العدد 4770 - الإثنين 28 سبتمبر 2015م الموافق 14 ذي الحجة 1436هـ

محمد نعمان جلال ومؤسسة كونفشيوس

رضي السماك

كاتب بحريني

كسائر القراء فوجئت بالخبر السعيد عن اختيار مؤسسة كونفشيوس الصينية الزميل والصديق محمد نعمان جلال عضواً في مجلس إدارتها للسنوات الخمس المقبلة، وهو خبر يبعث بلا شك على السعادة والافتخار، ومبعث هذا الشعور ليس فقط لما يربطني بنعمان من علاقة شخصية تمتد إلى ما يقرب من عقد ونصف العقد منذ قدومه لوطنه الثاني البحرين خبيراً وباحثاً استراتيجيّاً كبيراً في شئون العلاقات الدولية، بل لكونه من الشخصيات الدبلوماسية المصرية والعربية المتميزة النادرة التي يقع عليها مثل هذا الاختيار في مؤسسة دولية مرموقة تحمل اسم الحكيم والمفكر والفيلسوف الصيني الأشهر كونفوشيوس ( وُلد 551 ق.م)، وشكلت فلسفته أحد روافد القيم الانسانية العالمية المشتركة لحضارات وشعوب العالم. وفي تقديري لم يقع اختيار هذه المؤسسة العالمية اعتباطاً؛ بل لما قامت به المؤسسة المذكورة مقدماً من رصد دقيق لاسهامات الباحثين العرب في القضايا الصينية ووجدت ما كتبه الزميل نعمان من أبحاث ومؤلفات رصينة مُحكمة عن تاريخ الصين، وحضارتها وثقافتها العريقة بما في ذلك شخصية كونفوشيوس، ناهيك عما قدمه من أبحاث ودراسات سياسية واستراتيجية عديدة عن جمهورية الصين الشعبية باعتبارها دولة عظمى صديقة للعرب تربطهم بها علاقات ذات جذور تاريخية في مختلف المجالات، وذات تأثير متبادل في حضارة كلا الطرفين، أحسبها غنية عن التعريف أو الاستشهاد بأمثلة منها في هذه العجالة، كل ذلك أهّله لاستحقاق هذا المنصب.
على أن اهتمام الأخ نعمان بالصين ليس وليد بضع سنوات خلت، بل يمتد إلى بواكير حياته العلمية منذ نيله الماجستير العام 1974 من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، فالدكتوراه بمرتبة الشرف العام 1980 من الكلية نفسها، وبذلك يكون نعمان قد كرّس شطراً طويلاً من حياته العلمية لهذا الاختصاص لإيمانه العظيم بما للعلاقة بين مصر والعرب من جهة والصين من جهة أخرى من فائدة جمة عظيمة الشأن، فضلا عما تشكله علاقة نموذجية كهذه من أهمية استثنائية كعنصر من عناصر الإسهام بنهوض العرب من كبوتهم الحضارية والسياسية وتعزيز قوتهم في مجتمعنا الدولي المعاصر الشديد الاضطراب في لحظاته الراهنة.
وبطبيعة الحال؛ فإن لصاحبنا دراسات وبحوث ومؤلفات عديدة متنوعة عن الصين بدءاً من سبعينات القرن الماضي، ولم ينقطع عن مواصلة المزيد منها حتى وقتنا الحاضر.
وبالنظر إلى هذا السجل الحافل بالعطاءات والمنجزات العلمية في الاهتمام البالغ بعلاقة مصر والعرب بالصين حظي بثقة حكومة بلاده بتعيينه سفيراً لها، كما كان سفيراً لها في الباكستان، وشغل مناصب عدة اخرى، منها مندوب مصر الدائم لدى الجامعة العربية، ومندوب مصر المناوب لدى الامم المتحدة في نيويورك، وكان آخر وأعلىٰ منصب رفيع تقلده في بلاده مساعد وزير الخارجية للتخطيط السياسي والاقتصادي، وعُين في السنوات الأخيرة من عهد الرئيس مبارك عضواً في المجلس القومي لحقوق الانسان، والذي يتمتع بهامش معقول من الحرية في نقد انتهاكات الحكومة.
وفي تقديري، فإن محمد نعمان جلال هو من أفضل الوجوه المصرية القليلة التي استفادت البحرين فعليّاً من خبراتهم الواسعة في مجال البحث العلمي المختص بالحقل الاستراتيجي الدولي، وخاصة كمستشار للدراسات الاستراتيجية وحوار الحضارات، ولعل ابرز بصمة له في هذا الشأن ما قام به من جهود كبيرة في تأسيس المجلة الدورية «الدراسات الاستراتيجية» في اواسط العقد الماضي والتي ظلت تصدر عن مركز البحرين للدراسات والبحوث السابق حتى الغائه. وقد تمكنت هذه المجلة من ان تتبوأ مكانة وسمعة مرموقتين بين المجلات العلمية العربية الرائدة في مجال الدراسات الدولية والاستراتيجية، كما يُحسب لنعمان بصفته مديراً لتحريرها بذله قصارى جهده لإعطاء الأولوية في الأبحاث المنشورة للأقلام البحرينية على رغم ندرة البحرينيين المتضلعين بها للأسف، وكان كاتب هذه السطور ممن كان لهم شرف المساهمة المنتظمة فيها.
وعلى الجانب الإنساني عُرف عن الاستاذ نعمان تواضعه الجم ودماثة خُلقه وحرصه على نسج صداقات وعلاقات طيبة في الأوساط الرسمية والدبلوماسية والشعبية على السواء، وخصص ولايزال يخصص جزءاً من كتاباته في «الوسط» لتناول وتشجيع الأقلام الكتابات والاصدارات البحرينية مما يعكس تفاعله مع الكفاءات العلمية دون تعالٍ على اخوته الكتّاب والمؤلفين البحرينيين، ودون أن يهبط بقلمه أيضاً، كعربي وافد يحل ضيفا على وطنه الثاني البحرين، الى الإسفاف والردح السياسي الرخيص بحشر نفسه في تفاصيل قضاياها الداخلية البحتة، أو زج نفسه في خلافات البحرينيين السياسية. وبمثل هذه الخصال الشخصية كسب ثقة واحترام البحرينيين بمختلف انتماءاتهم الدينية والسياسية سواء في الوسط البحثي، أم في الوسط الصحافي والإعلامي.
وعلى الجانب الشخصي فلطالما خصني الصديق نعمان مشكوراً بنسخة من آخر إصداراته، بل وعندما طلبت منه في ربيع العام الجاري ان يجود بما لديه من كتب فائضة عن حاجته الى معرض الكتب المستعملة الذي تنظمه «الوسط» وافق في الحال دون تردد وتبرع بعدة كراتين مليئة بالكتب والمجلات الثمينة وبضمنها مؤلفاته.
ولا يسعنا ونحن نختتم هذه السطور المكثفة عن سيرة هذه الشخصية العربية المصرية المتميزة وإزاء ما قدمته من خدمات جليلة لوطنها في المجالين البحثي والدبلوماسي، بما في ذلك دوره الكبير في تطوير علاقات مصر والعرب مع دولة كبرى صديقة هي من أكثر الدول وقوفاً مع العرب في قضاياهم المصيرية، وبما قدمه للبحرين من اسهامات استشارية في المجالات البحثية السياسية والاستراتيجية والدولية، إلا أن نزف إليه خالص التهاني والتبريكات بهذه الثقة الغالية التي حظي بها والتي هو بلا ريب أهل لها، بتعيينه عضواً في مجلس إدارة مؤسسة دولية تحمل اسم فيلسوف وحكيم الصين الأشهر كونفشيوس، ونقول له: كل سنة وأنت طيب.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4770 - الإثنين 28 سبتمبر 2015م الموافق 14 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً