العدد 4682 - الخميس 02 يوليو 2015م الموافق 15 رمضان 1436هـ

المدرسة في معادلة بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

المدرسة باعتراف الخبراء والمختصين في العلوم التربوية والاجتماعية، تشكل أداة مهمة ومقوماً رئيساً في الاستراتيجيات الوطنية في المجال التربوي والمعرفي والاجتماعي والثقافي. وللمدرسة ضمن منظومة مناهجها وطرقها التعليمية وبرامج وخطط عملها التربوية، أثرها المتفاعل في تقويم وبناء السلوك وتكوين الجيل الواعي والمحصن بالقيم الحضارية الأصيلة وبالمقومات الثقافية والمعرفية لقضايا العصر.

ويعتمد إنجاز أهداف مشاريع الدول في البناء التربوي والاجتماعي وتأمين متطلبات ضمانات المسار الآمن للتطور الحضاري للمجتمع، على مدى فاعلية المدرسة وجودة منظومة مناهجها التعليمية والتربوية. والمدرسة وفق ذلك المنهج تسهم بشكل فعلي في تحقيق الأهداف الموجهة لبناء السلوك البشري وتفعيل أهداف التنمية المستدامة.

الأهداف والاتجاهات الموجهة لمنظومة المناهج المدرسية تجسد جوهر أهداف التنمية المستدامة المتمثلة في وظائفها الرئيسة المحددة في حماية البيئة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وبمقاربة محددات المناهج المدرسية ودراسة مصنفاتها، يمكننا تشخيص البعد الإستراتيجي للمدرسة في بناء السلوك البشري والمساهمة في إنجاز أهداف التنمية المستدامة، ومن أولويات أهداف المناهج المدرسية بناء الجيل المتعلم. وتسهم المدرسة في تعضيد المقومات المعرفية لقطاع واسع من التشكيلة الاجتماعية في المجالات المختلفة للمعارف الإنسانية، وتبصير الجيل بمبادئ السلوك القويم. ويتداخل مع ذلك إطلاعهم على حقائق المقومات الرئيسة للموارد البيئية المهمة لمعيشة وبقاء المجتمعات البشرية على البسيطة.

الموارد البيئية وما يحيط بها من بيانات وإحداثيات في شأن أهميتها الاستراتيجية، الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية كمقوم حيوي لحياة الإنسان على كوكب الأرض، إلى جانب حقائق المخاطر المحيطة بواقع هذه الموارد نتيجة الممارسات البشرية غير الرشيدة، والتي تتسبب في تدهورها تمثل محوراً مهماً في المناهج التعليمية، وتسهم في بناء المفاهيم السليمة للفرد والمجتمع في منظومة علاقاته المتداخلة مع معالم النظم البيئية. وتعزيزاً لذلك أوصت وثيقة دبي حول التنفيذ الاقليمي العربي لمخرجات (ريو-20) 2013 بـ «إدخال مفاهيم التنمية المستدامة في المناهج الدراسية وفي النشاطات غير المنهجية؛ من أجل إعداد أجيال واعية لأهمية تحقيق التنمية المستدامة، وخاصة الحفاظ على الموارد الطبيعية واستدامتها».

الأهمية الاستراتيجية للتعليم في بناء السلوك البشري وإنجاز أهداف التنمية المستدامة، جعلها في مقدمة أولويات المشروع الدولي البيئي المحدّدة معالمه في مبادئ المؤتمرات الدولية بشأن البيئة والتنمية المستدامة، ذلك ما يجري التأكيد على ضرورته في المبدأ (19) في وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية في ستوكهولم العام 1972، الذي يشير إلى أنه «يمثل تعليم الأجيال الشابة وكذلك الكهول في المجالات البيئية، مع إيلاء الاعتبار الواجب للمحرومين، عملاً أساسياً لتوسيع نطاق الرأي العام المستنير، والتصرف المسئول من طرف الأفراد والمؤسسات والجماعات في حماية وتحسين البيئة بأبعادها الإنسانية الكاملة».

وتولي مبادئ وثيقة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20) قضايا التعليم أهمية خاصة في محاور مختلفة من الوثيقة، وتشدد الدول (في المادة 233) على التوجه الممنهج لدعم التعليم بالقول: «ونعقد العزم على تعزيز التعليم من أجل التنمية المستدامة، وعلى دمج التنمية المستدامة بفعالية أكبر في مجال التعليم في فترة ما بعد عقد الأمم المتحدة للتعليم من أجل التنمية المستدامة». وبالاتساق مع ذلك تؤكد الفقرة (أ) في المادة (13) عن التثقيف والتوعية الجماهيرية، في الاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي، بأن تقوم الأطراف المتعاقدة بالعمل على «تعزيز وتشجيع تفهم أهمية صيانة التنوع البيولوجي والتدابير اللازمة لذلك، وكذلك نشر هذا التفهم من خلال وسائط الإعلام، وإدراج هذه المواضيع في البرامج التعليمية». كما أن اتفاقية المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تؤكد (في المادة 1، بند3) على أن «تتعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بتطوير وتطبيق السياسات والأنشطة بهدف المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية وإعادة تأهيلها وضمان الاستغلال المستدام لها، والعمل وفق ذلك بما هو محدد في الفقرة («هـ) من المادة، بالتأكيد على «الاهتمام بالتعليم البيئي للتوعية بأهمية المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لها وبالأخص على مستوى التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي».

التربية البيئية وبناء السلوك البيئي للمجتمع الطلابي المدرسي تمثل أيضاً ركيزة مهمة في منظومة التعليم البيئي، كما أن ذلك المنهج محور رئيس في أدوات النشاط المدرسي غير الصفي، وذلك جزء مهم للعملية التعليمية والتربوية ومكمّل لمنهج التعليم الصفي. وصار ذلك المنهج في مقدمة أولويات عدد من الخطط المدرسية التي تفاعلت معه في سياق العمل التنافسي للتميز، وذلك مدخل استراتيجي لتعميم قيم ثقافة السلوك القويم ومبادئ التنمية المستدامة بين القطاع الطلابي المدرسي.

ونظراً لأهمية القطاع الطلابي في منظومة التركيبة الاجتماعية، يمكن من خلاله تعميم تلك القيم والمبادئ إلى شرائح وفئات واسعة من المجتمع، وجرى في سياق ذلك المنهج تبني منظومة من الأدوات التفاعلية في منظومة العمل البيئي المدرسي، وشهدت المدارس في مختلف البلدان إنشاء الأندية البيئية وتنفيذ البرامج والمسابقات البيئية الدورية، وتحفيز مشاركة القطاع الطلابي في البرامج التنافسية والبحثية في الشأن البيئي. وقد عزّز ذلك التوجه من الحراك البيئي المدرسي، وهو المطلب الاستراتيجي الذي ينبغي العمل في تعضيد مقومات آلياته وبرامجه ومأسسة مناهج عمله للتمكن من جعل السلوك البيئي ثقافة مجتمعية، وبما يفيد تيسير مهام إنجاز أهداف بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4682 - الخميس 02 يوليو 2015م الموافق 15 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً