العدد 4699 - الأحد 19 يوليو 2015م الموافق 03 شوال 1436هـ

خوِّنْ واشتمْ «عشان تطلع الصورة حلوةْ»

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

ليس أسهل من أن تُخوِّن وتشتم. بصيغة أدق: ليس أسهل من أن تخوِّن وتشتم إذا ولدتَ وتربيتَ ووعيت في بيئةٍ، التخوينُ والشتائم فيها جزء من تركيبة الحليب الذي رضعته، والهواء الذي تتنفَّسه! وبصيغة أكثر دقة: لن يجيد التخوين والشتْم إلا أولئك الذين لا دور لهم يُذكر في عالم يُقدِّس الإنسان بالأثر والفعل؛ لا الخلقة وفصيلة الدم، واللون وشجرة العائلة، من نعني هم على هامش ذلك العالم؛ هذا إذا وجدوا لهم مكاناً على الهامش أساساً.

من يمنح نفسه صفة «الوطنية»، وصفة «الشرف»، وفي تكرار مُمل، لن تفاجأ إذا اكتشفت أنه من دون وطنية، ومن دون شرف أيضاً! ويظل في حال ادِّعاء لهما وتمنيات؛ دون أن يقرب البسيط منهما والقشْر؛ تماماً كالذي يصر على أنه الأمين، وبينه وبين الأمانة برزخ، ولن يُعرف إلا باعتباره سادناً من سدنة الخيانة!

أكثر ما ابتلينا به في عصور الفوضى، والقمع أيضاً، أن الذين من ورائهما، يحتاجون إلى أشباه بشر يروِّجون للشريف الذي لا شرف له، والخائن الذي لا أمانة له، مادام الكذب والخدمات، وتلك النوعية من البشر تحت الطلب، وفي أي وقت وزمن يتم استدعاؤها فيه!

للناس مدارك، وللناس أدوات حُكْم ولو بشكل أوّلي على طبيعة البشر الذين لم يُعرف عنهم أنهم أسوياء، ولم يُعرف عنهم أنهم حريصون على كرامتهم؛ كي يكونوا حريصين على كرامة مَنْ عداهم من بشر، ولم يُعرف عنهم أنهم على استعداد للتضحية في المواقف التي تتطلَّب شرفاً ورجولة، لا المواقف التي يتم فيها التحشيد، و»الطعْن» والحنين إلى فزعات جاهلية لها من يحدِّد مؤشرات أسعار أصحابها في بورصة الانسلاخ من القيمة والشرف.

نعلم، ويعلم كثيرون، أن المراحل الحرجة في التاريخ، وفي الزمن، هي التي تكشف معادن الرجال، والذين ينتسبون ظلماً إلى الرجال. كذلك هو الأمر بالنسبة إلى «الوطنية» التي نعرفها من دون مساحيق، ومن دون إعلام ردَّاح رخيص، يُقدِّم أوضح صورة لانحطاط بعض الذين ينتسبون إلى البشر. والأمر نفسه بالنسبة إلى الشرف. تلك المراحل الفارقة هي الحَكَم على إنسانية الإنسان في بعدها الجميل والمبادر والخلاق، لا إنسانية «الهوية» والأرقام التي تحدِّد قيمته في أول الشهر أو نهايته!

تُرى ما الذي يذكره الناس من تاريخ الشتَّامين؛ سوى أنهم في الاحتياط من الأدوات لاستخدامهم في مراحل وحروب وصراعات لن تكون أدوارهم فيها إلا رخيصة، وضمن مناطق ومساحات ينأى بأنفسهم، أولئك الذين يدفعونهم دفعاً للقيام بتلك الأدوار.

هم أنفسهم، الذين يسبغون على «جثثهم» التي تسعى بين الناس، صفات الشرف والوطنية، ويقومون بأدوار توزيعهما على المتردية والنطيحة ممن لا قيمة له ولا دور في المفاصل الصعبة والحقيقية من خيارات البشر في المحيط الذي يستهلكون فيه الهواء والضوء وهم أبناء الظلام!

هل من الشرف أن تُصفق للفساد والقمع والظلم والتمييز والانتهاكات التي تأخذ في طريقها أبرياء وأصحاب حقوق؟ وهل من الوطنية أن ترقص وتشرب نخب تغيير ملامح الأرض وسكّانها؟ ولعب دور بنات الليل كي تقضي وطرك؟ وهل بَعْدَ ذلك الوطْر بعْدُ؟ وهل من الشرف أن تنسى؟ أن تحقق أهدافك ولو في طريق مملوء بالجنائز وبِرَكٍ من الدماء، والمآسي والعذابات التي تطول أبرياء يؤخذون بالشبهة والظنة؛ ويؤخذ من هم في كفالتهم بوزر سواهم؟ وهل من الوطنية ألاّ ترى النقيض. نقيض البشر جميعاً، فقط لأنك على خلاف مع عدو حدَّده لك سواك، من دون أي ذنب اقترفه سوى أنه اختار أن يعيش بكرامة، ووفق ما يراه واختار؛ لا وفق ما يتم فرضه عليه؟ الذين كانوا نكرات فاحتلوا المتْن وهم الذين كانوا يحلمون بالهامش. الذين لا حظَّ لهم في القيمة صاروا يوزِّعون صكوك القيمة في الشرف والوطنية.

الذين كانوا عالة وعبئاً على الحياة صاروا ينظِّرون للحياة وقيمتها والشرف الذي لا قيمة لتلك الحياة من دونه؛ وصاروا اليوم في مقدمة المشهد في هذه المرحلة التي يُراد لها أن تكون رمادية وتافهة بأمثالهم!

والمشكلة أيضاً، أن الذين يوزِّعون صكوك الوطنية والشرف، لا أصول لهم يُعتدُّ بها أساساً، وبينهم وبين ما يدّعون ويلوّحون به، كالذي بين المشرق والمغرب. كالذي بين الأحياء والموتى. كالذي بين الشيء وسيد المخلوقات (الإنسان)!

فقط، هو الفارق بين الذين يعيشون الشرف والوطنية، في سكناتهم وحركاتهم، وبين الذين يحلو لهم تخيُّلهما وادِّعاؤهما؛ فعلَّ في ذلك عزاء للبلاء الذي يمثلونه لأنفسهم، قبل أن يمثلوه للذين وضعوهم للعب ذلك الدور الرخيص في أدنى وأحط درجات التخيُّل والادعاء!

فقط، هو الفارق بين الذين تحتاجهم الحياة، وبين الذين بوجودهم تتوعَّك وتتعثر وتكون محاصرة بالقبور؛ لأن أمثال أولئك هم الموت قبل أن يكونوا القبور!

لن يضيف، ولن تغيِّر مثل تلك «الأشياء» على الحراك الإنساني الذي لا يُعير اهتماماً للخِلَع والألقاب التي تصدِّرها منصات، كثيراً ما تُذكِّر بمنصات الموتى! وفقط، كل وطنية وشرف تأتي من أولئك هي الخيانة والضعة والخلاعة والانحطاط وبيع ما لا يدل على الإنسان بعد بيعه!

يحق لأي منا أن يتساءل ويشكك في حقيقة تلك «الأشياء» في هيئة بشر ممن يُخوِّنون ويشتمون. الحقيقة التي يهربون منها من ضِعَة وانحطاط في محاولة للبحث لهم عن مكان في محيط الشرف والوطنية؛ ولو وهماً وتخيلاً واشتهاء؛ ليس لأنهم يتمنون ذلك؛ كي لا يبرحوا مساحة الوهم واشتهاء أن «تكُونْ الصورة حلوةْ»! وهل بعد ذلك القبح من قبح، بصورة أو ومن دون صورة؟

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4699 - الأحد 19 يوليو 2015م الموافق 03 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 5:31 ص

      تحليل منطقي راقي

      أحسنت أستاذنا العزيز على المقال الرائع. للأسف هؤلاء الشتامون والمطبلون للظلم والفساد لا يستطيعون العيش في بيئة صحية طبيعية. لا يعتاشون إلا على الفتن وفي البيئات النتنة

    • زائر 8 | 4:13 ص

      متسلقون

      انهم المتسلقون والأستغلاليون الذين كلما حان وقت قطف ثمار الطائفية ظهروا في الساحة السياسية لكي يسطروا ويتفننوا في أنواع التحريض الطائفي لكي يقال عنهم أنهم وطنيون .. يستغلون فصل موظف من مكانه لكي يأخذونه لهم يستغلون سلمية هذا الشعب كي يمررون طائفيتهم في قلوب والسذج ويتهمون الوطنيون بأنهم خونه وما الخونه إلا هم .. أحسنت أبو صادق

    • زائر 7 | 4:04 ص

      أحسنت

      هم أبواق للفتنة تشمئز النفس السليمة منهم
      ومن نتنهم

    • زائر 6 | 3:52 ص

      كلام سليم جدا

      هذا اللي حاصل في هذا البلد

    • زائر 5 | 3:34 ص

      جماعة الشتامين متواجدون هنا

      هؤلاء مثل الطفيليات لا يستطيعون العيش كباقي الناس من الاكل الحلال والرزق الحلال والحياة الكريمة .
      معيشتهم تقتصر على نشر الفتن والشتم والسباب هم هكذا معيشتهم ورزقهم وقوتهم وقت عيالهم من هذه الامور

    • زائر 4 | 3:21 ص

      العقرب

      ما دام الرموز في السجون بمحاكمات شهد العالم ببطلانها و مجرد ايقاف لما كانوا يتمنون الهامش وها هم يعودون لمنبر يزوود الدواعش بالضغينة ضد ابناء الطائفة الشيعية بمنظر و مرأى

    • زائر 3 | 2:57 ص

      فرق بين من يعمل لله ومن يعمل لكي يقال

      في الأمور الوطنية والدنيوية هناك من يعمل لكي يقال فلان فعل وفلان قال وكما خاطب الخالق عزّ وجل لبعض عباده الذين يعملون من اجل حب الظهور. ويخاطب يوم القيام بقول فعلت لكي يقال فلان كذا وكذا وقد قيل فلا جزاء لك لدينا.
      اما الانسان المخلص لله وللوطن فإنه يعمل العمل سرا وعلانيّة ولا ينتظر ان يراه احد وحتى ان رآه احد فهو لا ينتظر منهم الجزاء وانما ينظر الجزاء من ربّ الاربابّ

    • زائر 2 | 1:07 ص

      كل موطن

      كل مواطن هناك دين لوطنة ليدافع عنة،لقد وضحت الرؤية وفجرها المرشد الخامنئي ان شبابنا صاروا ادوات يتاجروا بها والضحك على عقول الناس التي لا زالت مغلقة باسم الديمقراطية كل شخص سقط ميت بسب تنفيذ مأرب خارجية فدمة في عنق من حرضة وشد على يدة لممارسة العنف، فالكاتب يعرف ما يحصل ويعرف اين العلة ولكن ندور في فضاء متعب ونحن نعرف اين الخلل في ( نهاجم دواعش ولا نهاجم حوالش) الذين غسلت ادمغتهم من اجل تحقيق مأرب شخصية تملك المليارات في البنوك الاوربية وشعبهم يعيش الفقر المطقع، اعترفوا انكم على خطا ولو لمرة

    • زائر 1 | 10:21 م

      احم احم

      .......
      يا ايها الموطنون المنجمون وكتاب الطلاسم خلصونا او سبوا الاخضر واليابس ؟ هي البحرين فيه شي عدل حتى نقرا موضوع طويل عريض واناقشه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    • زائر 10 زائر 1 | 6:11 ص

      ارجع يا احم احم

      عليك ان تعود بعد انتهاء عطلة الصيف للمدرسة الابتدائية و تجد في الدراسة بعدها ستعرف كيف تفك الطلاسم التي تدعيها!

اقرأ ايضاً