العدد 4848 - الثلثاء 15 ديسمبر 2015م الموافق 04 ربيع الاول 1437هـ

مراجعات «جندرية» بعد ارتدادات الربيع العربي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

منذ انطلاقتها قطعت الثورات والتحركات الاحتجاجية مراحل متتابعة من المتغيرات والتحولات في المشهد السياسي العربي. من خلال النظر بعمق إلى دلالات ومؤشرات تلك المتغيرات والتحولات، لا يمكن الجزم بأنها حققت الغايات والأهداف التي حركت جماهير الميادين، خصوصاً في قضايا الديمقراطية وشرعية الأنظمة القانونية، فثمة ارتدادات وانحراف لمسار الانتفاضات في أغلب البلدان وما تمخضت عنه من احترابات أهلية وحروب بالإنابة وقمع وبطش غير مسبوق لاتزال تعاني منه شعوب المنطقة.

أجمع المتابعون أن الاحتجاجات التي رفعت شعارات «حرية، خبز، عيش، حرية وعدالة اجتماعية» جاءت رد فعل طبيعياً حانقاً ويائساً على ظلم وقهر «الدول الغنائمية» للأنظمة الفاسدة التي امتهنت كرامة الإنسان، وفشلت اقتصادياً وتنموياً لما تعانية من عجز في تحقيق الديمقراطية والعدالة وإحقاق الحقوق والحجر على الحريات وإقصاء لقطاعات واسعة من السكان وتهميشها، حيث استخدمت شتى أساليب التحشيد الطائفي وممارسة القهر وتعزيز ثقافة الاستبداد والذهنية الذكورية.

على خلفية مشاركة المرأة العربية إلى جانب الرجل في تلك التحركات الاحتجاجية، وقع عليها ظلم وعنف ومعاناة بسبب تعبيرها عن رأيها وإصرارها على المشاركة في تظاهرات الميادين، فنالت نصيبها كما الرجال من القمع والبطش بل وأكثر في بعض الحالات. جرى عليها القتل والاعتقال وتجاوزت حالات التعدي على النساء في امتهان الكرامة والإهانة والتنكيل الخطوط الحمراء، إضافة إلى تشريدهن واغتصابهن وعرضهن في أسواق البيع وكأن زمن السخرة والعبيد عاد بهن للوراء، الأمر الذي كشف الغطاء عن هشاشة البنى السياسية والإقليمية وقصورها بل وعجز آلياتها القانونية من دساتير وقوانين وعدم التزام بالتعهدات والاتفاقيات الدولية التي تم التوقيع عليها، في توفير الحد الأدنى من الحماية للنساء والأطفال، وهذا بحد ذاته شكل ولايزال تحدياً كبيراً لجهود مؤسسات المجتمع المدني والمدافعين عن مبادئ حقوق الإنسان والحركات النسائية.

استناداً إلى هذه الأرضية جاءت انطلاقة الاتجاهات الواعية والمدركة لخطورة الوضع للتباحث في حقيقة ما حدث وتداعياته ورسم خطة طريق لمسار المدافعة الحقوقية للنساء، وهذا ما فعلته منظمة «كفى عنفاً واستغلالاً» في لقائها الأخير ببيروت (12-14 ديسمبر/ كانون الأول 2015) تحت عنوان «المجتمع المدني وتحديات الإخفاق في حماية النساء»، لم لا وقد أثبت الواقع ازدواجية تطبيق معايير حقوق الإنسان، فمن ناحية توضع المواثيق، ومن ناحية أخرى تشن الحروب وتدعم الأنظمة القائمة وتعزز شرعيتها في الاستبداد واستعبادها لشعوبها.

إخفاق في حماية النساء

مداولات اللقاء البيروتي بحثت في تجاوز هذا الواقع عبر مسارات متعددة نوقشت فيها مدى فعالية الآليات الإقليمية والدولية في تنفيذ القرارات والمواثيق، حيث أشارت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة ببيروت «سيغرد كاغ» إلى التحديات في تطبيق القرارات ومنها قرار «1325» المتعلق بالمرأة في إطار الأمن والسلام والنزاعات المسلحة وحالات العنف ضدها، قالت: «إنه يشكل صكاً دولياً مهماً جداً لكنه لا يطبق وتساءلت ما فائدة أي قرار يصدر دون تطبيق وليس له تأثير على الواقع العملي؟»، وأضافت «إنه وبرغم الجهود المبذولة وتأسيس آلية دولية لمناهضة العنف إلا أن إحصاءاته تتصاعد وأساليب العقاب لاتزال تسمح بالإفلات لمرتكبيه، وإن المساعدات الدولية المخصصة للاهتمام بالجندر قليلة جداً، والهياكل الموجودة غير كافية لتنفيذ تلك القرارات، مؤكدة على ضرورة توثيق المعلومات والحالات بهدف ملاحقة مرتكبي جرائم العنف ضد النساء». واتفق معها مشارك آخر: «إن الإشكالية ليست في ازدواجية تطبيق المعايير الدولية، إنما هي ازدواجية التطبيق والكيل بمكيالين بسبب النظرة للمرأة وغياب الإرادة السياسية لتغيير الواقع ووضع آليات مناهضة العنف ضد النساء وبرامج تدريبية وتقديم خدمات من منظور جنساني».

التفاف الأنظمة على التزاماتها

في السياق نوقشت مسئولية الأنظمة المحلية في تنفيذ الآليات الدولية باستفاضة، وتم الكشف عن كيفية التفافها على موجباتها الدولية، سواء بخلق آليات وطنية خاصة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، قاصرة وغير فعالة وفارغة من المضمون، أو بفرض التحفظات على المواد التي تمس جوهر الاتفاقيات وتجعل من المرأة ضحية لا حول لها ولا قوة بحجة «الخصوصية الثقافية والدينية» التي ترهن حياة النساء ومصيرهن ومستقبلهن بنصوص جامدة وتفسيرات سلفية مغلقة، وعدم مواءمة تلك الاتفاقيات مع القوانين الوطنية.

كذلك استخدام الأنظمة لسياسات مواجهة الإرهاب لتكريس المزيد من آليات التسلط والاستبداد، وما نتج عنها من عدم تحمل المسئولية في تأمين الحماية اللازمة للنساء، أكان ذلك في حالات السلم في ضوء غياب أو قصور القوانين التي تحمي النساء من العنف، أو في حالات النزاع المسلح وأزمات اللجوء والنزوح ربطاً بقرارات مجلس الأمن، أو من خلال عدم السعي الجاد لردع عمليات الاتجار بالنساء والفتيات، إضافة للتطرق للنقص في الآليات الوطنية والموارد المالية لوضع هذه الاتفاقيات والقرارات موضع التطبيق، وذلك بسبب غياب أو ضعف الإرادة السياسية وغلبة العقلية الذكورية لدى القوى السياسية الحاكمة تجاه مبدأ المساواة وحقوق النساء، وقد برز ذلك من خلال المساومات بين مختلف أطرافها لتكريس الصورة النمطية للنساء والتمييز ضدهن في القوانين، خاصة قوانين الأحوال الشخصية والعقوبات، وتهميش مشاركتهن في الحياة العامة، كما تم الالتفات حول انتشار ممارسات العنف ضد النساء وإحياء التقاليد والأعراف القبلية والعشائرية والفتاوى الدينية التي تحط من كرامة المرأة وإنسانيتها، كتزويج القاصرات وتعدد الزوجات وما يسمى بجرائم الشرف.

تناول اللقاء سياسات الدول الخارجية والحكومات المحلية في تعاملها مع منظمات المجتمع المدني وكيفية تغليب مصالحها السياسية والاقتصادية على حساب قضايا حقوق الإنسان عامة وحقوق النساء خاصة، في ظل خلل لسياسات التمويل المعتمدة من قبلها لهذه المنظمات، فهو ضعيف وغير كافٍ ولا يؤمن استمرارية البرامج وديمومة نشاط المنظمات، فيما تفرض على المنظمات أولويات لا تضع في الاعتبار الاحتياجات الخاصة بالبلد المعني بالتمويل، ناهيك عن القيود القانونية والمضايقات التي تضعها الحكومات المحلية على المنظمات المتلقية للتمويل، في إنكار صارخ للدور المهم الذي تلعبه عبر برامج الإغاثة والتوعية والتثقيف والتمكين والرصد والتوثيق، وتقديم التقارير ومشاريع القوانين والخطط الوطنية، وفي أوضاع تفتقد للأمن والأمان الشخصي من جهة، أو ما تواجه من تقييدات قانونية على عملها وممارسات تعسفية ضد منتسبيها وضد المدافعات عن حقوق الإنسان من جانب السلطات الحاكمة، بحجة مكافحة الإرهاب والفساد من جهة أخرى.

وعليه صدر بيان يأمل المرء أن يشكل مضمونه وما دار من حوار رجع صدى لدى الجمعيات النسائية المحلية والاتحاد النسائي البحريني، خصوصاً وقد أوصى بضرورة التشبيك والعمل المشترك بين المنظمات النسوية وطنياً وإقليمياً وأهمية وضع استراتيجية إقليمية لمناهضة العنف والتمييز ضد النساء، تأخذ بالاعتبار سد الفجوات في الدساتير والقوانين وفقاً للاتفاقيات والمواثيق الدولية، والعدالة الانتقالية المراعية للنوع الاجتماعي وخاصة لضحايا العنف الجنسي في أوقات النزاعات المسلحة وما بعدها، وحرية عمل منظمات المجتمع المدني وحماية المدافعات عن الحقوق الإنسانية للمرأة في ظل الإرهاب والتطرف.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4848 - الثلثاء 15 ديسمبر 2015م الموافق 04 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً