العدد 4669 - الجمعة 19 يونيو 2015م الموافق 02 رمضان 1436هـ

هل نبالغ في اتهامهم؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إليكس وورد هو مساعد مدير مركز برنت سْكُوكروفت للأمن الدولي بمجلس أتلانتك. وهو صاحب قلم رشيق على الأقل في العديد من مقالاته. قبل أيام، كَتَبَ وورد في ناشونال إنتريست مقالاً تساءل فيه استهلالاً: هل تُهدِّد داعش الولايات المتحدة الأميركية حقاً؟

أجاب إليكس وورد في الفقرة الأخيرة من متنه قائلاً: «على الولايات المتحدة الكف عن تضخيم الخطر الذي تشكله داعش» ومَنْ يماثلها عليها، مشيراً إلى أنه «وعلى الرغم من حجم الدعاية التي تحيط بداعش إلا أنها مهدِّدٌ هامشي وليس إستراتيجياً للولايات المتحدة» الأميركية.

هنا يمكننا التعقيب على ما كتبه وورد بشيء من الصراحة، التي كان فيها الرجل واقعيٌ ولكنه ناعمٌ أيضاً. بمعنى، أن الحديث عن داعش والولايات المتحدة ينطوي على قدر كبير من الغموض والاستفهامات أكثر مما يُصوَّر كمعادلة خصميْن يُنتَظر أن تأتي لحظة احترابهما.

لن نتحدث بالتنجيم ولا بمنطق «ابغضنِي واتهِمني» بل من خلال وثائق، أصدرها أصحابها لا من خصومهم. فقد كَشَفت وثائق أميركية من البنتاغون رُفِعَت السِّرّية عنها مؤخراً ويعود تاريخها إلى الشهر الثامن من العام 2012م إلى أن «واشنطن سمحت عمداً بقيام تنظيم الدولة الإسلامية داعش بهدف عزل نظام الرئيس السوري بشار الأسد».

الغريب (وحسب الوثائق المسرَّبة) أن كل ما جرى على المستوى العسكري في سورية كان المحللون الأميركيون قد توصلوا إليه في تلك الوثائق من خلال معطيات استخباراتية دقيقة، ربما كانوا هم أنفسهم قد هيئوا الأوضاع كي تفضي الأمور إلى نهايات منسجمة مع مصالحهم.

الوثائق الأميركية أشارت إلى أن «نظام الرئيس السوري بشار الأسد لن يسقط، وسيحتفظ بمساحات من الأراضي السورية، وأن الوضع سيتحول إلى حرب بالوكالة، وأن انسحاباً للجيش السوري النظامي سيتم من على الحدود على العراق». وهذان الأمران قد حدثا عندما حافظ النظام السوري على توازنه ولم يسقط بعد ضربة مجلس الأمن القومي التي قُتِلَ فيها أربعة من أركان النظام في دمشق، وأيضاً مع انسحاب الجيش السوري من محافظة دير الزور المحاذية للعراق بعد معارك طاحنة مع تنظيم داعش.

الأهم في تلك النقطة، أن الوثائق الأميركية أشارت إلى أنه وبعد حديثها عن إفراغ المناطق الشرقية لسورية إلى احتمالية قيام «كيان ديني سلفي» في تلك المناطق. والحقيقة، أن استحضار هذا الأمر، مع تمدد داعش من الموصل شمالاً ثم الانعطاف غرباً باتجاه القائم عند الحدود السورية والبوكمال ثم التوغل أكثر باتجاه الشعفة والعشارة والميادين ثم شمالاً باتجاه الرقة. وهو الجَيْب الواسع الذي يتشكل عليه نفوذ داعش حالياً في الدولتين: العراق وسورية.

أمام هذا التجسيد على الأرض فهل مازال الاستفهام حول العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وداعش محرماً؟! نعم نحن لا نقول بأنها علاقة عضوية، لكنها وحسب المعطيات المذكورة هي علاقة مسكوت عنها تحمل الضوء الأصفر كي تستعد أو تعبر دون مشاكل. هذا هو التقييم الأوَّلي لما يجري، وإلاَّ فما هو التفسير المنطقي لتلك الوثائق.

أمر آخر يجب ذكره هنا وهو أن الولايات المتحدة (بالتأكيد) ليست الوحيدة التي تنظر إلى داعش بتلك النظرة (العادية والاستسهالية) بل هناك دول قريبة من الولايات المتحدة ولديها ذات المصالح وذات الرؤية التي كشف عنها إيلي ليك وهو خبير أميركي في شؤون الأمن في إحدى مداخلاته. هذه الجوقة ليست لها مشكلة عميقة مع داعش، بل هي تتبادل معها المصالح بشكل غير مباشر.

ما يهم الولايات المتحدة الأميركية في هذه اللحظة، هي أنها بدأت في رمي كومة القش في الهواء كي تنزل نثاراً كيفما اتفق في منطقة محددة تريدها. هذه المنطقة هي المناطق التي ما زالت صلبة في العالم العربي والبعيدة (على الأقل آنياً) عن التقسيم الإثني والطائفي. هناك مصر وهناك الجزائر، بعد أن تم الانتهاء من العراق وسورية وليبيا.

وربما استمعنا جميعاً لمقابلة السيناتور الأميركي، ليندسي غراهام في الـ سي إن إن الذي بيّن فيها حجم الخلاف مع الإدارة الأميركية في الموقف من تنظيم داعش، مضيفاً إلى أن «الإدارة الأميركية تفتقد إلى الخيارات والبدائل في المواجهة» ولو «أنني كنت الرئيس (محل باراك أوباما) لطردت جميع صناع القرار» في الإدارة الأميركية. فهناك أصوات في الدخل الأميركي تعتقد بعدم صوابية غض الطرف عن داعش تحت ذريعة حماية المصالح.

الجغرافيا الأميركية محمية بفعل المحيط والغربة الثقافية والسُّور الأمني المتين، الذي يُبعدها عن هذا اللعب الأسوَد. أقصى ما تخشاه واشنطن من الإرهاب هو المتكأ على تكتيك «الذئب المنفرد» كما سمَّاه إليكس وورد الذي يعني العمليات الإرهابية التي تتم بنوايا أيدلوجية لكنها ليست ضمن البيروقراطية التنظيمية للإرهاب. وهذا النوع من الأعمال يمكن التصدي له كونه منفصل ويحمل لونه المشع ضمن فضاء مفتوح.

لا أعتقد أن الأمور والقرائن باتت بعيدة عن بعضها كي يعجز المرء عن تجميعها وربطها لمشاهدة صورة شبه متكامل أو على الأقل رؤية خطوات ملموسة على الرمل باتجاه ينقطع في آخره. لكن النتيجة هي أن شيئاً حقيقياً موجوداً ضمن فضاء ضبابي لا يُراد لنا فيه أن نرى تلك الحقيقة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4669 - الجمعة 19 يونيو 2015م الموافق 02 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:41 ص

      تساؤلات مشروعة وتحتاج الى اجابة

      كيف تبيع داعش نفطها وكيف تجري اتصالاتها وكيف تحرك عرباتها لآلاف الكيلومترات دون أن تحلق فوقها طائرة امريكية واحدة او يرصدها رادار أو قمر صناعي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اقرأ ايضاً