العدد 4809 - الجمعة 06 نوفمبر 2015م الموافق 23 محرم 1437هـ

برلمان الثرثرة ونواب الخدمات

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

يطرح الاستنكاف عن المشاركة في الانتخابات النيابية المصرية معضلة عربية مزمنة، وهي مدى مصداقية الانتخابات بجميع أنواعها الرئاسية والبرلمانية والبلدية، وهل هي عرس انتخابي كما يحلو للسلطات العربية ترديده أم هي مأتم حزين يتكرر؟ ويقود ذلك إلى عدة أسئلة وفي مقدمتها صحة وسلامة الحياة السياسية في البلدان العربية حيث الانتخابات أحد تعبيراتها، ويُفترض أن تفرز ممثلين عن الشعب وتعبر عن خيارات الشعب، باختيار هذا الحزب أو هذه السياسات ورفض تلك، وعلى أساس نتائج الانتخابات يتشكل برلمان أو ينتخب رئيس، وتبعاً لذلك تتشكل حكومة، تنفذ البرنامج الذي طرحه الحزب أو تحالف الأحزاب الفائزة، ويتحول الحزب أو الأحزاب الخاسرة إلى معارضه بناءة. هذا هو الطبيعي في النظام الديمقراطي مع خصوصيات هنا وهناك، لكن حالنا كعرب معاكس لذلك تماماً.

خلال العشر سنوات الماضية، أتيحت لي الفرصة لأشارك في مراقبة الانتخابات ورصدها، في عدد من البلدان العربية بدءاً ببلدي البحرين وعبر الوطن العربي من الكويت شرقاً حتى المغرب وموريتانيا غرباً، وبينها أيضاً الأردن ولبنان ومصر وتونس، واليمن، كما رصدتُ عدداً من الانتخابات من خلال منتديات متخصصة، وتقارير لمنظمات مختصة مثل الشبكة العربية لديمقراطية الانتخابات، كوني أحد مؤسّسيها، وغيرها من المنظمات الغربية. وعلى امتداد خمس عشرة سنة حدث إعصار الربيع العربي، والذي أطاح بأنظمة في تونس وليبيا ومصر واليمن وهزّ أنظمة أخرى، لكن الملاحظ أنه باستثناء تونس التي أثمر فيها الربيع العربي نظاماً يسير على طريق التحولات الديمقراطية والمغرب الذي أخذ العبرة وأحدث تغييرات دستورية وقانونية ومؤسساتية مهمة، أسهمت في دعم نظام التناوب على السلطة، فإن التجربة الانتخابية والبرلمانية في البلدان العربية لم تتغير ولم تتقدم إلى الأمام، بل حدثت تراجعات في عدد من البلدان العربية، واقع الحال هو أنه باستثناء البلدين تونس والمغرب، فإن الحياة السياسية ليست طبيعية، وهناك أنظمة تتراوح بين الدكتاتورية والاستبداد أو المحاصصة كما هو حال العراق ولبنان.

في آخر انتخابات نيابية مصرية في عهد حسني مبارك في 2010، لم تتجاوز المشاركة 10 في المئة في الانتخابات الحالية في عهد السيسي الذي يعتبر إفرازاً لثورثي يناير/ كانون الثاني 2011 ويونيو/ حزيران 2013، فإن المشاركة بحدود 15 في المئة وذلك يعكس يأس الناخبين من أي تغيير يترتب على الانتخابات أو أنها ستوصل نواباً يمثلونهم فعلاً، أو مجلس نواب ذا إرادة وسلطات حقيقية، وتسري على ذلك باقي البرلمانات العربية خلال العشر سنوات الماضية.

حاولت خلال مشاركتي في مراقبة الانتخابات، عدم الاقتصار على لقاءات السياسيين والمرشحين المتنافسين والخبراء والمحللين ومتابعة الإعلام، بل الحديث مع الناخبين ومع الناس العاديين، ورصد الشعارات واليافطات وما يجري في طوابير الانتظار، ومحطات الاقتراع وعلى هامشها، فوجدت العجب العجاب، وأنوي تكريس كتاب لذلك. أحد مرشحي حزب النور السلفي في مصر، رفع شعاراً يخاطب فيه من ينتخبه بأنهما (المرشح والمنتخِب) سيدخلان الجنة يداً بيد.

لكنّ هناك الكثيرين من يَعِدون ناخبيهم بالجنة ولكن في حياتهم وعلى هذه الأرض. ومن النكت الشائعة هو أن أحدهم سأل الآخر «شنهو الوعود الانتخابية؟» فرد الآخر «مثل وعود الخطيب لخطيبته خلال مرحلة الخطوبة الرومانسية».

في معظم البلدان العربية، وبعضها لا يمتلك برلماناً أصلاً، أضحت البرلمانات أقرب إلى المجالس البلدية، وأضحى عضو البرلمان مثل ممثل مجلس بلدي، يتابع شئون دائرته لدى الوزارات والهيئات الحكومية حول تأمين الكهرباء أو الماء أو المجاري أو الطرق أو فتح مدرسة أو مستوصف، أو التوسط لتوظيف أبناء دائرته، أو تخليص أحدهم من حكم مبرم، أو الصلح بين العائلات أو العشائر المتصارعة أو ترتيب دية من جراء القتل وهكذا. ومن عجائب الانتخابات العربية أن المرشحات من النساء منقبات أو بأسماء أزواجهن أو بدون صورة أصلاً.

معظم البلدان العربية باستثناء المغرب وتونس يعتمد الدائرة الفردية، أي المرشح الفرد وليس المرشح المنتمي لحزب أو قائمة انتخابية، فيما النظام الانتخابي في المغرب وتونس وانعكاساً لدور الأحزاب وترسخها في الحياة السياسية، فإنها تعتمد القائمة الانتخابية للحزب، أو التكتل. وحتى في حالة الأنظمة المختلطة التي تجمع القائمة والأفراد مثل الأردن ومصر والجزائر وفلسطين وغيرها، فإن الاعتبار الأول هو للمرشح لذاته وليس لانتمائه الحزبي وبرنامج الحزب. وعلى أية حال فقد جرت دهورة الحياة السياسية، وفي قلبها الأحزاب، وأضعفت الحياة السياسية وإفرازاتها، بحيث أضحى لدينا غالباً أحزاب حاكمة أو موالاة، وأحزاب معارضة مهمشة أو مستأنسَة إن وجدت. ومادام الأمر كذلك فإن الناخب يميل إما لانتخاب مرشحي الأحزاب الحاكمة أو الموالية، لأن فوزهم مضمون، ويَتوهَم أنهم قد يستطيعون خدمته في شيء، أو المرشح الذي يعرفه عن قرب أو ينتمي إليه كوجيه محلي أو زعيم عشيرة أو عائلة، أو تاجر أو رجل دين.

أما إذا ناقشنا العملية الانتخابية فحدث ولا حرج، فمن النادر أن تجرى انتخابات نزيهة وشفافة بعيدة عن الإكراه والمغريات. أجهزة الدولة وإمكانياتها هي من يحسم سير الانتخابات ونتائجها، وهناك تباينات طفيفة بين انتخابات وأخرى ولا مفاجآت في الانتخابات العربية عموماً، نادراً ما تكون جلسات مجالس النواب أو الشورى تبث مباشرة للجمهور وحتى لو جرى ذلك فهناك عزوف عن متابعتها. معظم المناقشات منمقة وتتناول القضايا الحيوية اليومية كالأسعار والمواصلات ونقص الخدمات والبطالة واقتراحات برغبة، ومخاطبة المسئولين أي السلطة التنفيذية والتمنيات بعمل كذا وعدم عمل كذا. من اللقطات ذات الدلالة والتي انتشرت على اليوتيوب ذاك النائب المغربي الذي اعتلى المنصة وبدلاً من إلقاء مداخلة أخذ يصدح بأغنية حزينة لصباح فخري «يا ويلي آه» والوزراء وأعضاء البرلمان ينصتون له بصمت معبر. كما إنه كثيراً ما تحدث اشتباكات لفظية وجدّية في البرلمانات العربية، وتشهر المسدسات وتتبادل اللكمات والسباب بأقذع الألفاظ، ليس لخلافات سياسية، بل لمشاحنات شخصية وجهوية وعشائرية ومذهبية. ويعقبها صلح عربي عشائري بـ «بوس الخشوم». من هنا تجنيب النساء ذلك بعدم انتخابهن أصلاً وإذا وُجدن فبأعداد رمزية.

لا عجب أنه إذا كان شعار الماضي والمطلب الملّح «البرلمان هو الحل» أن أضحى «البرلمان هو المشكلة»، وهذا يصب في صالح الأنظمة التي تريد أن يصاب الشعب باليأس من الحياة والعملية الديمقراطية ذاتها بحسب المقولة المشهورة «الشيوخ أبخص» في ظل هذه الأوضاع أقترح دمج البرلمانات بالمجالس البلدية توفيراً للنفقات وتجنباً لمزيد من المشاحنات ما دامت الاهتمامات والمهمات واحدة، «أي الخدمات وبس».

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4809 - الجمعة 06 نوفمبر 2015م الموافق 23 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:12 ص

      عزيزي الكاتب

      حتى الشعوب العربيه فقيره في الثقافه ، فقيره في الأمور السياسيه ، تريد نواب خدمات وتحب النائب الثرثار ، وعندك مثال عندنا ، يا ترى أين اتجهت البوصله الآن ؟ إلى اللحوم وباقي الأشياء الخدميه ، وتم الهاءهم بهذه التفاهات ، فنجحوا بإمتياز.

    • زائر 4 | 2:54 ص

      اسكت ولاكلمة

      اسكت ايها المواطن نحن النواب نعمل لاجل الحكومة
      وذا اعترضت على الحكومة وغلطت وقولت كلمة حق
      فراح يكون مصيرك السجن اذا مايعجبك روح ايران وعيش هناك
      المشتكى لله وقاتل الله الجهل
      وشكرا ايها الكاتب

    • زائر 3 | 12:41 ص

      حتى لا تحصل الشعوب على شيء من حقوقها يفرغون البرلمان من كل صلاحياته

      حالهم حالنا
      افراغ البرلمان من كل صلاحياته ومن الطبيعي ان يرفض هذا البرلمان من كل وطني وبذلك ضربنا عصفورين بحجر واحد
      هم اصبح النواب نواب عازة والبرلمان ..

    • زائر 2 | 12:15 ص

      يشيلون مكينة السيارة والجير ويعطون الناس بدي فاضي

      هذا حال بعض الحكومات اذا ارادت ان تعطي لشعوبها حقا من حقوقه تقوم بتفريغ ذلك الحقّ من جوهره ثم تعطيه ذلك الطلب قالب فاضي لا يكشّ ولا ينشّ.
      ثم تظلّ المشاكل كما هي بل تتفاقم

اقرأ ايضاً