العدد 4865 - الجمعة 01 يناير 2016م الموافق 21 ربيع الاول 1437هـ

من كرم حاتم إلى بيل غيتس

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

قصص الكرم في التاريخ العربي تكاد لا تقابلها أو تدنو منها قصة بين كل أمم الأرض قاطبة. بعضها يكاد يقترب من الخيال، أو ما بعده بمراحل. على رغم البيئة الفقيرة في مواردها، والجدب الذي يسِم أرضها، أكرمهم من يعطي كل ما يملك لمن لا يملك، لا الذي يعطي الكثير منه.

كان الكرم وقتها نوعاً من أنواع التكافل الاجتماعي غير المُقنَّن أو المُشرْعن، فهو ابن بيئة الناس، وجزء من خصالهم وشيمهم. ولأن المجتمعات وقتها لم تعرف المؤسسات في دنياها، تلك التي تنظِّم العلاقات، وتسدُّ الحاجات والثغرات، كانت مثل تلك الخصال فردية، وإن جلبت صيتاً وحضوراً للقبائل التي ينتمي إليها أولئك الأشخاص بسبب طبيعتهم الملفتة، ومواقفهم الأخَّاذة والمبهرة.

لكن، كل تلك المواقف والقصص التي تمتلئ بها كتب المؤرخين، لم تُوجد بنية مؤسسية إلا من خلال الأفراد، ولا يمكن أن تُعطى صفة المؤسسة، فيما بعض من أولئك البشر وصل بهم الحال إلى حدِّ الإفلاس الكلي.

حتى بمجيء الإسلام، وإن تم تنظيم العملية في مسألة شرعنة وقوننة التكافل الإجتماعي، والدور الذي قام به بيت مال المسلمين بسد جزء من تلك الحاجات، إلا أن خلق بدائل إنتاجية للمعوزين، وجعلهم ينتقلون من مرحلة العالة وتلقِّي الإعانات إلى مرحلة المساهمة في بنية المجتمع الاقتصادية، كان غائباً ولا أثر له. وإن طغت المبادرة والروح، والأخلاق في أبعد مراميها وأهدافها، وخصوصاً المواقف التي بدرت من البيت النبوي الشريف، ومن ذلك ما ورد من أن رجلاً رفع إلى الحسن بن علي رقعة، فقال: حاجتك مقضية. فقيل له: يا ابن رسول الله، لو نظرتَ في رقعتِهِ ثم رَدَدْتَ الجواب على قَدْرِ ذلك. فقال: يسألني الله عن ذُلِّ مقامه بين يدي حتى أقرأ رقعته.

في هذا العصر يأخذ الكرم أو يتحوَّل إلى المأْسَسة ومنهجة ذلك البذل في صور مؤسسات يطول نفعها البشر من دون أن يكونوا عرضة للمن، وتتجاوز بكثير احتياجات معدتهم، إلى التعليم والصحة والابتكار، وكذلك المؤسسات الإنتاجية التي تسهم في دوران عجلة الاقتصاد، ومن ثم تحقق التنمية.

من بين رجالات العالم الذين حوَّلوا تلك القضية الأخلاقية والتربوية إلى مؤسسة، أثرى أثرياء العالم بيل غيتس، من خلال مؤسسة بيل وميليندا غيتس، والتي تهدف إلى تعزيز الرعاية الصحية والحد من الفقر المدقع خارج بلدهما؛ وفي الداخل، توسيع فرص التعليم والوصول إلى تكنولوجيا المعلومات. تم تمويل المؤسسة بداية بـ 126 مليون دولار في العام 2000، ليصل رأس مالها إلى 2 مليار دولار، لتكون المؤسسة على موعد مع قفزة كبرى، حين أعلن الملياردير الأميركي وارن بافت في 23 يونيو/ حزيران 2006 بما يقرب 10 ملايين سهم من أسهم ببيركشاير هاثاواي من الطبقة «ب»، وتصل قيمتها إلى 30.7 مليار دولار، لتكون وقفاً للمؤسسة.

الوعي بتحويل تلك الرغبات والتوجهات إلى مؤسسات هي أكبر خدمة توجه إلى الطبقات المعوزة، بتحويلهم من متلقين للمساعدات وغير منتجين، إلى فاعلين في دورة الحياة والاقتصاد؛ علاوة على مسِّها مجالات باتت رئيسية في حياة المجتمعات.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4865 - الجمعة 01 يناير 2016م الموافق 21 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:40 ص

      بين النظرية والتطبيق

      هذا ما يطلق عليه في علم الإدارة الحديث المسؤلية الاجتماعية للشركات (Corporate social responsibility )، الذي حث عليه ديننا الحنيف، لكننا نجد الغرب والشرق هم من اهتموا بتطوير وتقنيين هذا المفهوم لزيادة الوعي لدى المؤسسات ورجال الأعمال بدورهم في تنمية مجتماعاتهم فكرياً، صحياً، بيئياً واقتصادياً. أما هنا فلا نكاد نرى تطبيقات ممنهجة لتنمية مجتماعتنا العربية.

    • زائر 4 زائر 3 | 5:09 ص

      عقلية رجل الأعمال العربي

      عقلية التاجر ورجل الأعمال العربي بالخصوص هو كيف يحلب موارد مجتمعه أكثر لزيادة أرباحه الخاصة التي تدخل جيبه وحسابته البنكية، يد التاجر هنا مغلولة في محيطه فلا يستثمر في مواردها البشرية أو يوفي للمجتمع حقه من مسؤلياته. ولكن نراه لا يتوانى في إظهار كرمه الحاتمي للأجنبي أو في مجتمع خارج محيطه.

    • زائر 5 زائر 3 | 5:23 ص

      لا مسؤلية اجتماعية ولا هم يحزنون

      جمع للثروات فقط

    • زائر 2 | 1:33 ص

      كرم وفخامه

      هل نصبح علامه ام بسطاء !

    • زائر 1 | 11:49 م

      العراقيون اهل كرم

      في زيارتنا السنوية للعراق نرى كرما غير طبيعي عند الإخوه العراقيون..فعلى ما هم فيه من ازمات اقتصاديه ترى البعض يفتح مجلسا يغص بالناس وسماط طويل عليه من خيرات على ترها في بلدنا وبلدان مجاورة على رغم خيرنا الكثير.. فأهل بأهل الكرم والجود على مر العصور

اقرأ ايضاً