العدد 4780 - الخميس 08 أكتوبر 2015م الموافق 24 ذي الحجة 1436هـ

الإعلام في استراتيجية بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الإعلام يشكل حجر الزاوية في إنجاز أهداف الاستراتيجيات الوطنية للبيئة للدول، وتضع العديد من الدول الإعلام في صلب خارطة عملها البيئي، وتعمل على توجيه الاهتمام المؤسس في أهدافه، لبناء الكادر الإعلامي المختص في القضايا البيئية، والعمل على تنظيم ورش العمل المختصَّة لتدريب الكوادر الإعلامية على الأسس المنهجية وأبجديات معالجة القضايا البيئية، ورفد الإعلاميين بالمعلومات والبيانات البيئية الدقيقة؛ لتيسير مهمة الإعلامي في تسليط الضوء على الحدث البيئي بطريقة سليمة، بما يفيد انجاز مقاصد خطط العمل البيئي.

الأهمية الاستراتجية للاعلام في منظومة العمل البيئي جعلته أيضاً في محور اهتمام المجتمع الدولي، والتأكيد على أهميته في أول مؤتمر دولي للامم المتحدة المعني بالبيئة البشرية في ستكهولم العام 1972، وحث وسائل الاعلام في المبدأ «19» من وثيقة اعلان ستكهولم على تبني سياسة واعية في معالجة القضايا البيئية، إذ يشدد المبدأ على أنه «ومن الأساس أيضاً ألاَّ تسهم وسائط الاتصال الجماهيري في تدهور البيئة، بل أن تقوم على العكس، بنشر معلومات ذات طابع بيئي بشأن الحاجة إلى حماية وتحسين البيئة، بغية تمكن الإنسان من التطور في جميع المجالات».

معالجة الأهمية الاستراتيجة للإعلام في منظومة العمل البيئي تتطلب تبين جملة من حقائق المسار الاعلامي في العلاقة بقضايا الامن الاجتماعي البيئي، ويمثل الموقف الاعلامي في تناول واقع الخطر البيئي محوراً مهمّاً في هذا السياق، ومن الضروري في سياق معالجته لواقع المشكلة ان يمتلك المعلومات الدقيقة لتشخيص الخطر البيئي القائم، والتحديد الدقيق لموقع الحدث البيئي لتيسير عملية تنظيم ادارة توجيه المجتمع واستخدام اساليب التعبير الدقيقة والسليمة في توصيف جوانب خطر الكارثة البيئية وكيفية التعامل المهني في مواجهتها.

كما ينبغي ان يلتزم الإعلام بثوابت المهنية في تناوله واقع الأزمات البيئية، ترتكز على مبدأ المصداقية في وصف الحالة البيئية، والتوجيه والإرشاد السليم لكيفية التعامل مع الحالة والحماية من مخاطر الأزمة الواقعة والابتعاد عن المنطلقات السياسية والشخصنة أو إخفاء المعلومة أو تضخيم الحدث في التعامل مع واقع الأزمة.

تفعيل تلك المحددات يتطلب أن تكون للمؤسسات البيئية والاعلامية مساهمتها في تطوير منهج الاعلام، وفق مرتكزات منهجية لتطوير قدرات أداء الاعلام البيئي، تتمثل في تنظيم ورش العمل التدريببة المختصة لاعداد الكوادر الإعلامية الاحترافية في المجال البيئي، والعمل بشكل مستمر في تنمية ثقافتهم ومعارفهم البيئية، والمتابعة وتشخيص وإبراز الجوانب الإيجابية والسلبية في تناول القضايا البيئية، وابداء الرأي المؤسس حول المنطلقات السليمة لمعالجة المشكلات البيئية، ومنهجيات تطوير اداء ومناقشة واقتراح الوسائل العملية لطرح القضايا البيئية في وسائل الاعلام، والمساهمة في دعم الجهود الاعلامية في المجال البيئي.

وينبغي على المؤسسات الاعلامية المساهمة في تعضيد العلاقة في الشأن البيئي، من خلال تكوين علاقة متينة وبناء شراكة وتعاون نوعي مع المنظمات والمؤسسات المختصة في الشان البيئي، وأن تكون هناك جاهزية للعمل وقابلية للتعاون في طرح الموضوعات الجادة، والحرص على ألا تكون العلاقة موسمية ومبنية على المصلحة الشخصية، وأن تُبنى العلاقة على أسس سليمة هدفها الرئيس المصلحة العليا للأمن المجتمعي، وأن يكون هناك تقبل للرأي والرأي الآخر.

وللمبدأ الديمقراطي اهمية فعلية في تجسيد دور الاعلام البيئي، ويتجسد بوجود منظومة المبادئ التي تؤمن حرية التعبير في تناول المشكلات البيئية بالعمل على وضع قواعد منطقية تكفل حرية التعبير في تناول ومعالجة المشكلات البيئية، وطرح القضايا البيئية بحرية؛ لمواجهة المخاطر الممكنة الحدوث، وإعطاء وسائل الاعلام الحق دون عراقيل في الكشف عن المخاطر التي تنجم عن المخاطر البيئية.

وينبغي أن يكون ذلك وفق منهجية واقعية للإعلام في طرح القضايا البيئية، تتمثل في الالتزام بطرح القضايا البيئية بالارتكاز على مبدأ المصداقية والشفافية، والابتعاد عن أسلوب الإثارة وما يمكن أن يتسبب في الإضرار بالأمن الاجتماعي في سياق طرح ومعالجة القضايا البيئية، وأن تجرى معالجة المسائل البيئية بشكل علمي ومنطقي بما يفيد مواجهة مخاطرها والحد من آثارها السلبية على البيئة والإنسان.

القراءة المتمعنة لمحددات مهام الإعلام في استراتيجية العمل البيئي تتطلب أيضاً تشخيص واقع النجاحات والاخفاقات في علاقة الإعلام بالقضايا البيئية، وهناك تجارب واقعية عن تطور مفهوم علاقة الإعلام بالقضايا البيئية، تتمثل في زيادة الاهتمام الإعلامي بالقضايا البيئية وصدور المجلات والملاحق والصفحات المختصة في الصحف وتفاعل البرامج التلفزيونية والإذاعية في معالجة القضايا البيئية، وتسابق المؤسسات الاعلامية لاستقطاب المختصين لابراز مدى اهتمامها بالشأن البيئي.

كما أن هناك تجارب واقعية حول النهج السلبي في علاقة الإعلام بالقضايا البيئية تتمثل في تضخيم وتسيس الخبر البيئي، وانعدام الواقعية في تناول الخبر البيئي، وضعف المعلومة والثقافة البيئية في صياغة الخبر البيئي، وتفشي الروح السلبية وانعدام المسئولية في التعاطي مع القضايا البيئية، وتبني نهج البهرجة والدعاية الاعلامية ضعيفة الجدوة البيئية، وشيوع ظاهرة المصلحة المادية والسبق الاعلامي، والاتكالية والتقلبات النفسية والعلاقة الشخصية في نشر الخبر البيئي، وإبراز الذات في انجاز مهام الاعلام البيئي وبروز النهج التجاري في معالجة وتبني القضايا البيئية.

ينبغي القول على رغم المآخذ التي جرى تحديدها في شأن علاقة الاعلام بالقضايا البيئية، يبقى الجانب الايجابي هو الأهم في معادلة الاعلام البيئي، ويجب على السلطات البيئية المختصة الاهتمام به، والارتقاء بمهنيته ومساهماته في انجاز اهداف المشروع الوطني البيئي.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4780 - الخميس 08 أكتوبر 2015م الموافق 24 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:51 ص

      دور الإعلام

      الإعلام من الممكن أن يغير من سلوك المجتمع نحو العناية و الحفاظ عليها بنشر الوعي و الثقافة و تسليط الأضواء على المشاكل و المشاريع اللتى تعنى بالبيئة.
      لكن لا يبدو أننا تعانى من مشاكل بيئية أو لدينا مشاريع تعني بالبيئة حتى يسلط الضوء عليها.
      أو خليها على الله.

اقرأ ايضاً