العدد 4724 - الخميس 13 أغسطس 2015م الموافق 28 شوال 1436هـ

قراءة تحليلية للانتخابات الرئاسية الأميركية

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

لا يهدف هذا الحديث إلى تقديم قراءة عن المرشحين في السباق لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، العام 2016، ومن هم الأشخاص الأكثر حظوظاً، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، في الوصول إلى البيت الأبيض. هدف هذه المقالة هو التوصل من خلال القراءة التحليلية، إلى من هو الحزب المرجح وصول مرشحه إلى الرئاسة بالانتخابات القادمة، التي بدأت حملتها هذه الأيام.

الطريق الواضح والأسهل، لمعرفة من سيصل من الحزبين إلى سدة الرئاسة، يكمن في معرفة أين يقف الاقتصاد الأميركي الآن. فالوضع الاقتصادي كان دائماً ولا يزال، هو المفتاح لمعرفة توجهات الشعب الأميركي، من مواصفات الرئيس المنتخب.

في هذا السياق، هناك معادلة لتحديد الحزب الذي سيصل إلى السلطة، الديمقراطي أم الجمهوري. المعادلة تقول كلما حدث تضخم كبير في الاقتصاد، أمست الحاجة ملحة لوصول الجمهوريين إلى سدة الرئاسة، وكلما تضاعف الكساد الاقتصادي، وتسبب بمعاناة أغلبية الأميركيين، كلما غدت الأبواب مفتوحة للديمقراطيين للوصول إلى سدة الرئاسة.

حالة الانتقال من الكساد إلى التضخم، أو من التضخم إلى الكساد، لا يمكن تحديدها بفترة زمنية. فأحياناً تستغرق دورة رئاسية واحدة، وأحيانا تستغرق دورتين أو ثلاثاً، تحكمها في ذلك ظروف عدة، قد تتعدى حدود التفاعلات الاقتصادية الداخلية، إلى ما هو أعم من ذلك بكثير.

لنأخذ بعض الأمثلة من التاريخ الأميركي خلال العقود الخمسة الأخيرة. لقد تسلم ريتشارد نيكسون الرئاسة العام 1969، بعد انتهاء فترة الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون، وفشل الديمقراطيين في اكتساب ثقة الناخبين لدورة رئاسية جديدة. واستمرت حقبة الجمهوريين دورتين رئاسيتين، سقط خلالها نيكسون بفعل فضيحة ووترغيت العام 1974. تسلم الرئاسة بعده، الجمهوري جيرالد فورد، الذي يعد من الرؤساء الأميركيين القلائل، الذين وصلوا إلى سدة الحكم من غير انتخاب.

وأدت الحرب الفيتنامية، إلى خسائر اقتصادية كبيرة للأميركيين، رافقها سقوط أكثر من خمسين ألف قتيل، عدا مئات الآلاف من الجرحى والخسائر في المعدات. وبلغ الكساد مستوى عالياً في السنوات الأخيرة للرئيس فورد. ولا شك في أن الوضع الاقتصادي الأميركي المتردي آنذاك، كان من أسباب انتخاب الديمقراطي جيمي كارتر لسدة الرئاسة.

عانى كارتر منذ أيامه الأولى، نتائج الطفرة الكبيرة في أسعار النفط، التي تسبب بها تضامن الدول العربية المصدرة للنفط مع مصر وسورية، في حرب أكتوبر 1973، التي انعكست نتائجها بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي. وجاء احتجاز الرهائن الأميركيين، من قبل الحرس الثوري الإيراني، في الأيام الأولى لانتصار الثورة، ليشكل ضربة قاصمة لحظوظه، في الحملة الانتخابية، للدورة الرئاسية الثانية.

وصل الجمهوري القادم من كاليفورنيا، رونالد ريغان إلى سدة الرئاسة، في ظل تضخم اقتصادي كبير، فكان أن اتخذ قرارات قاسية، للحدّ من التضخم، عانتها الطبقتان الدنيا والمتوسطة. ولكن الدورة الاقتصادية للكساد أخذت ثلاث دورات رئاسية، اثنتان منها للرئيس ريغان والثالثة لجورج بوش الأب. وكان سقوط الأخير، بسبب فشل السياسات الاقتصادية، ولم يشفع له أنه احتل بنما، وخاض حرباً انتصر فيها ضد العراق، وأنه الرئيس الذي دشن تربع الولايات المتحدة، كقطب أوحد في العالم.

وكان طبيعياً، بعد الكساد الحاد، أن يعاود الديمقراطيون تسلم سدة الرئاسة، فيصل إليها بيل كلينتون، الذي جاء ببرنامج اقتصادي متين، مكّن الأميركيين من الخروج بسرعة من الأزمة الاقتصادية. وتسلم الحكم دورتين رئاسيتين متتاليتين. واعتبر من أنجح رؤساء أميركا، على الرغم من فضيحة ارتباطه بطالبة متدربة في البيت الأبيض. لكن دورة التضخّم اكتملت في عهده.

عاود الجمهوريون سيطرتهم على سدة الرئاسة لدورتين متكاملتين، أمسى فيها جورج بوش الابن رئيساً للولايات المتحدة. وكانت بالنسبة إلى العرب من أحلك الحقب في التاريخ الأميركي. ففي عهده وقف خلفه المحافظون الجدد، وطرح مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي سينبثق من رحم الفوضى الخلاقة. وجرى احتلال أفغانستان والعراق، وبدأت المنطقة بأسرها تتهيأ لانهيارات كبرى.

وعلى الصعيد الاقتصادي اتسمت سياسات جورج بوش الابن بفشلٍ ذريع، حيث شهدت أيامه الأخيرة، بروز أزمة الرهن العقاري، التي تحولت لاحقاً إلى أزمة اقتصادية عالمية، لا نزال نعاني تبعاتها، حتى يومنا هذا.

تسلم الديمقراطي باراك أوباما سدة الرئاسة دورتين متعاقبتين، ورغم انتهاجه سياسات اقتصادية أعادت الاعتبار للطبقة المتوسطة، وأسهمت في إيقاف حالة الانهيار في الاقتصاد العالمي، فإن الأزمة لاتزال مستمرة، وبحاجة إلى مزيد من جرعات برامج الحزب الديمقراطي، التي تعتمد على تصعيد الضرائب، وتقوية الطبقة المتوسطة، وتحقيق دولة الرفاه، ودعم الضمان الاجتماعي، وزيادة عدد الموظفين، وعمل دؤوب على الحد من معدلات الجريمة.

الاقتصاد الأميركي، ومعه الاقتصاد العالمي، لا يحتمل عودة الجمهوريين إلى السلطة في الانتخابات القادمة. فأمامنا أزمات اقتصادية حادة، في اليونان وإسبانيا والبرتغال، وسلوفاكيا وإيرلندا، فضلاً عن عدد كبير من بلدان العالم الثالث، التي يعيش الملايين من أبنائها تحت حد الفقر. يضاف إلى ذلك، أن دورة التضخم الاقتصادي بالولايات المتحدة لم تبلغ ذروتها بعد، وهي بحاجة لكي تكتمل، إلى دورة رئاسية أخرى، على الأقل.

وصول الجمهوريين إلى سدة الحكم، في الدورة المقبلة، معناه انخفاض للضرائب، وتقليل لاستحقاقات الأغلبية من الأميركيين، وطرد مئات الألوف من وظائفهم، واستنزاف أكبر لدافعي الضرائب لمصلحة كارتلات السلاح. والنتيجة ستكون عودة ارتفاع معدلات الجريمة، وتدني قطاعي الصحة والتعليم، وإقفال ملايين المؤسسات الصغيرة.

لكل هذه الأسباب، لا يتوقع وصول جمهوري إلى سدة الحكم في الدورة الرئاسية القادمة. وما يلوح حتى الآن هو أن الرئاسة ستكون من نصيب الديمقراطيين، والأغلب أنها ستكون مقاسمة بين شخصين، هما نائب الرئيس حالياً جوزيف بايدن، ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ما لم تحدث مفاجآت تغيّر هذا التوقع، لكن هناك شبه استحالة لعودة الجمهوريين.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4724 - الخميس 13 أغسطس 2015م الموافق 28 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً