العدد 4802 - الجمعة 30 أكتوبر 2015م الموافق 16 محرم 1437هـ

صنقور: منشأ الفقر في العالم هو سوءُ التوزيع... ونعاني من قصورٍ في البرامج التنموية

الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد صنقور

قال الشيخ محمد صنقور في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، أمس الجمعة (30 أكتوبر/ تشرين الأول 2015): «إن المنشأ الحقيقي للفقرِ ليس هو شَحَّة المواردِ ومنابعِ الثروةِ، منشأُ الفقرِ في العالم هو: سوءُ التوزيع، والظلمُ في التوزيع، وجشعُ المتنفِّذينَ، وتسلُّطُهم، وعدم تحمُّل الدولِ لمسئولياتها».

وتحدث عن «ثمةَ مَن يَرفُلُونَ في أرغد العيش وأسبغِ الكرامةِ»، واعتبر أن «منشأ ذلك هو غيابُ العدلِ والإنصافِ في إدارةِ الموارد، وثمةَ ما يُعمِّقُ مِن هذه المشكلة وهو القصورُ في البرامجِ التنمويةِ المعتمَدةِ مضافاً إلى أنَّ العديدَ ممَّن يتمُّ توظيفُهم لتنفيذِ هذه البرامجِ ينشأُ عن المحاباة، فهم لا يملكونَ الكفاءةَ أو النزاهةَ أو هما معاً. لذلك يضيعُ ما تبقَّى من موارد أو يظلُّ يُراوحُ دونَ تثمير».

وفي خطبته، قال صنقور: «إن الحديث حولَ الفقرِ ومرارتِه، ورد في المأثورِ عن بعضِ الصالحين أنَّ لقمانَ الحكيم (رحمه الله) والذي كان - كما قيل - عبداً يخدمُ عند سيِّدِه، فلم يكنْ يجدُ قوتَ يومِه إلا أنْ يتفضَّلَ عليه سيدُه، هذا الرجلُ الحكيمُ الصبور صارَ يحكي لولِده تجربتَه في الحياة يقولُ: يا بُني ذُقتُ المراراتِ كلَّها فلم أذُقْ شيئاً أمرَّ من الفقر، فالفقرُ هو أشدُّ المراراتِ التي كان قد تجرَّعَها لقمانُ الحكيم، وورد عن الرسولِ الكريم (ص) أنَّ أربعةً من قواصمِ الظهر، ثم قال: «فقرٌ لا يجدُ صاحبُه مُدارياً» فحينَ لا يجدُ الفقيرُ حيلةً للخلاصِ من هذا البلاء وحينَ لا يعبأُ بفقرِه مَن هو مسئولٌ عن مؤازرتِه فتلكَ مِن قواصمِ الظهر، ووردَ عن أميرِ المؤمنينَ (ع) أنَّه قال: «الفقرُ في الوطنِ غُربة»، فأنْ يَفتقرُ الإنسانُ وهو في وَطنِه، وفي أرضِه، وبين أحبَّتِه، وأهلِه وأولادِه وزوجتِه، فلا يجدُ حِيلةً لإطعامِهم، ولا لكسوتِهم، ولا لإيوائِهم أو تدبيرِ معاشِهِم، فتلك غُربةٌ في وطن، وقد ذكرَ الإمامُ عليٌّ (ع) في بعضِ مأثوراتِه منشأً من مناشئ اعتبارِ الفقْرِ من أشدِّ البلاء، يقولُ (ع): «مَن استغنى كَرُمَ على أهلِه، ومَن افتقرَ هانَ على أهلِه»، فأقربُ الناسِ للإنسانِ هم أهلُه، زوجتُه، وأبناؤه، ووالداه، وإخوتُه، والمنتَظرُ من الأهلِ هو توقيرُه وتقديرُه والتفهُّمُ لحالِه إلا انَّ الواقعَ ليس كذلك - كما أفاد أميرُ المؤمنينَ (ع)-، فإنَّ الفقيرَ يهونُ حتى على أهلِه، فلا وقارَ له مع زوجتِه حينَ يكونُ فقيراً، فهي أولُ مَنْ يُعيِّرُه بفقْرِه، ولا يحترمُه أبناؤه، ولا يُوقِّرونَه؛ لفقره، فقد يكونُ محتاجاً لهم أكثرَ من حاجتِهم إليه... وكذلك فإنَّ إخوتَه لا ينتظرونَ منه خيراً، لذلك فهم لا يحترمونَه... أيُّ مَرارةٍ أشدُّ على النفسِ مِن هذه المَرارة، حينَ يستشعرُ الإنسانُ الذلَّ والصَّغارَ مع أحبَّتِه وأهلِه نتيجةَ أمرٍ ليس هو مَن صنعَه لنفسِه».

وأوضح صنقور أنَّ «اللهَ تعالى خلَقَ العبادَ، وتكفَّلَ بأرزاقِهم، فسخَّر لهم الأرضَ وما فيها وما عليها، ومنحَهم خيراتِ السماء، فما أودعَه اللهُ تعالى في هذه الأرضِ، وما أنزلَه مِن السماء، يسعُ كلَّ خلقِ الله لو تمَّ توظيفُ ذلك وتوزيعُه بمقياسِ العدلِ والإنصاف، فلو أحسنَ الإنسانُ التدبيرَ وتخلَّى في ذاتِ الوقتِ عن جشعِه لما افتقرَ مِن أحد، ولهذا أفادَ أميرُ المؤمنينَ (ع) أنَّه «ما جاعَ فقيرٌ إلا بما مُتِّع به غنيٌ» فثمةَ غِنىً فاحشٌ وثروةٌ طائلةٌ ومكدَّسةٌ لا يجدُ صاحبُها مصرفاً لها، يُبدِّدُها يميناً وشمالاً، أو يكتنزُها، وفي المقابل فقراءُ يتضوَّرونَ جوعاً، لا يجدونَ ما يأكلونَ، ولا ما يلبسونَ، ولا يجدونَ مسكناً يأوونَ إليه، وإنْ وجدوا شيئاً من ذلك فهو دونَ ما يقتضيه العيشُ الكريمُ بمراتب، لماذا؟».

وبين صنقور أن «سوءَ الاستغلالِ للمواردِ هو منشأُ الغِنى الفاحشِ والفقرِ المُذقِعِ، ولهذا أفادَ أميرُ المؤمنينَ (ع) أنَّه: «ما رأيتُ نعمةً موفورةً، إلا وبجانبِها حقٌّ مُضيَّع»، فالمنشأُ الحقيقيُّ للفقرِ ليس هو شَحَّة المواردِ ومنابعِ الثروةِ، منشأُ الفقرِ في العالمِ هو: سوءُ التوزيع، والظلمُ في التوزيع، وجشعُ المتنفِّذينَ، وتسلُّطُهم، وعدمُ تحمُّل الدولِ لمسئولياتها. ذلك هو السببُ الحقيقيُّ للفقر، وثمَّةَ أسبابٌ أخرى لا تعدو كونَها أسباباً جانبيةً تضيفُ إلى أعباءِ الفقراءِ أعباءً أخرى ثقيلةً وقاسية».

وأشار صنقور إلى أنَّ «غالبيَّةَ أبناءِ هذا البلدِ العزيزِ هم مِن فئةِ الفقراء، ولكنَّ فقرَهم على نحوين: فهو إمَّا فقرٌ ظاهرٌ أو هو فقرٌ مقنَّع، فلا تكادُ تجدُ مواطناً من سوادِ الناس يخلو من إحدى هاتينِ الحالتين، فهو إمَّا فقيرٌ فقراً بيِّناً يسكنُ في بيتٍ متهالكٍ أو مُكتظٍّ بما يفوقُ طاقتَه ومَساحةَ أرضِه أو هما معاً، وصاحبُه يعملُ -إنْ كان يعملُ - بأجرٍ كُتبَ عليه النفادُ قبلَ انتصافِ الشهر ثم يجلسُ بعده يندبُ حظَّه ويقلِّبُ كفَّيهِ على ما أنفق، فإنْ قتَّرَ على نفسِه فاستوعبَ راتبُه بقيةَ شهرِه فاتَّفقَ أن عطبَ عنده مكيِّفٌ أو تلَفَ بعضُ أثاثِ منزلِه جلسَ حائراً لا يجد حيلةً ولا يهتدي سبيلاً لتأمين هذه النفقاتِ الطارئةِ والتي لا يخلو منها شهر، مثلُ هذا الفقيرِ الذي يشقُّ عليه تأمينُ ما يطرأُ من نفقاتٍ يظلُّ بطبيعةِ الحال عاجزاً عن تأمينِ حاجاتِ أبنائِه كنفقاتِ الدراسةِ والتعليمِ العالي والتزويجِ والعلاج.

هذا هو الفقيرُ بالفقرِ البيِّن، وأما الفقيرُ بالفقرِ المقنَّعِ فهو مَن يتقاضى راتباً جيِّداً نسبيَّاً ولكنْ لا يُتاحُ له التصرفُ حتى في ثلُثِ ما يتقاضاه، ذلك لأنَّه مضطرٌ لشراءِ سيارة، وليس له ذلك إلا بقرض ثم يقترضُ ليتزوَّج ثم يقترضُ من جهاتٍ عدَّة ليؤمِّنَ لنفسِه وعيالِه مسكناً، ويقترضُ لتعليمهم وعلاجِهم وهكذا تتراكمُ عليه الديونُ، ويظلُّ مطوَّقاً بها طِوال عمرِه، فمثلُ هذا فقيرٌ دون ريبٍ، ولكنَّ فقرَه غيرُ ظاهر، فقد تجدُ أثاثَ بيتِه نظيفاً، ومركبَه لائقاً، ومسكنَه كريماً ولكنَّه يعيشُ حالةَ الفقرِ ويعتريِه الهمُّ والغمُّ لابتلائِه بدينٍ قد يموتُ فيتحملُه أبناؤه».

وأضاف «في مقابلِ هؤلاءِ والذينَ هم غالبيةُ أبناءِ البلدِ ثمةَ مَن يَرفُلُونَ في أرغدِ العيش وأسبغِ الكرامةِ، ويَستحوذونَ على مالا يَحتاجون، ولا تَحتاجُه أعقابُ الأعقابِ من ذراريهِم، كيف نشأتْ هذه الطبقيةُ؟ ولماذا نشأتْ؟ وما هو السببُ الذي أفضى إلى تآكلِ الطبقةِ المتوسطةِ في البلد فأصبحتِ الهُوةُ بينَ الأثرياءِ والفقراءِ سحيقةً؟». ورأى صنقور أن «منشأَ ذلك هو غيابُ العدلِ والإنصافِ في إدارةِ الموارد، وثمةَ ما يُعمِّقُ مِن هذه المشكلة وهو القصورُ في البرامجِ التنمويةِ المعتمَدةِ مضافاً إلى أنَّ العديدَ ممَّن يتمُّ توظيفُهم لتنفيذِ هذه البرامجِ ينشأُ عن المحاباة، فهم لا يملكونَ الكفاءةَ أو النزاهةَ أو هما معاً. لذلك يضيعُ ما تبقَّى من موارد أو يظلُّ يُراوحُ دونَ تثمير». وتساءل صنقور «لماذا لا يُعاد النظرُ في مجملِ البرامجِ والسياساتِ ويتمُّ إشراكُ الكفاءاتِ من مختلفِ أطيافِ الوطنِ في ترسيمِها؟ ولماذا لا يعادُ النظرُ في مَن تمَّ توظيفُهم ويُحاسبُ الفاشِلونَ في تنفيذِ هذه البرامج؟». وشدد على أن «الحِرصَ على هذا الوطنِ العزيز وعلى مستقبلِ أبنائِه والحِرصَ على أمنِه واستقرارِه يُحتِّمُ على الجميعِ السعيَّ الجاد من أجلِ تداركِ ما يُمكنُ تداركُه».

العدد 4802 - الجمعة 30 أكتوبر 2015م الموافق 16 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:24 ص

      حبيبي.

      الفقر من قديم الزمان .اللي يبي يحل مشكله الفقر نصاب .

    • زائر 1 | 2:45 ص

      قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

      اللهم احشرني مع الفقراء والمساكين

اقرأ ايضاً