العدد 4854 - الإثنين 21 ديسمبر 2015م الموافق 10 ربيع الاول 1437هـ

ليتني لم أفعل

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

عندما نضع تصرفاتنا وفقاً لعواطفنا، ومعها تكون ردات أفعالنا هي الإجابة المباشرة لمن حولنا، حينها تكون النتيجة ليتني لم أفعل، ليتني فكرت، إنه الشعور بالندم، شعور صعب ومحبط، يرافقنا أحياناً لأننا لا نستطيع إلغاء الماضي أو تغييره، فالأصل كان القرار خاطئاً، وبالتالي أصبح المصير مرهونا بفداحة هذا الخطأ الذي سبقه سوء التصرف، فكم منا من قال ليتني لم أفعل؟

بالأمس القريب نشرت صحيفة « التليغراف» البريطانية بالتزامن مع الذكرى الخامسة لاندلاع الثورة التونسية لقاء مع فادية حمدي الشرطية التونسية التي صفعت مفجّر الثورات العربية محمد البوعزيزي إثر مشاجرة أدت لمصادرة حمدي عربة الخضار التي كان يعتاش منها البوعزيزي في منطقة سيدي أبو زيد، إذ قالت وهي باكية «أتمنى لو لم أفعل ما قمت به، أشعر بأنني المسئولة عن كل شيء، وألوم نفسي فأنا التي صنعت هذا التاريخ، لأنني أنا التي كنت هناك، وما فعلته هو السبب في هذا الحال».

هي تشعر بالندم، وترى الآن بعد أن انجلت الغبرة فداحة ما قامت به، فهي تعيش الأمرين إذ لم تنفك من الشعور بالذنب جراء ما حدث، وفي الوقت ذاته لا تمتلك الاعتذار بعد أن حرق البوعزيزي نفسه، ولا تستطيع إصلاح ما مضى، لأن كل شيء فات، ربما هي لم تقصد أن تؤول الأمور إلى هذا المنزلق، لكن تصرفها أشعل ما لا يمكن إخماده.

الشعور بالندم حالة طبيعية للإنسان كونه كائناً اجتماعياً فرض عليه تكوين شبكة من العلاقات الاجتماعية، فالخطأ وارد، ومعه يكون الندم، الذي خضع لفلسفة علمية يشير إليها الباحث والاختصاصي النفسي البروفيسور «تود ب. كاشدان» بالحقائق العلمية الخمس والتي تتلخص في أن الشعور بالندم نادر الوجود عند الأطفال، فالكبار وحدهم من يستدعون الماضي ويقارنون وضعهم الحالي في ظل القرارات التي اتخذوها بوضعهم في حالة اتخاذ قرارات مغايرة، لذا الشعور بالندم هو مسألة إدراك ووعي وهي متعلقة بالعمر، وبمدى إدراكنا لتسلسل الأحداث، وتذكر ما فعلناه وما لم نفعله بدقة، فكلما تقدم بنا العمر وبعدنا عن الحدث فترة اتضح لنا الأمر وبانت الصورة، لذا يشير كاشدان إلى أن الندم على القرارات غير المتخذة لا يخرج من أدمغتنا بسهولة، بل يبقى قائماً فيها ويتفاقم أكثر. لذا يقول «بأننا سنكون فيه عالقين داخل تبعات الخيار الخاطئ، وتكثر الجمل التي تبدأ بـ (لو، لو أن، يا ليت)»، وينهي كاشدان فلسفته عن الشعور بالندم إلى أنه شعور مفيد؛ لأنه يشكل على حد قوله محفزاً للقيام بخطوات أصح في المستقبل، والتفكير بعمق أكثر قبل اتخاذ القرارات الجديدة، لأننا من المفترض أن نتعلم من أخطاء الماضي ما نحسّن به من مستقبلنا.

جميل أن يرجع كل منا شريط حياته للخلف، لنفكر ولنستوعب ولنصل إلى قرار ليتني لم أفعل ذلك، ولكن الأجمل منه أن لا نقدم على فعل نشعر فيه بندم يشيب له الرأس، ويبقى معه الحلق مراً، ندم عن ندم يختلف، فالشعور بالندم على ضياع فرصة عمل ما تختلف عن الشعور بالندم في اتخاذ قرار فاشل في الزواج مثلاً، كما أن هناك ندماً يمكن استرجاعه والتراجع عنه وتصحيحه، ومن يخطأ بحق نفسه مختلف عمن يخطأ بحق الآخرين، وفي هذا الجانب أيضاً درجات، فمن ظلم قول إلى اتخاذ قرار مجحف أو ربما إنهاء حياة آخرين ومعها يكون السؤال «بأي ذنب قتلت» (التكوير/9). فالأفعال القاسية أبعد ما تكون عن الإنسانية حذر منها نبي الرحمة محمد (ص)، إذ قال: «يا أبا ذر، إن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تشعرون».

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 4854 - الإثنين 21 ديسمبر 2015م الموافق 10 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:50 ص

      لا فُض فوك أستاذتنا الكريمة.

      لو كنت أعلم الغيب لاسكثرت من الخير.
      مما يجعل الإنسان يتخذ قرارات عشوائية كارثية استغراقه في حالة من حالات النشوة من غنى أو سلطة أو وجاهة ... وما يترتب على ذلك من طغيان واستبداد في اتخاذ القرارات غير المدروسة التي تجر عليه الويلات والندم حيث لا ينفع الندم.
      إذا كنت ذا رأي، فكن ذا مشورة * فإن فساد الرأي أن تتعجلا

    • زائر 3 | 12:47 ص

      مقال يحاكي الواقع

      اشكر الكاتبة على هذا الطرح المتألق والواقعي

    • زائر 2 | 12:09 ص

      هي الحقيقة

      الكاتبة تستحق كل التقدير..انا اتابع مقالاتها بأستمرار..صاحبة العمود تعرف جيدا مواضع الضعف لدي الأنسان لذلك في مقالاتها تلاحظ بوضوح تحذيراتها لبني البشر بأخذ الحيطة والحذر قبل اتخاذ القرار..

    • زائر 5 زائر 2 | 3:46 ص

      موضوع يلامس الذات

      مشكورة استاذة على هالموضوع

    • زائر 1 | 9:56 م

      صفعة

      أشعلت ثورة

اقرأ ايضاً