العدد 4749 - الإثنين 07 سبتمبر 2015م الموافق 23 ذي القعدة 1436هـ

أعلام في التسامح والسلام... «إيلان» شهيد السلام

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

يقف اليوم كل أعلام التسامح والسلام الذين كتبنا عنهم في هذه السلسلة من المقالات، سواء كانوا شخصيّات أو هيئات أو منظمات وطنية أو إقليمية أو دولية، مشدوهين، يشيّعون جثمان سفير آخر من سفراء السلام، عاجزين عن الردّ على سؤال شهيد السلام الطفل «إيلان»، سؤال الحق في الحياة الكريمة، أو حتّى مجرّد الحياة؟

شخصيّة اليوم لم يكتب لها أن تتجاوز الثالثة من عمرها ولكنها فعلت في العالم أيّما فِعلٍ، وأثّرت في قرارات بعض دول الاتحاد الأوروبي ووجّهتها وجهة إيجابيّة لفائدة السلام وأظهرت شعوب هذه الدول قدراً كبيراً من التضامن والتسامح في التعامل مع أزمة اللاجئين السوريين، شخصيّة اليوم حرّكت سواكن الإعلام الغربي، أيقظت في الفنانين روحهم الإنسانية ألهبت الشعراء في انتظار أن توقظ من بقي في قلبه ذرة إحساس في هذا العالم «المتمدّن».

شخصية اليوم سيرتها قصيرة وآثارها على الإنسانية لا حدّ لها، الطفل «إيلان عبدالله غالب» ذو الثلاث سنوات لا يمكن أن يكون في حياته، وهو بعد طفل صغير، ما يدعو إلى السلام والتسامح ونبذ العنف والتقاتل، لكنّ موته حوّله إلى رمز للسلام المفقود، يعبّر عن أزمة اللاجئين السوريين أعظم أزمة لاجئين في العالم على مر التاريخ، أكثر من 2 مليون لاجئ تقطّعت بهم السبل بين تجار البشر وأمواج البحار العاتية حتى قضى أغلبهم؛ فمنهم من التهمه البحر وبقي في أعماقه ومنهم من لفَظَهُ البحر ليكون شاهداً على حال الإنسانية في زمن حقوق الطفل وحقوق الإنسان زمن المدنية والسلام والعيش المشترك... والعالم قرية كونية... وما إلى ذلك من شعارات رنانة فقدت كل معانيها مع صورة الطفل «إيلان» الذي وجد مسجّى على بطنه على رمال شاطئ بودروم جنوبي غربي تركيا بعد أن غرق جنباً إلى جنب مع والدته ريحان وشقيقه غالب (5 أعوام).

هل تذكرون شخصية «حنظلة» الكاريكاتورية التي ابتكرها الرسام الفلسطيني الراحل ناجي العلي؟ هل تذكرون ذلك الذي أعطى العالم ظهره وجعل يداً في يد أسفل ظهره متحسراً أو يائساً من هذا العالم؟ هل تذكرون أقدم رسمة عربية ترمز إلى «معاناة اللجوء»؟ هل تذكرون عمق التعبير فيها عن ازدراء هذا العالم الذي تنكّر لأزمة اللّاجئين الفلسطينيين؟ ها إنّ صورة الطفل «إيلان» وقد واجه العالم بحذائه أشدّ رمزيّة وتنكيلاً بما يفتخر به هذا العالم في الألفية الثالثة من تقدّم في مجالات الحقوق الفردية والجماعية وعلى رأسها الحق في الحياة والحياة الكريمة أساساً.

شخصية اليوم الطفل السوري الغريق «إيلان» جسّدها الفنان الهندي سودرسان بتناييك تمثالاً على أحد الشواطئ شرقيَّ الهند؛ حيث غاص التمثال في الرمال تماماً مثل جسد الطفل إيلان، وكتب بنتاييك تحت التمثال «الإنسانية غسلها الشاطئ. العار العار العار»، في كلمات مؤثرة تدل على الغضب الذي أصاب العالم من مشاهدة الصور التي نشرت عن الطفل إيلان ووجهه لأسفل في الرمال.

شخصيّة اليوم حرّكت مشاعر العالم الغربي؛ فهذا الإعلام يخصص أولى صفحاته لنشر صورة الطفل الغريق وهذه المنابر التلفزيونية تقدم البرامج تلو الأخرى وتلقي خلالها الضوء على هذه الفاجعة الكبرى ولعل أطرف ما قرأناه ما جاء في صحيفة إندبندنت حيث تساءلت مستهجنة «إذا لم تغيّر هذه الصور المفجعة للطفل السوري الغريق الذي جرفته الأمواج إلى الشاطئ موقف أوروبا من اللاجئين فما الذي سيغيره؟» وهؤلاء نشطاء السلام في المجتمع المدني الأوروبي أعربوا، قولاً وفعلاً، عن استعدادهم لقبول أفواج الهاربين من أتون الجحيم في سورية، بل تدافع الناس في ألمانيا لاستقبال اللاجئين مع وصول أولى الرحلات القادمة من النمسا، وتجاوز المد التضامني حدود الأفراد ليشمل المؤسسات الرياضية فهذه أعرق الأندية الأوربية تعبر عن استعدادها للمساهمة بأموالها وتجهيزاتها الرياضية في حلحلة أزمة اللاجئين السوريين وهذه .. وهذا.. وهؤلاء.. تفاعل عجيب مع رسالة السلام التي بعثها شهيد السلام «إيلان»! ألم أقل لكم إنّ سيرته الزمنية في الحياة قصيرة، لكنّ صورته الأخيرة ستبقى خالدة شاهدة على مأساة اللاجئين السوريين، حاشدة لملايين المؤمنين بالسلام والتسامح حتى يساهموا في احتواء أعداد كبيرة من السوريين الناجين من الموت على أرضهم بفعل التصارع المحموم على السلطة والشرعية.

وختاماً، وفي انتظار حلّ سياسي للأزمة السورية، عبر جامعة الدول العربية، لا نراه قريباً، أو في انتظار نهاية عسكرية لإحدى جبهات القتال في سورية لا نراها في الأفق القريب، وفي انتظار استكمال مشروع الشرق الأوسط الجديد وهو ما نراه بعيداً ويرونه قريباً، وفي انتظار مزيد من التفتيت والتقسيم لأوصال البلاد العربية وهو واقع بتنا نراه رأي العين، في انتظار كل هذا وذاك... أدعو كل إنسان يخجل من نفسه في العالم العربي إلى وضع صورة «إيلان» الأخيرة في برواز (إطار) ويعلقها في أحد جدران بيته، ولْينْظرْ بعد هُنيْهة إنْ كان الجدار قد بكى ترحّماً على روح شهيد السلام رمز خيبة الإنسان العربي.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4749 - الإثنين 07 سبتمبر 2015م الموافق 23 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:51 ص

      أعلام في التسامح والسلام... «إيلان» شهيد السلام

      جعل الله ما تكتبه من أجل السلام في ميزان حسناتك يا أستاذ وربي يحفظ الامة

    • زائر 1 | 12:42 ص

      طفل حرك العالم

      إنّ سيرته الزمنية في الحياة قصيرة، لكنّ صورته الأخيرة ستبقى خالدة شاهدة على مأساة اللاجئين السوريين، حاشدة لملايين المؤمنين بالسلام والتسامح حتى يساهموا في احتواء أعداد كبيرة من السوريين الناجين من الموت على أرضهم بفعل التصارع المحموم على السلطة والشرعية.

اقرأ ايضاً