العدد 4801 - الخميس 29 أكتوبر 2015م الموافق 15 محرم 1437هـ

عندما يتم الاعتراف والاعتذار بانتهازيّة

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

أن يعترف ومن ثمّ يعتذر شخص إلى شخص آخر بسبب ارتكابه جريمة أو أذى بحقّه، وأن يقبل الأخير الاعتذار ويمارس فضيلة المسامحة والعفو تجاه من تسبّب في إيذائه، فهذا أمر فردي محمود يتمُّ بإرادة المعتدي والمعتدى عليه بحرية وبتفهُّم ندّيٍّ متبادل من قبل الاثنين.

هذا شيء، واعتراف ومن ثم اعتذار شخص تسبَّب في إيذاء الملايين من البشر وجرح وقتل مئات الألوف منهم، هو شيء آخر. إذ لن توجد جهة أو جماعة مخوّلة قادرة على التحدُّث باسم كل الضحايا، وبالتالي قبول أو رفض الاعتذار.

من خلال هذا الفرق الهائل بين حالتي الاعتراف والاعتذار السّابقتين يجب الحكم على الاعتراف الجزئي العبثي المقتضب المتلاعب بالكلمات لرئيس وزراء بريطانيا السّابق بشأن دوره الشخصي الإجرامي الانتهازي، وبالتالي دور حكومته وجهاز استخباراته ووسائل إعلامه، في إدخال شعب وجيش ومجتمع العراق في الجحيم الذي يعيشونه منذ عدة سنوات والذي سيعيشونه لعقود طويلة مقبلة.

طوني بلير مارس الكذب على نفسه وشعبه طيلة الاثنتي عشرة سنة الماضية عندما رفض المرة تلو الأخرى، في مجلس العموم البريطاني وفوق كل ساحة إعلامية ظهر فيها، رفض الاعتراف بأنه وحكومته وأجهزة استخباراته قد أجرموا بحق الشعب العراقي وأمة العرب عندما ساهموا في حملات الكذب الإعلامية بشأن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، وعندما وعدوا الأميركيين سرًّا، ومن وراء ظهر مجلس العموم والرأي العام البريطاني، باستعدادهم للمشاركة الكاملة في عدوانهم الهمجي لاجتياح العراق، وتمزيقه إرباً، وتدمير كل مقوّمات الحياة في ربوعه، وتهيئته لحروب طائفية وعرقية، تؤدّي إلى تجزئته وإخراجه من التاريخ والجغرافيا والحضارة.

بدلاً من الاعتراف تباهى طيلة تلك السنوات بقيامه هو وصديقه جورج بوش الابن بقيامهما بدوري مخلّصي الشعب العراقي من استبداد طاغية من جهة، وبنقل العراق إلى نظام ديمقراطي تعدُّدي من جهة أخرى.

بعيدًا عن تفاصيل أخطاء وخطايا وآثام وكذب وانتهازية الاثنين وحكومتيهما واستخباراتهما المتآمرة اللاأخلاقية، فقد فصّلت في كتب وتقارير كثيرة منشورة ومذاعة، دعنا نعلق على «اعتراف» طوني بلير من زوايا عربية وبمعايير عربية قومية.

أولاً - هذا اعتراف مبهم بارتكاب أخطاء مبهمة، واعتذار إلى نفسه وإلى شعبه لارتكاب تلك الأخطاء، ويقول بعض المحلّلين الانجليز إن اعترافه بارتكاب أخطاء في تقدير الموقف في ضوء المعلومات الخاطئة التي أعطيت له آنذاك، قد قصد منه حماية نفسه من وجهة قانونية، وذلك قبل أن يصدر التقرير الرسمي للجنة كوّنت منذ ست سنوات لتنظر في ملابسات تورُّط بريطانيا في غزو العراق، والتي قد تعتبر أن ما قام به طوني بلير بالتنسيق مع جورج بوش كان تآمراً تلفيقيّاً معدّاً له قبل اجتياح العراق بسنة على الأقل، والواقع أن الاعتذار لم يتوجه مباشرة إلى ملايين الضحايا من شعب العراق بالاسم وبدون مواربة ولا التفاف حول الموضوع، وعليه فان شعب العراق غير معني ولا ملزم بقبول هذا الاعتذار الغامض المراوغ.

ثانياً - إن العرب، وخصوصاً عرب العراق، يجب أن يوكلوا إلى الجامعة العربية البدء في الحال النظر في إمكانية رفع الأمر إلى المحاكم الدولية، باعتبار أن كل المعطيات تشير إلى ارتكاب طوني بلير وجورج بوش سلسلة من الجرائم الإنسانية التي تحرّمها القوانين الدولية وتعاقب مرتكبيها، وباعتبار أن الرّجلين يكذبان عندما يحاولان حصر الأمر في سوء فهم وأخطاء في التقدير. إن دم الألوف وعاهات مئات الألوف ودموع الملايين من العراقيين تصرخ مطالبة بالعدالة.

ثالثاً - إن بعض الأنظمة العربية التي وجّهت في الماضي الدعوات إلى طوني بلير لإلقاء المحاضرات ودفعت له مكافآت مالية خيالية، أو التي عيّنته مستشاراً في حقلي الاقتصاد والعلاقات العامة، أو التي تفكّر في تعيينه مستشاراً في المستقبل، أو التي قبلت أن يكون عضواً في الرباعية الدولية المناط بها متابعة الموضوع الفلسطيني، يجب أن توقف التعامل مع هذا الرجل الذي من فمه ندينه، وأن تقرّر أن لن يكون له ولا لجورج بوش ولا لديك تشيني ولا لرمسفيلد ولا لأمثالهم من الذين يقطر من أياديهم دم الضحايا العراقيين أي مكان في وطن وحياة العرب في المستقبل.

رابعاً - إن تاريخ تعامل بريطانيا مع أمة العرب تاريخ أسود. لقد وعدت العرب بالاستقلال إن وقفوا مع الغرب ضدَّ الخلافة العثمانية ثم نكثت وعودها، بل إنها دخلت شريكة مع فرنسا في توقيع معاهدة سايس - بيكو التي جزّأت شرق وطن العرب ووأدت حلمهم القومي الوحدوي.

وبعدها أضافت جريمة إصدار وعد بلفور الذي جاء بجحافل الصهيونية إلى أرض فلسطين العربية وشرّد أهلها، وها هو رئيس وزرائها السابق يعترف بارتكاب بلاده جريمة غزو وتدمير العراق، وقتل وتهجير شعبه.

والسؤال: إلى متى سينسى العرب تلك الجرائم، ويتعاملون مع الدولة التي ارتكبتها بمنطق الردّ المعاقب العادل للأذى الذي ينخر في جسد هذه الأمة حتى يومنا هذا؟

مناسبة اعترافات بلير يجب ألا تمرَّ كحدث فردي عادي، إنها مناسبة لفتح الملفّات التي يغطّيها الغبار وتأكلها حشرات الهوان على النفس العربية.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4801 - الخميس 29 أكتوبر 2015م الموافق 15 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 8:52 م

      نشر الديمقراطية في العراق كما ادعوا

      الحقيقة الجوهرية التي لا تقبل الشك هي ان قرار احتلال العراق تم اتخاذه من قبل المنظمات السرية التي تحكم العالم خفية، لاجل تحقيق اهداف صهيونية قذرة، لان العراق بلد عربي اسلامي

    • زائر 12 | 8:53 ص

      لماذا

      فقط سؤال الى سعادة المفكر الكبير والاب الفاضل ... ماذا عن مستقبل الدول العربية وعن البحرين ؟ وماذا عن وضع الاساس عن القاعدة البريطانية فى البحرين ؟

    • زائر 13 زائر 12 | 12:58 م

      شكرا بلير شكرا بوش

      اولا نشكر بوش ونشكر بلير وكل من شارك في القضاء على الطاغية صدام لقد خلصوا الشعب العراقي الشقيق من نظام مستبد ولكن مع الأسف الشعب العراقي وكعادة الأحزاب العربية والأحزاب الإسلامية مستبدة وفاسدة سوي في الحكم أو المعارضة منذ قبل التاريخ فنقرأ التاريخ عن ديمقراطية وتقدم الشعب السنغافوري وكذلك الشعب الياباني وطبعا الشعوب الأوروبية ولن يكون الشعب العربي سعيدا إلا أن تكون الدول العربية تحت وصايا الدول الغربية المتقدمة لخمسين سنة حتى يكون احفادنا ديمقراطيين يحترمهم العالم

    • زائر 10 | 5:54 ص

      بلير مجرد منفذ لقررات حكومته

      وماذا عن فتح القاعدة البريطانية الجديدة في البحرين والتي سيضغ حجر اساسها وزير الخارجية البريطاني غدا؟؟؟ ماهو رايك ؟ هذا سوف يسهل عليهم التدخل العسكري في المزيد من الدول

    • زائر 9 | 4:15 ص

      الاعمال

      الاعمال الشيطانيه الي فعلوها فى دول العربيه وتمزيقها بمساعدة نفوود عربيه كله من اجل مصالحهم الدنيويه والشره على العرب الي ضحو ببلدانهم من اجل مصالحهم الشخصيه وسفكو الدماء باسم الاسلام والاسلام برى عنهم
      اللهم اهلك الشيطان امريكا وحلفائها المجرمووون

    • زائر 7 | 1:53 ص

      العرب يرحبون بالبريطانيين

      العرب يحرصون إلا أن يأتوا بهم من جديد بعد أن خرجوا .

    • زائر 6 | 1:23 ص

      الحكومة البريطانية لا زالت تمارس نفس الدور الخبيث

      الحكومة البريطانية لعبت في الدول العربية لعبا ومارست أدوارا خبيثة فمن وعد بلفور الى دعم الحكومات ضد شعوبها لا زال متواصلا.
      وبعد ان يفنى مئات الآلاف من البشر يأتيك احدهم متبجحا باعتذار حكومته عن ارتكابها جرائم بحق شعوب اخرى وماذا ينفع ذلك بعد الدمار

    • زائر 5 | 1:11 ص

      توني بلير ليس وحده من ارتكب الجريمة

      الأحزاب العراقية المعارضة (و خصوصا الشيعية منها) كانت تحج سنويا إلى لندن و واشنطن لتحرض ضد نظام صدام حسين ... أمريكا و بريطانيا لقوا تشجيع من الأحزاب العراقية المعارضة لضرب صدام.

    • زائر 11 زائر 5 | 5:55 ص

      نعم ولكن....

      الشيعة اكلوا الويل من صدام في عهده .

    • زائر 4 | 12:48 ص

      وهل للسياسة اخلاق

      طبعا توني بلير و بوش الابن مدانين و اكثر العالم السياسي الرسمي وقف معهم بما فيهم العرب الي ماصدقوا ان يصفو حساباتهم مع صدام... وهو في شخصه يستحق و لكن ليس الشعب... ولكن سؤلي لك يادكتور ... على طول عمرك المديد أنشالله هل رأيت في السياسة والساسة اي اخلاق..mh

    • زائر 2 | 12:40 ص

      بلير اخطأ ماذا عن ا... الذين جاروه في الخطأ

      بلير اعنترف بخطئه وكان جمع من دول... جارته في الخطأ فسهلت و مولت و مهدت

اقرأ ايضاً