العدد 4804 - الأحد 01 نوفمبر 2015م الموافق 18 محرم 1437هـ

من التاريخ القذر

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أمرٌ محال أن يعيش أحد من البشر 254 عاماً أو 196 عاماً. على الأقل في هذه الأزمان. لكننا لو افترضنا أن ثلاثين شخصاً امتدّ بهم العمر إلى هذيْن الحدَّين من الحياة. وأن هؤلاء جميعهم في الصين فلربما أصبحنا قادرين على الاستماع إليهم وهم يُحدِّثوننا (بدون عَنْعَنَة) عن أحداث وقعت هناك بين سَنَتَيْ 1781م و1839م، اللتين هما مدار هذا المقال، وما قبلهما وما تلاهما.

ما هي تلك الأحداث؟ إنها باختصار سنوات ما قبل وأثناء وما بعد حرب الأفيون التي شنّتها انجلترا ضد الصين. والحقيقة أن تلك الحرب الظالِمة هي ضمن ما يُمكن أن نسمّيه بالتاريخ القذر للإنسان، الذي يكتشف المرء فيه، أن بعض بني البشر لا يفترقون كثيراً عن أيّ وحوش ضارية. لكن لماذا سُمِّيت بحرب الأفيون؟

بدأت حرب الأفيون عندما أصبح الصينيون خلال القرن السابع عشر وبسبب كثرة مواردهم وصناعاتهم مصدراً رئيساً للسلع المباعة إلى الأوربيين وتحديداً إلى الإنجليز كالشاي والحرير. وكانوا يجنون نظير ذلك كميات كبيرة من الذهب والفضة طبقاً للمبادلات التجارية المعمول بها في تلك الفترة والمتفق عليها بين الطرفين.

لقد دفع ذلك الوضع أرباب الحكم في لندن إلى أن يعيدوا حساباتهم في كيفية تعديل هذا الميزان التجاري الذي رأوه مختلاً لغير صالحهم، وأن يستعيد الانجليز تلك الأطنان من الذهب والفضة التي جناها الصينيون جرَّاء مهارتهم في التجارة.

أسَرَّ المستشارون الانجليز إلى الملك وليام الرابع بأن تقوم انجلترا بزراعة المادة المخدِّرة المسمَّاة بالأفيون في الأراضي الهندية وتحديداً في منطقة البنغال وولاية بيهار حتى نهر الغانغ وعموم وسط وشمال الهند، حيث كان الانجليز محتلين هناك، ثم بيعه إلى الصين، فهو لن يُكلِّف الموازنة شيئاً، إذ إن الأرض هندية، والمزارعون في حقوله هنود، والصناديق الخشبية سيُؤتى بها من النيبال.

كانت أهداف الخطة تتبلور في أن هذه المادة المخدِّرة ستكون كافية لجعل أغلبية الصينيين مُدمنين نظراً إلى احتواء تلك العشبة الخشخاشية على مواد الكودايين والنوسكوبين والبابافارين، فضلاً عن استحضار الهيرويين منه. وبُدِئ في تنفيذ هذه الخطة التجارية القذرة والمُسيّسة (والتي ورثها مَنْ جاء بعد وليام الرابع).

أخذ الأفيون يأخذ طريقه إلى الصين مع مطلع العام 1781 (والبعض يقول منذ العام 1773)، وما هي إلاَّ فترة حتى أصبح مطلوباً من قطاعات كبيرة من الشعب الصيني الذي أُصِيبَ بمرض الإدمان، بما فيه القوات المسلحة الصينية وحتى طبقات في الحكم. وفي الوقت ذاته، بدأ الذهب والفضة يخرج من الصين باتجاه انجلترا لتسديد قيمة الأفيون. وبعد 48 عاماً أصبح الحكام الصينيون أمام تحدٍّ نفسي وصحي صعب لشعبهم، فقرروا أن يحظروا استيراد الأفيون من الانجليز.

ويشير كاتبو التاريخ إلى أن الامبراطور الصيني سيَّر موكباً وذهب بنفسه إلى المراسي الصينية، حيث أجبر التجار الانجليز على تسليم ألف طن من الأفيون كانت جاهزة لدخول الصين، وقام بحرقها. ثم بدأت حملات من الحكومة الصينية لتحذير الشعب الصيني من نوايا الانجليز وخطورة ما يُصدِّرونه.

انزعجت انجلترا من ذلك القرار والإجراءات التي اتخذها الصينيون فقررت إعلان الحرب على الصين وذلك في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني (الذي يُصادف غداً) من العام 1839م. ولأن الانجليز كانوا أصحاب بأس في البحر، فقد كانت لهم الغَلَبَة في إرغام الصين على القبول بشروط مُذلّة، من بينها فتح أسواقها أمام قوافل الأفيون، واقتطاع جزء من الأراضي الصينية في بحر الصين الجنوبي وهي المسمّاة اليوم بهونغ كونغ.

وعندما أراد الصينيون في السنوات التالية تصحيح هذا الخطأ الذي زاد من مأساة الشعب الصيني واجهه الانجليز بحرب ثانية سنة 1856 استمرت أربع سنوات، حيث فرضوا خلالها شروطاً أكثر قسوة حين أدخلوا العنصر الثقافي في الأمر، عبر السماح بدخول المبشّرين المسيحيين البروتستانت إلى الصين التي يعتنق شعبها البوذية والديانات والثقافات الصينية القديمة.

لقد ارتكب الانجليز مذبحة رهيبة هناك ولكن بشكل بطيء، حين أرهقوا الدولة والمجتمع الذي بات 120 مليون منه مدمنين. وقد أفضى ذلك إلى أن تعمّ الفوضى الصين، وتصبح الحكومة المركزية شائخة، فتجرّأت اليابان عليها، حيث شنّت حروباً ضدها، فأصبحت ضعيفة أمام الخارج.

لقد حطم الانجليز الازدهار الصيني في التجارة التي كانت تغمر جنوب شرق آسيا. فقد كان التجار الصينيون يهيمنون على البحار ويقيمون صِلات مع الشعوب المجاورة. الآن يُمكن للمرء أن يتأمل في مسير التاريخ والحاضر كي يرى الواقع والمآل كما هو، ويستفيد من تجارب الأمم والدول، التي يُمكن أن تتحوّل في بحر قرنين إلى دول سيِّدة وخصومها يطلبون ودّها بكل ما تعنيه الكلمة.

فما بين أول شحنة أفيون صدَّرها الانجليز ويومنا هذا 234 سنة. وما بين حرب الأفيون الأولى ويومنا 176 سنة. ولو ذهبنا بذاكرتنا إلى تلك السنوات (1781) و(1839) سنجد أن الصين كانت مهيضة الجانب، أما اليوم، فهي بعكس ذلك. ففي الوقت الذي كانت تُوقِّع فيه اتفاقية نان جنج سنة 1842 وهي صاغرة، نرى بريطانيا في سنة 2015 وهي مُرغَمة تجاريّاً على التوقيع كي تكون «عضواً مؤسساً لبنك الصين للاستثمار في البنية الأساسية» أمام ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

أكثر من ذلك، فإن الصين باتت تتدخل في أمر بريطاني خاص يتمثل في منع إعادة التفاوض على شروط عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي نهاية 2017 بشأن بقائها أم انسحابها من الاتحاد، وذلك بسبب رغبتها في أن تبقى وازنة أمام الولايات المتحدة، وكأنها تستخدم الانجليز لتعزيز مصالحها.

هذه هي النتيجة التي تحوّلت فيها الصين من جمهورية موز إلى تنين بات يخشاه مَنْ كانوا يتفننون في إذلاله. لكن وفي الوقت نفسه لم يكن لذلك التنين أن يكون مهاباً قويّاً إلاَّ عندما أراد أن يكون كذلك. وهو درس للجميع.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4804 - الأحد 01 نوفمبر 2015م الموافق 18 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 1:59 م

      الطائفية = أفيون الامريكان في العراق منذ2003

      و وزرعت أمريكا أفيون الطائفية في العراق منذ 2003 وحتى الان وماكان الشعب العراقي يعرفها قبل ذلك التاريخ المشؤوم
      ومازال يستعر بنار ذاك الافيون

    • زائر 9 | 1:56 م

      بريطانيا بلد مستعمرة حتى يومنا هذا

      بريطانيا ما زالت تحيك المؤامرات حتى تعيد امجادها الاستعمارية القديمة

    • زائر 8 | 8:57 ص

      في التاريخ مواعظ

      شكرا للكاتب على المقال

    • زائر 7 | 4:30 ص

      البيض اساس البلاوي كلها في العالم

      البيض هم اساس كل المشاكل في العالم في الماضي و الحاضر، لن تنحل مشاكل الاعراق الاخرى حتى ينقطع هذا العرق النجس من الوجود.

    • زائر 6 | 1:42 ص

      جعفر بن علي

      حرب الافيون هي حقا اقذر حرب عرفها التاريخ فقد قتلت الملايين من البشر وتسببت في تشتيت وتفكيك ملايين الأسر بسبب الإدمان لان الانكليز بذلوا جهدهم كي تكون المخدرات هي الهم الوحيد الذي يبحث عنه الصينيون ونجحوا في ذلك نجاحا باهرا واحتاجت الصين الى سنوات طويلة للتعافي منها.

    • زائر 5 | 1:18 ص

      عبد علي البصري

      لا يستحق الموضوع تعليق سوى استحقاق واحد فقط شكرا جزيلا لك ؟ من احسن ما قرئ احسنت بارك الله فيك افدتنا , من أين لك هذا قل هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب .

    • زائر 4 | 1:12 ص

      سفروا والدك

      والدك شريف وحر والهجرة والتهجير سبيل الأنباء اباك من أبطال الوطن .

    • زائر 3 | 12:07 ص

      ابحث في عموم الارض وتعاسة شعوبها مذ الازل

      تجد الانجليز الذي اكره حتتى التحدث لغتهم وعيشتي الطويلة ببلد مازال مستعمرا منهم اراني سؤأتهم بحق مذ نعومة اظفاري بحكم تسفيرهم لوالدي رحمه الله وجعلي يتيما حتى اخر العمر

    • زائر 2 | 12:01 ص

      أشكرك

      تتنقل بِنَا أيها الكاتب المحترم من ثقافة الي اخرى ومن معلومة الى معلومة فشكرا وللوسط الحبيبة

    • زائر 1 | 10:39 م

      هم اصل البلاء

      اصل بلاء امتنا منذ القرن الثامن عشر ولغاية اليوم هم الانجليز

اقرأ ايضاً