العدد 4684 - السبت 04 يوليو 2015م الموافق 17 رمضان 1436هـ

إلى متى نبقى نتجرَّعُ هذا السُمّ في سكُون؟

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

ابتلينا في وطننا (البحرين) بواقعٍ مرٍ نشأ عن سلوكٍ مكتسبٍ مُشين غير خافٍ على كل متأمل، ولا يُليق لصاحب ضمير أن يقف حوله دون أن يعبأ بمَضارِه وعَنَتِه.

هذا السلوك أقل ما يُقال عنه أنه انحرافٌ عن محاسن الأخلاق والفضيلة، قد تجلى ـ ابتداءً ـ في بزوغ ظاهرة الفتنة الطائفية وانزلاق فئةٍ من الناس في متونها، وانتهاءً بتكريس التمييز الطائفي المقيت بلا استخفاء ولا استتار، وعلى كافة الأصعدة، دون خوف من ضَيْر، وكأن هذا السلوك في نظر أولئك هو من محمود الخِصال، بل إن بعضهم لم يجعل هذا السلوك من حميد الأفعال وحسب وإنما عَدَّوه من أصول الشريعة ومما يُثاب المرءُ عليه ويُؤْجَر، بعد أن غُرِست في صدورهم كراهية الطرف الآخر، واعتَرَتْ قلوبهم القسوة، واستوطنت عقولهم العداوة والبغضاء، وتنامى في نفوسهم حُبّ الشماتة، وخلصوا إلى أن تزكية النفس وطاعة الله تكمنان في ظلم الطرف الآخر (المُميَّز في حقه)، وعلى عقيدة «أنْ لا يَدخُل الجَنَّة إلا من سَعَى سَعْيه فيه».

وهكذا تعمَّقت الفتنة الطائفية وشاع التمييز الطائفي حتى استفحل في بطش، بأساليب وطرق شتى خروجاً عن محاسن الأخلاق وانحرافاً عن الفضيلة. هذه الفضيلة التي تمثَّلت في الفطرة السامية والسجِّية الطاهرة للإنسان السوي؛ لأن ذلك الانحراف بوصفه السابق هو نَقِيضُ الفطرة وخلاف السريرة والسجِّية الطاهرة لأبناء آدم.

ولن نداري إنْ قلنا؛ إن هذا الانحراف على النحو المتقدم ليس بالضرورة أن يكون نابعاً عن سوء سريرة، وإنما قد يكون ناشئاً عن سياسة مقررة غير معلنة تديرها أجهزة خاصة، أو عن أخطاء الدوائر الرسمية الصادرة منها عن قصد أو غير قصد، فيتلقفها القُصَّر من الناس أو ناقصو الإيمان، ويُساهم في بلورتها وتنشيطها سماسرة العصر. ولكي نؤكد على أن للسياسة، أو الأخطاء، المشار إليها دوراً في تعميق الفتنة وإشاعة التمييز الطائفي، نسوق حَدثين آنيين فقط منعاً للإطالة، ويمكن أن يُقاس عليهما مُثُل، وهما:

الحدث الأول: لقد سمعنا مؤخراً أنَّ مِنَ التُهم التي أُسندت إلى الأمين العام لجمعية الوفاق والتي عُوقب بسببها بالسجن هي «تحريضه على بُغْضِ طائفة من الناس، وعدم انقياده للقوانين». فإذا افترضنا جدلاً صحة ما أسند إليه، وآمنا جدلاً أيضاً بأنه عُوقب بمقتضى القانون، ألا يُفترض أن الناس كلهم خاضعون لأحكام القانون؟

فإذا كان الأمر ذلك فلِما إذاً لم يُلاحق ولم يُعاقب النَقَّار والعَقَّار والهمَّاز واللمَّاز والضاغنة كالذين دأبوا جهاراً ظهاراً، وعلى المنابر وفي القنوات الإعلامية ووسائل الإعلام، على تحقير وازدراء وسب وتكفير طائفةٍ مسلمةٍ هي بحجم ثلثي الوطن. أليس في هذا ما يوحي إلى أن هناك مخططاً لإثارة الشحناء وزرع الفتنة الطائفية، وإلا لِمَا السكوت عن هؤلاء طالما أن الجميع خاضعون لأحكام القانون وتحت ظِله؟

الحدث الثاني: لقد شاهدنا أكثر من مرة، وحتى منذ وقت قريب جداً، عَرْضَ أفلام بإحدى القنوات المحلية تتضمن اعترافات لمجموعة ممن اتهموا بحيازة متفجرات، وعلى رغم أن هذا العرض جاء مخالفاً للقانون لكونه يُمثِّل تشهيراً سابقاً على صدور حكم بالإدانة، إلا أن هذا العرض وما سبقه لم نره ولم يُعمل به بالمِثْل في مواجهة ثلة من جماعة أخرى ممن ضُبطوا بجرم جمع الأسلحة، أو ظهروا علناً متلبسين بجرم إطلاق النار على جمهور من الناس، وهذا ما يُعَّد نوعاً من التمييز والتفريق في المعاملة الذي يؤول دون ريب إلى إثارة البغضاء والكراهية بين الأخوة في الوطن، فلو أن أباً (مثلاً) قد دأب على التفريق في المعاملة والعطاء بين أبنائه من زوجتين، أو كان يحابي بعضهم على حساب البعض الآخر، أليس في هذا ما يثير الحقد بينهم رغم ما يربطهم من علاقة نسب ودم، فما حال الأخوة (المواطنين) إذاً في الوطن الواحد إذا ما حدث لهم مثل هذا الأمر؟

فهذا التفريق والتمييز في المعاملة، أو التمييز في العطاء، أو التمييز في العقوبة والجزاء، كلها طرق وأساليب مدعاة للفتنة الطائفية ومدخل لإثارة العداوة والبغضاء بين الأخوة في الوطن.

وسواءً كان ذلك عن قصدٍ أم عن غير قصد، فهو لا يَعْدو شراباً عَلْقماً، بل هو سم زعاف نتجرَّعه في غفلة وفي سكون حتى الموت حُكْماً. وفي النهاية نسأل: إلى متى سنبقى نتجرَّع هذا السم في سكون؟

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 4684 - السبت 04 يوليو 2015م الموافق 17 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:46 ص

      ا

      الطائفيه ورقه تستخدمها النظم المستبده في حال استشعارها بزوال كرسيها من جرّاء مطالب شعوبهالها بمشاركتها بالحكم اوالمطالبه بحقوقها وقد استخدمها فرعون عندما استضعف طائفه على أخرى فأخذ يقتل ابنائها ويستحيى نسائها.

    • زائر 2 | 2:41 ص

      سيتجرعون ما اسقونه إياه

      الظلم ظلمات لن نستسلم لواقعنا وسنغيره بالمطالبات المدنية السلمية العالم تغير الا عقلية البعض في هذا العالم الواسع بمنطقة الخليج لن يكون عصي التغيير السلمي ومنطلقه البحرين على عموم الاقليم مؤلم حالنا وتعمد الحاق الأذى بنا لكسر مطالبنا فهيهات منا الذله

    • زائر 1 | 1:47 ص

      حسبنا الله ونعم الوكيل

      من يظلم الآخر بفتوى إسلامية فلا خير فيه ولا إسلامه
      لأن العقل يرفض الصفات السلبية ابتداء فكيف يقبل به الله وهو العدل وأحكم الحاكمين
      مقالة رائعة ولكن لن يقرؤوها وإذا قرؤوها فلن يبالوا بها
      ختم على قلوبهم

اقرأ ايضاً