العدد 4812 - الإثنين 09 نوفمبر 2015م الموافق 26 محرم 1437هـ

الحرب والسلام

رضي السماك

كاتب بحريني

هذا العنوان ليس للحديث عن رائعة الروائي الروسي العالمي الكبير تولستوي التي تحمل نفس العنوان وكتبها في ستينات القرن الـ 19م، وهي كمسرحيات شكسبير قيمتها الموعظية الاجتماعية الكبرى حية لا تموت عبر كل العصور، ورغم خصوصيتها الروسية إلا أن بعدها الإنساني في تحليل النفس البشرية المتقلبة بين الخير والشر صالح لكل زمان ومكان، بدليل أن مجلة «نيوزويك» الأميركية رشحتها العام 2009 على رأس قائمة أفضل عشر روايات في العالم، إنما العنوان لقضية سياسية - اجتماعية هي قضية كل العصور: هل الحرب قدر لا مفر منه؟ وهل لا مناص لشعوب العالم، ولاسيما الفقيرة سوى الاستسلام لمشيئة تجار الأسلحة ومشعلي الحروب ليكونوا وقودها أو حطبها؟ سواء على صعيد الحروب الأهلية أم الإقليمية أم العالمية؟ لوزير الخارجية السوفياتي الأسبق ادوارد شيفاردنازة مقولة مشهورة حينما نعت الحرب العراقية الإيرانية، بعدما طالت بلا مبرر وبلا هدف وتبادل الطرفان في معارك الكر والفر مسئولية إطالتها بـ «الحرب المجنونة، لكن تظل المقولة التي ينقلها اناتولي جروميكو (ابن وزير الخارجية السوفياتي اندريه جروميكو الذي استمر في منصبه زهاء ثلاثة عقود) عن أبيه معتزاً بها أشبه بالحكمة في دلالتها تجاه أهمية التعقل لدرء نشوب الحروب: «أن تنفق عشر سنوات في المفاوضات أفضل من أن تخوض حرباً ولو يوماً واحداً». ولم تصدر هذه المقولة عن شيخ الدبلوماسية السوفياتية الراحل من فراغ، بل عن رجل خبِر مذاق الحرب وكان شاهداً على فظائعها وأهوالها، ففضلاً عن أن بلاده خاضت غمار الحربين العالميتين الأولى والثانية فقد قُتل له شقيقان في الحرب الأخيرة، وهكذا فمهما قرأ الإنسان عن أهوال الحروب وكوارثها المتعددة، أو شاهدها في الصور والأفلام والاخبار، ليس كمن عايشها وذاق مراراتها، أوعلى حد تعبير الشاعر زهير بن ابي سلمى: «وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم... وما هو عنها بالحديث المرجم» .

كان القلم في غابر الأزمان بما يكتبه من حِكم وأشعار وفلسفة رمزاً للمحبة والتآخي والسلام، ومن أجمل ما كُتب عنه في هذا الصدد ما سجّله عمر بن المظفّر ابن الوردي المعري الكندي (ت 1348م ) على لسان القلم في محاورة بديعة بينه وبين السيف: «فأما أنا فابن ماء السماء، وأليف الغدير، وحليف الهواء، وأما أنت فابن للنار والدخان، وباتر الأعمار وخوّان الأخوان، تُفصل ما لا يُفصل، وتقطع ما أمر الله به أن يوصل، لا جرم إن سُمّر السيف وصُقِل قفاه، وسُقي ماءً حميماً فقطع أمعاه. يا غراب البين، ويا عدة الحين، ويا معتل العين، ويا ذا الوجهين، كم أفنيت وأعدمت، وأرملت وأيتمت ؟!». أما في عصرنا فقد غدا القلم سلاحاً مزدوجاً للحرب وللسلام، فيمكن توظيفه لتوغير الصدور بين الأشقاء وأبناء الوطن الواحد، أو لتمزيق النسيج الوطني الواحد شر تمزيق، أو كسلاح في الحروب الباردة لتحويلها الى حروب نارية فعلية، وعلى النقيض من ذلك فيمكن توظيفه لتوليف القلوب ومنع الحروب أو لإطفائها ولنشر السعادة والمحبة والرخاء بين البشر.

غداة وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها بشّرت الولايات المتحدة شعوب أوروبا المفجوعة بعشرات الملايين من أبنائها والخراب الشامل الذي حل بأوطانها بمشروع مارشال لإعادة إعمارها، ومع أن أميركا ليست المتسبب في إشعال تلك الحرب الكونية الكبرى وإن كانت طرفاً في ارتكاب أشد أهوالها فظاعةً (محرقتا هيروشيما ونجازاكي) لكن يصح السؤال هنا أيضاً: وماذا يفيد الشعوب المكتوية بنيران الحروب أن يعدها مشعلوها بإعادة الإعمار بعد كل الفواجع والدمار الذي حل بها ؟! فلن يعيد الإعمار أعمار أبناء الثكالى ولا أزواج الأرامل، ولا آباء وأمهات اليتامى، بل ولا ما هو عزيز على قلوبهم في أوطانهم كان مخلداً في قِدمه كتراث معماري آية في الجمال ولا يُقدَّر بثمن وقد مسحته آلة الحرب المجنونة لتحوله أثراً بعد عين!

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4812 - الإثنين 09 نوفمبر 2015م الموافق 26 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:55 م

      جريمة الحرب

      البشرية عرفت ويلات الحروب وجرمت افعالها ناهيك عن نهيها وتحريمها في الكتب السماوية وشرع المجتمع الدولي العديد من الاتفاقيات المحرمة لجرائم الحروب وفي 6 نوفمبر الجاري صادف اليوم الولي لمنع استغلال البيئة في الحروب وهو اليوم الذي وقعت الاتفاقية الدولية لمنع استخدام البيئة في العمليات العسكرية بيد ان مشاهد الحروب المأساوية تشير الى غير ذلك وتؤكد حقية غياب العاقلية والحكمة في معالجة القضايا الدولية التي يشير ايها الكاتب في مقاله.

اقرأ ايضاً