر، حيث لا يستهدف التيار التكفيري وعنوانه الأكبر «داعش»، من يعتبرهم الروافض والخارجين عن إجماع الأمة، أي الشيعة، بل يستهدفون كل من يختلف معهم في عقيدتهم المتطرفة من المذاهب الإسلامية الأخرى، ولا يعترفون بشرعية الأنظمة القائمة، فالشرعية الوحيدة هي لـ «دولة الخلافة» فقط.

ورغم ذلك فبعض الأنظمة مصرّةٌ على إنكار هذا الواقع المرير، ومصرّة على إنكار مسئوليتها عمّا آلت إليه الأوضاع، ويشاركها في الإنكار جيش من الدعاة والمشايخ والمنظّرين والسياسيين، الذين آمنوا بهذا الفكر وروّجوه ورعوه، وربّوا أجيالاً متعاقبة على هذه العقيدة الفاسدة. عندما تقرأ تصريحات بعض كبار المسئولين في المنطقة، تستغرب من هذه المكابرة والقفز على الواقع في تكرار ممل لأطروحات مثل «ستفشل هذه الأعمال الإرهابية من النيل من وحدة هذا الشعب، والنيل من تلاحم القيادة والشعب»، و»لا تفرقة أبداً بين المواطنين، فالكل سواء كأسنان المشط»، كأننا نعيش عصر الخلافة الراشدة، أو دولة المدينة الأولى.

بالطبع فإن مجرد إقرار مبدأ المواطنة المتساوية، وحقوق مختلف مكوّنات الشعب الدينية، ولو بإقامة مقابر أو مساجد، هو شيء إيجابي، كما أن تصريحات كبار المسئولين بملاحقة الجناة ومن يقف وراءهم، وزيارات المسئولين لتعزية المكلومين والثكالى شيء إيجابي، وتوصيف الضحايا بالشهداء شيء إيجابي، والتغطية الإعلامية على تواضعها شيء ايجابي، لكن ذلك كله لا يكفي لمواجهة الطوفان الطائفي والإرهاب التكفيري الذي يهدد باجتياح الجميع.

إنه يتوجب الإقرار أولاً بخطأ استراتيجيات الأنظمة في التعامل مع شعوبها باعتبارهم رعايا لا مواطنين، تجود عليهم الأنظمة من فائض ما لديها بالمكرمات، وتنكر عليهم حقوقهم السياسية والمدنية الأساسية. أما الخطوة الحاسمة فتتمثل في الانفتاح على الشعوب ونخبها السياسية والمجتمعية والثقافية، في مصارحة تاريخية، والاعتراف بحق هذه الشعوب في تنظيم نفسها سياسياً ومجتمعياً، والتعبير عن تطلعاتها وآرائها، وحقها في المشاركة في الحكم والرقابة على إدارة شئون البلاد، مع الاحتفاظ بدور وطني للأسر الحاكمة، وبذلك تتجنب بلدان الخليج التدهور والانحدار نحو نزاعات مذهبية وفكرية تتحوّل بسرعة إلى نزاعات عنفية، وقد تقود إلى حرب أهلية، كما تعانيه البلدان العربية الشقيقة في سورية والعراق وليبيا وأخيراً اليمن.

أما الوجه الآخر لهذا التحوّل السياسي المطلوب، فهو سياسة خارجية مغايرة تماماً لما يجري، أي إطفاء الحرائق وليس صبّ الزيت عليها في الساحات العربية، والتوقف فوراً عن دعم التنظيمات التكفيرية والحركات المتطرفة، والعمل على إيقاف الحروب والنزاعات، بالبحث عن حلول وطنية وسط لكل هذه الساحات، بالتناغم مع مجهود إقليمي ودولي، بكل ما تملكه المنظومة الخليجية من ثقل وتأثير.

لم يفت الوقت بعد، لكن الوقت يضيق، والأوضاع تنحدر، والأفق مظلم. هل تتنادى دول الخليج والدول العربية الراشدة كما تنادت الديمقراطيات الغربية في مواجهة خطر النازية والفاشية الصاعدة حينها في أوروبا في الأربعينيات، أم تظل أسيرة المصالح الضيقة والآنية، ونذهب جميعاً ضحية أنانيتنا وسوء تقديرنا؟

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4669 - الجمعة 19 يونيو 2015م الموافق 02 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:34 ص

      تلك تربية ومنهجية سوف لن يسلم منها احد

      كل ما يحصل هو نتيجة لفكر خطير كان يراد له ان يسود المنطقة وهذا الفكر لو قدّر له واستطاع الوصول وقد استطاع الوصول في العراق ونحن نرى العجائب .
      والأعجب ان بشعوب الخليج الكثير ممن يتعاطف مع الفكر الداعشي بسبب التربية والمنهجية المتبعة

    • زائر 9 زائر 6 | 2:36 م

      الثورة الاسلامية الايرانية ليست سبب التناحر بين المسلمين

      هذا الا كلمةًوالثانية قال تسعة وسبعين يلمح الى انتصار الثورة الاسلامية في ايران وهذه سياسة الفاشلين الذين دائما يردون فشلهم وتخلفهم على الآخرين

    • زائر 4 | 4:04 ص

      التطرّف و الاٍرهاب

      لم نعرف التطرّف و الاٍرهاب الا بعد عام تسعة و سبعين

    • زائر 7 زائر 4 | 7:45 ص

      التطرف كان موجود قيل و بعد 79

      لا اعرف لماذا يردد الاخ هذه المقوله مع اني رديت عليه سابقا. فقط للتذكير قام المتطرفين قبل اكثر من مائة سنه بالهجوم على العراق و كربلاء لما يعتقدون من صحة افكارهم و كفر الاخرين. بل ان كتبهم التي لا تزال تدرس في المدارس في احدى الدول الاسلاميه الجارة تكفر بعض المذاهب الاسلاميه و التي تتواجد بالمنطقة الشرقيه من تلك الدوله و كذلك يشكلون الاغلبيه في البحرين و الادهى من ذلك لازال علمائهم يكفرون هذه الطائفه مما ساعد في تفريخ الكتير من المجرمين و القتله بإسم الدين مثل داعش و النصره و جند الصحابه

    • زائر 8 زائر 4 | 8:17 ص

      79 الزمن الجميل

      موت حرة الف مرة

    • زائر 2 | 10:11 م

      كلامك صحيح

      ...........

اقرأ ايضاً