العدد 4816 - الجمعة 13 نوفمبر 2015م الموافق 30 محرم 1437هـ

الزواج الأسوَد

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أخذتني الذاكرة إلى دانيال بيرل المدير السابق لمكتب صحيفة «وول ستريت جورنال» في جنوب آسيا. بيرل اختُطِفَ بتدبير وتخطيط من تنظيم «القاعدة» في ديسمبر/كانون الاول سنة 2001م، ثم قُتِل بعد اختطافه بفترة وجيزة. قصة بيرل تبدأ عندما جاء إلى باكستان كي يقابل أحد الإسلاميين المتشددين ويدعى بير مبارك علي شاه جيلاني ليجري معه لقاءً صحفياً بشأن ريتشارد ريد، الذي كان قد خبَّأ حشوة ناسفة في حذائه على متن رحلة بين باريس وولاية ميامي الأميركية في ديسمبر 2001م.

كانت شبكة الخاطفين، تتكوَّن من ثلاثة عشر شخصاً. القضية لا تنتهي إلى هنا، بل إن الأهم من كل ذلك، أن أحد أعضاء تلك الشبكة ويُدعى أحمد الشيخ والمحسوب على تنظيم «القاعدة» وبعد أن سلَّم نفسه إلى الشرطة الباكستانية، اتصل (وبحضورهم) إلى عضو آخر في الشبكة الخاطِفة واسمه حسين، ليأمره بأن يُوقِف عملية قتل الصحفي بيرل. تفاجأ أحمد أن حسين يُخبره بأن دانيال بيرل قد تمّ قتله دون أمر منه.

اتضح من كل ذلك أن عمليتَيْ الخطف والاغتيال، شاركت فيها جماعتين مختلفتين. الأولى جماعة دينية متطرفة، والأخرى جماعة ليس لها علاقة بالدِّين مطلقاً، بل هي مجموعة مجرمين هدفها الكسب المادي. وكانت الكلمة العليا هي لهؤلاء وليس للجماعة الأولى، التي حين طلب أفرادها منهم رؤية المكان الذي يُحتَجَز فيه بيرل (قبل قتله) رفضوا ذلك بحجة أن سرِّيّته ضرورية لهم لإنجاز عمليات اختطاف أخرى، وبالتالي فإن حدود معلومات الإسلاميين المتطرفين تنتهي إلى هنا.

ليس ذلك فحسب، بل إن أحد الذين أمسكوا برجلَيْ بيرل أثناء ذبحه واسمه فاضل كريم لم يكن يعرف هوية الشخص الذي قام بذبح دانيال بيرل، سوى أن ملامحه عربية. وعندما أخرِجَت جثة الصحفي القتيل من مكان ما في كراتشي وبالقرب من سجنه الأخير، تبيّن أن جثّته قد قُطِّعت إلى عشر قطع، وبطريقة بشعة، وعلى أيدي جماعة مجرمة ليس لها أيّ صلة بالإسلام ولا بالأخلاق.

هذه القصة التي يذكر «جوهرها» الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف في مذكراته، تعطينا صورة ربما كانت غائبة عن تركيبة الجماعات المتطرفة وآليات عملها، وهي أن هناك زواجاً أسوداً بين الإرهاب والإجرام. زواج بين جماعات التطرف الديني وجماعات الجريمة المنظمة. وهو أمر جدير بالتأمل والتتبع، كون العلاقة العنفية التي تحكم عمل بعض الجماعات دائماً ما تُفضي إلى بناء قاعدة صلبة من المشتركات، التي تجمع تلك القوى العنفية والمتطرفة.

قبل أيام قُدِّم ماسيمو كارميناتي الذي كان ينتمي إلى الفاشيين الجدد وبالتحديد لجماعة ماليانا جانج في روما إلى المحكمة بتهمة الاستيلاء على الملايين من الأموال نتاج «عقود مع مجلس المدينة». كانت التهمة أن جماعة كارميناتي تقوم بأعمال شبيهة بالمافيا لكنها ليست كتلك التي كانت رائجة في الجنوب الإيطالي «مثل كوزا نوسترا في صقلية وندرانجيتا في كالابريا وكامورا في نابولي».

ولا يُعلَم على وجه الدِّقة الصِّلة التنظيمية بين الجماعات اليمينية وعصابات الجريمة في هذه القضية، إلاَّ أن الذي يظهر هو الاشتراك في طبيعة التوجّه العنفي. فوصف الفعل بين الفئتين يكاد يكون واحداً، ما خلا التوجهات والدوافع التي تحكم اتجاه ونفسية كل طرف.

وقد دَرَجَت العادة، أن تزدهر جماعات الجريمة في البيئة المضطربة، أو تلك التي يغيب عنها الأمان والسِّلم الأهلي. وقد وجدنا ذلك جلياً في سورية، حيث بدأت الجريمة المنظمة تلعب دوراً رئيساً في الصراع الدائر، وبالتحديد في عمليات الخطف، بالتوازي مع ما تقوم به الجماعات الدينية المتطرفة، حيث تجمعهما المصالح.

هناك جانب آخر مهم يتعلق بتكوين الجماعتين، وهو أن الدافع الآيدلوجي مختلف. فالتطرف الدِّيني نابع من تفسير ضيِّق ومتشدد للدِّين، بينما الجريمة، هدفها الأساسي المادة والتسلُّط. وفي أحيان كثيرة، ومن خلال العمل المشترك، يظهر الفزر بينهما، فيما يتعلق بالضرر المادي، الذي يمكن أن ينشأ.

خلال حفل انتخابي في باكستان قبل عدة سنوات، قامت «القاعدة «بتجنيد اثنين من المهاجمين، لاستهداف أحد السياسيين المرشَّحين. وعندما حان موعد التفجير والاستهداف، قام المهاجم الأول بتفجير نفسه عبر حزام ناسف فأوقع دماراً هائلاً في المكان. أما المهاجم الثاني، فقد آثر الابتعاد والهرب، حيث ذهب إلى مَنْ جنَّدوه، وسلَّمهم الحزام الناسف، ثم سار إلى سبيله. فالعمر بالنسبة له لا ينقسم على اثنين.

وقد تكرَّر هذا الأمر في عديد من المواقف، التي كانت فيها أعمال إرهابية، حيث ظهر أن البرزخ الذي حال دون قيام شخص بعمل تفجيري أو انتحاري ما هو العقيدة التي يؤمن بها، والمتأرجحة ما بين التطرف الديني والجريمة المنظمة. لكن بالتأكيد، لا يعني أن هذا الاختلاف قد قطع التعاون بين الجماعتين، بل هو قائم في العديد من الأماكن والأحيان، لكن تحليل التوجه والدافع أمر ضروري.

الغريب في تلك العلاقة أنها فعلاً أشبه بالزواج الذي يسمح بوجود ممرات للتأثر الفردي والجماعي المتبادل بين الطرفين. فقد ولَّد ذلك الزواج إجماعاً مشتركاً لا يمكن فكاكه بالنسبة للعنف ووسائله. وأصبح الفاصل بين الفئتين هلامياً، حيث أخذت جماعات الجريمة، تستقطب المتطرفين إلى صفوفها، حيث يُحفِّزهم إلى ذلك الطبيعة العنفية التي تتمتع بها، كما يحصل الآن في سورية.

في المحصلة، فإن من المهم تتبع هذا الأمر ودراسته جيداً. فذلك الزواج الأسوَد قد قوَّي من شوكة الجماعات المتطرفة، وجعلها بحجم دول كاملة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4816 - الجمعة 13 نوفمبر 2015م الموافق 30 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:24 ص

      يعاملون الناس كالخراف والبهائم التي عادة ما تسقى بالماء قبل ذبحها واشك انهم سقوا بيرل شربة ماء

      أحد الذين أمسكوا برجلَيْ بيرل أثناء ذبحه واسمه فاضل كريم لم يكن يعرف هوية الشخص الذي قام بذبح دانيال بيرل ...

    • زائر 1 | 10:36 م

      المبدأ

      المقال فاقد لذكر المبدأ الذي اتبعه كل من تسلط علي الحكم. المبدأ هو جواز القتل بهدف الوصول. لا فرق بين الامم و الامكنة. كل من تمكن من الاستيلاء علي السلطة فعل ذلك.

اقرأ ايضاً