العدد 4828 - الأربعاء 25 نوفمبر 2015م الموافق 12 صفر 1437هـ

البدايات... النهايات... بينهما وجودٌ أو عدم

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

حين تبدأ أي أمر، ثمة عدَّاد تنازل تكون في غفلة منه. عدَّاد يرصد الزمن الذي ستقطعه بدايةُ ذلك الأمر. كل بداية مرهونة إلى نهاية. لا يهم التوصيف الذي يصر عليه بعضهم.

جئنا إلى العالم عنواناً للبدايات. نغادره تتويجاً أو عاراً لتلك البدايات. لا أحد يضمن تتويجاً في نهايته، وإلا لم يعمل أساساً. واليائسون من التتويج في النهايات لن يعملوا أيضاً ما داموا ملمِّين بالنتائج؛ أو هكذا قرَّ في قناعاتهم!

أكثر البشر فهماً للدور في هذه الحياة، هم أولئك الذين يعملون من دون أن يهمّهم تتويج، ومن دون أن يهمهم أيضاً أن يُوصموا بالعار والخزي. المقاييس التي تذهب في الاتجاه النقيض، عادة ما يضعها الذين يعانون من العار والخزي. أو هم على مواءمة وانسجام معهما.

الشائع أن السخرية من البدايات، وخصوصاً في مجتمعاتنا، باتت أمراً عادياً ومألوفاً. أن تبدأ بفكرة غير سائدة، ستكون عرْضة للسخرية. أن تبدأ بمشروع فيه من الابتكار الكثير، سيكون موضع تندُّر من قبل كثيرين، ولا تستغربن إذا ما جاء التندُّر من أطراف هي على مقربة من ابتكار المشاريع. في الكتابة أيضاً، كانت البدايات التي طرأت على الأساليب والأشكال، مليئة بالتسخيف والسخرية والإحباط، وحتى التحريض على اجتثاث تلك «الموجات» التخريبية، كما أطلق عليها بداية الأمر. وقد احتلت مكانتها اليوم ليس في دولها فحسب، بل اجتازته إلى أكثر من رقعة جغرافية.

الأنبياء... المصلحون... الذين أحدثوا ثورات في مجتمعاتهم على مستوى القيم والأخلاق والمواقف، لم تكُ بداياتهم مُفرحة. تمت السخرية منهم، وفي أقل تقدير، وصفوا بالجنون. أقدم صفة ربما تكون هي، لكل الذين بدأوا، فتكالب عليهم قومهم قبل أن يفعل ذلك الغرباء.

كل بداية لن تكون في منجاة من الاستغفال أو الإغفال، ويراد لها أن تكون النهاية في الوقت نفسه.

***

لم نبرح واقعاً قائماً اليوم. لم تتبدَّل الصورة ولا المعنى في هذا الصدد. الذين يبحثون عن نهايات لأي بداية فيها نفع ومصلحة وخير للبشر، ستجدهم أعداء لكل ذلك، وسيَحُولُون دون وقوعه، بكل ما توافر لهم من إمكانات وأدوات؛ باستثناء تسخير أدوات الشر الذي يُضمرون، والأنانية التي تجعل شهوتهم للاستحواذ على كل شيء، لا حدَّ ولا نهايات لها حتى بلوغهم حدود الموت. هو الموت نفسه الذي بسكْرتهم لا يؤمنون به؛ بدليل غيّهم واستمرائهم لكل شاذ من إجراء، يَرَوْن فيه خلودهم المزعوم وحصانتهم التي لن تُمسَّ كما يتوهَّمون.

أعداء البدايات هم الذين لن يتأخروا في وضع العراقيل أمام أصحابها كي يوصلوهم إلى نهايات هم من يعمل على انتخابها، ويحرصون على فاعليتها، ويتأكَّدون من الأثر الذي تخلِّفه، ولا يُراد للأثر أن يكون فارقاً ومهمّاً ودافعاً إلى تمثُّله، والتأثُّر به، وطلب استجلائه واستحضاره.

وفي ما نشهد من سعي شعوب إلى الانعتاق من بداياتها التي لم تتزحزح، ارتهاناً إلى واقع لا يُراد له أن يتغيَّر قيْد أنملة، ثمة من يحرص - بأدواته وما يملك من واجهات - على إيراد تلك الشعوب نهايات لا تعرف إلا العبث بالحياة، وتهديد حق الكائن البشري في الاستقرار والطمأنينة. حقه في أن يأخذ حصته من الحلم، وأن ترى الأحلام طريقها إلى واقعه المُصادر والمُغلق.

وبالشواهد والمنطق التاريخي، لم نعرف محاولات حققت انتصاراً على المدى البعيد بوضع نهايات لتلك البدايات، ووضع حد لتلك الأحلام؛ وصولاً إلى حد إقناع تلك الشعوب بأن المُصادرات والمنع ووأد الأحلام والتربُّص ببدايات انعتاقها من الهيمنة، آتت أُكُلها، وقُدِّر لها أن تخلد، استمراراً لتلك الممارسات ومصادرة كل أفق، وتأبيد حال الهيمنة في واقع الناس.

الكفُّ عن البدايات هو القبر المتحرك الذي يتربّص بالعالم، أفراداً وشعوباً. ويظل من مآزق الإنسان الكبرى اليوم هو تعجُّله ثمرة ما بدأ... تعجُّله النهاية في صورة أو أخرى، ومثل ذلك التعجُّل هو الذي يستدرجه إلى ممارسة الفشل، بالأخطاء والكوارث التي تتربَّص به، بمعنى أو آخر.

تلك البدايات فيها ما يدل على الوجود، وفيها ما يدل على النهايات المبكرة: العدم. تظل المسألة معلَّقة بالأدوات التي تُحصِّن تلك البدايات، وتمنع تردّيها وتراجعها وانهيارها. ولا كبير جهد تحتاجه النهايات المليئة بالسقوط والانهيار! الإنسان وحده من يقرِّر إلى أي منهما ينتمي، وأي الأدوات التي يختارها تحصيناً لبداياته، وتعزيزاً لما تنتهي إليه تلك البدايات.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4828 - الأربعاء 25 نوفمبر 2015م الموافق 12 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:23 ص

      ماشاءالله عليك .

      اختصرت حياتنا كلها من الحياة للممات ومابينهما في عنوان , يعني عنوانك عبارة عن قصص كثيييييرة يا أستاذ جعفر . أم مروه

    • زائر 2 | 6:19 ص

      ان بين البداية والنهاية يقع :

      اما حياة دائمة وخلود واما عدم , فكثير من الناس للعدم والقلة للخلود . خاتون .

    • زائر 1 | 2:13 ص

      النزعه الانانيه

      هم لديهم حب الذات والظهور يريدون ان يسحقوا الاخرون ولا يعترفون ان الطيور بعضها لها القدره على الطيران ارفع بكثير من طيور اخرى

اقرأ ايضاً