العدد 4703 - الخميس 23 يوليو 2015م الموافق 07 شوال 1436هـ

وراء العالم في الحريات والحقوق

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

في الأحيان تُغني نتائج دراسة واحدة عن إلقاء ألف محاضرة وعن كتابة ألف مقال. ففي سنة 2010 نشرت مؤسسة «بيت الحرية» الأميركية دراسة عن الحرية في العالم كما تظهرها أوضاع الحقوق السياسية والحريات المدنية في العالم عبر أربعين سنة (من العام 1972 إلى 2008). ولخّصت المؤسسة نتائج دراستها تلك في رسم بياني ملفت وبالغ الأهمية. أظهر الرسم البياني تحسُّناً صاعداً مذهلاً لتوافر الحريات الأساسية في بلدان أميركا الجنوبية، التي كانت قبل ذلك مبتلاة بأنظمة حكم عسكرية دكتاتورية فاسدة، وذلك منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي. يلي بلدان أميركا الجنوبية في نسبة التحسّن في الحريات المدنية والحقوق السياسية دول أوروبا الشرقية، التي تحرّرت من الهيمنة السوفياتية القمعية السابقة، وذلك ابتداء من العام 1987، وبشكل مذهل صاعد أيضاً.

يلي تلك الكتلتين الكبيرتين مجموعة الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء، إذ يظهر البيان الرسمي تحسناً معقولاً، ولكن أقل صعوداً، في الحقوق السياسية والحريات المدنية في مجمل تلك البلدان الأفريقية التي كانت تعتبر من أفقر البلدان ومن أكثرها تخلفاً.

حتى الآن نحن أمام ما حدث في مجتمعات الآخرين، ابتداء بمجتمعات أفريقية متخلفة، مروراً بمجتمعات أميركية جنوبية لاتينية ثورية ناهضة، وانتهاء بمجتمعات أوروبية لها وجود ملفت في تاريخ الحضارة الحديثة.

لكن المأساة هي في النهاية عندما يظهر الرسم البياني خطّاً مستقيماً، لا يصعد ولا ينزل، ولا يتبدّل أو يتحسّن قيد أنملة واحدة، ابتداء من سنة 1975 وحتى سنة 2008. إنه خط الحقوق السياسية والحريات المدنية في مجتمعات الوطن العربي، ودون استثناء. عند ذاك يصبح ذلك الرسم البياني فضيحة عربية يندى لها الجبين، وتذكيراً بالتخلف المأساوي للحياة السياسية والمدنية في أرض العرب.

إذا أضفنا إلى ذلك نتيجة دراسة أخرى، أظهرت أن عدد الدول المصنّف الحكم فيها بالدكتاتوري المستبدّ قد تراجع من 90 دولة في العام 1977 إلى 23 دولة بحلول العام 2008، فان المأساة العربية تتضاعف ويبلغ العار العربي قمَّته.

إذ من المؤكّد أن الغالبية السَاحقة من الـ 23 دولة تلك، المصنَّفة بالدكتاتورية الاستبدادية، لا يمكن إلاً أن تكون دولاً عربية. هي وحدها تقريباً بقيت عصيّةً على الموجة الديمقراطية العالمية الهائلة، التي اجتاحت العالم كلّه إبّان نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي.

وقد استبشرنا وفرحنا كثيراً، إلى حدود مغالبة شكوك وتساؤلات النفس الأمارة بالسوء، بربيع الثورات والحراكات العربية عندما امتلأت ساحات الكثير من المدن العربية بملايين البشر وهي تنادي مطالبة بالحقوق السياسية وبالحريات المدنية وبالعدالة الاجتماعية. لكن التخلف السياسي التاريخي العربي، المتجذّر في التربة الاجتماعية العربية عبر قرون طويلة، منذ صعود الملك العضوض الأموي على الحياة العربية والإسلامية إلى يومنا هذا... هذا التخلُّف هو تخلُّف خاص غير طبيعي بامتياز.

وإلا، كيف نفسّر تراجع الحكام العساكر المستبدّين في أميركا الجنوبية أمام ثورات التحرر الشعبية، ونجاح الملايين من شعوب أوروبا الشرقية في الصمود في الساحات التي أجبرت حكم الحزب الشمولي الواحد على الانكفاء أو الاختفاء من الساحة السياسية، وتراجع الحكم الفاسد الفئوي القبلي في الدول الواقعة جنوب الصحراء الأفريقية أمام وعي الجماهير ومطالبها الديمقراطية... كيف نفسّر حدوث كل ذلك بشكل تدرّجي تراكمي عبر فترة وجيزة لا تزيد عن ثلاثة عقود وعبر ثلاث قارات، بينما لم يتراجع العساكر، ولم تتراجع الأحزاب الشمولية والطائفية، ولم تقبل أنظمة الحكم الفئوية الفاسدة التنازل المعقول التدريجي عن امتيازاتها في الغالبية الساحقة من مجتمعات العرب، إلا من رحم ربي، كما حدث في تونس إلى حدّ ما، وببقاء الكثير من المخاطر أمامها بانتظار المواجهة والحلّ المعقول.

مايفسّر جزئياً هذا الفشل العربي في اللحاق بالآخرين في حقل الحريات والحقوق، حقل الممارسة الديمقراطية، إصرار بعض الدوائر وبعض الأفراد، عبر السبعين سنة الماضية، على تأجيل انتقال المجتمعات العربية نحو النظام الديمقراطي، تأجيل ذلك الانتقال بشتّى الحجج الواهية. فتارةً تؤجّل الديمقراطية ويجري قبول حكم العساكر حتى حين تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، وتارةً تؤجّل الديمقراطية من أجل تسريع التنمية الاقتصادية. والآن يتم إجهاض المطالب الديمقراطية التي طرحتها جماهير حراكات الربيع العربي أو تأجيلها من أجل محاربة الإرهاب.

إنها هلوسات انتهازية خبيثة يُراد من وراء نشرها إقناع الجماهير بمبرراتها عدم المساس بامتيازات هذه الجهة أو تلك.

إن التراجع في تواجد الحكم الدكتاتوري عبر المناطق والبلدان التي ذكرنا سابقاً خلال الأربعين سنة الماضية، لم يؤدّ في غالبيتها الساحقة إلى فشل التنمية وتحسن الأحوال الإنسانية. لماذا تعتقد تلك الدوائر العربية ويتطوع الكثيرون من الكتاب والإعلاميين العرب، لنشر ذلك الاعتقاد الخاطئ القائل بأن انتقال العرب إلى الديمقراطية يجب أن يؤجّل من جديد بسبب وجود قوى إرهابية في هذا المجتمع العربي أو ذاك؟

في هذه المرة تحتاج الجماهير العربية أن لا تنطلي عليها الألاعيب إياها، وأن لا تتراجع عن نضالها من أجل غسل عار التخلف السياسي في أرض العرب حتى تلحق بالآخرين.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4703 - الخميس 23 يوليو 2015م الموافق 07 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 12:22 م

      اللهم

      اللهم صبرشعب البحرين وحقق امانيه وخلصهوا من الظلم يارب العالمين وفرج عن معتقلينا وشكرا للكاتب الشريف النزيه والله يهد الكتاب المنافقين والكل يعرفهم

    • زائر 8 | 4:21 ص

      دكتور

      نبغي مقال عن البعثات ورأيك في التوزيع اللي يقولون عنه عادل .

    • زائر 7 | 4:09 ص

      و ما هو العذر بعد عهود الاستقلال؟ 3

      أما من ناحية الأصدقاء الغرب: لماذا تريد الدول الغريبة الديمقراطية أن تجعل الديمقراطية سلعة حكراً عليها (كأسلحة الدمار الشامل)؛ تمنع منها الدول العربية؟

    • زائر 6 | 4:08 ص

      و ما هو العذر بعد عهود الاستقلال؟ 2

      المُلك العضوض باسم الشريعة ؛ هو هو المُلك باسم المكتسبات القومية أو الجماهير أو التقدمية أو الحداثة لا فرق! التسلط على رقاب العباد دون رأي منهم ؛ لا خلاف إلا في اللافتة. إنه التغطرس و الاستعلاء و الغرور البشري ، أموياً كان أو خمينياً أو عباسياً أو عثمانياً أو وطنياً أو قومياً أو علمانياً. أعلى القيم الإنساية هي كرامة الإنسان ، و حيث أن جميع تلك النظم لا تقيم وزناً لكرامة الإنسان ؛ فمكانك سر.

    • زائر 5 | 4:07 ص

      و ما هو العذر بعد عهود الاستقلال؟ 1

      بعد إسقاط المُلك العضوض، و بعد عصور التحرر من الاستعمار والتبعية ، و ظهور الدولة المدنية الحديثة، ماذا قدمت الأنظمة العربية الحاكمة اليسارية والقومية والعلمانية؟ لم يعد وجود للتوجه الأموي المتعذر بالحفاظ على الملك لتأدية واجب إقامة أحكام الشريعة ؛ لكن حل مكانه توجه قومي أو يساري أو علماني متعذر بالحفاظ على المُلك لتأدية واجب الحفاظ على المكتسبات القومية (الجماهيرية) أو العلمانية (التقدمية الحداثية) .

    • زائر 4 | 1:58 ص

      عندما نتذكر ايامك

      نعم يا دكتور علي فخرو اولا طاب صباحك ثانيا عندما اقرأ مقالاتك اشعر انني امام هرم تربوي لا يتكرر نعم لقد كنت القدوة الكبرى في التربية والتعليم عن عندما كنت وزيرا للتربية وبصماتك لا زالت عالقة في الاذهان والنفوس لدى ابنائك الطلاب والطالبات االذين اصبحوا رجالا ونساء ولدى المعلمين والمعلمات وكل العاملين في حقل التربية في تلك الفترة ولك منا كل التحية والتقدير

    • زائر 3 | 1:56 ص

      ياريت ترجع وزير للتربية و التعليم

      مقال قوي و ممتاز

    • زائر 2 | 12:11 ص

      نعم التخلف عار

      ولكن العار الأكبر هو عندما ينادي المتخلف بالديموقراطية والحريّة .........بالافعال وليست بالكلام المصفوف وإعادة كتابة الأفكار المنشورة في الكتب والافعال عكس ذلك

    • زائر 1 | 10:49 م

      دكتاتورية بامتياز

      لابد من ان تمنح الدول العربية الامتياز ودروع التكريم ويصفق العالم لكل المجون هنا وهناك وقلة من الأنظمة التى تمتعت حكوماتها بالحرص على مسك العصا من الوسط لا ايمانا بالديمقراطية والحريات ولكن حتى لا تخسر واستفادت من مجون وجنون الأنظمة من حولها

اقرأ ايضاً