العدد 4871 - الخميس 07 يناير 2016م الموافق 27 ربيع الاول 1437هـ

تحسُّن الأحداث أم تحسُّن الأفكار والسلوكيات؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

بمناسبة نهاية كل عام وابتداء العام الذي يليه، تمتلئ صفحات الصحف بالمقالات، وشاشات التلفزيونات بالأحاديث والمناقشات، وتقتصر الغالبية الساحقة من تلك الكتابات وتلك الأحاديث على أمرين: الأول يتناول أحداث السنة الماضية بسردها، ومحاولة تحليلها والحكم عليها من وجهة نظر الكاتب أو المتحدث، وهي بالطبع وجهة نظر نسبيّة وخاضعة للانتماءات السياسية والدينية والإيديولوجية وللمصالح الشخصية، والثاني يتناول محاولة استشراف المستقبل، وتخمين ما يمكن أن يحدث خلال السنة الجديدة. وهذه السرديات والتخمينات في أغلبيتها السًّاحقة تعالَج بطرق غير علمية وغير موضوعية، وإنًّما في شكل تمنَّيات وينبغيَّات عاطفية وشخصية.

وفي اعتقادي أن كلا الأمرين لا يزيدان على استرجاع لقصص أحداث قديمة يعرفها الناس، وعن محاولة استنباط لقصص أحداث قد تقع، وقد لا تقع في المستقبل القريب، من هنا فإنَّ كل ذلك السًّرد، وكل ذلك الاستشراف هو سرد تاريخي واستشراف مستقبلي عابر مؤقًّت يمرُّ في أذهان القَّراء والمستمعين أثناء فترة الانتقال من عام سابق إلى عام لاحق، فيثير في الإنسان مشاعر القلق أو الفرح أو اليأس، التي هي بدورها عابرة ومؤقًّتة، ثم لا يلبث أن يطويه النسيان.

لكن، هل المطلوب في السنة الجديدة، تبدُّل الأحداث وتحسُّنها في هذه الجزئية أو تلك، أم أن المطلوب هو تبدُّل الأفكار والسلوكيات التي قادت إلى مآسٍ وآلام أحداث السنة الماضية، والتي إذا استمرّ تواجدها، أي الأفكار والسلوكيات، في السنة الجديدة، فإنَّ تمنيات وتخمينات الكتاب والمتحدثين لن تكون أكثر من لغوٍ وتسالٍ وثرثرةٍ؟

والسبب بديهي وواضح، وهو أن كل الأحداث الخاطئة هي نتيجة أفكار وسلوكيات خاطئة. من هنا أهمية أن تكون مناسبة الانتقال من سنة مضت إلى سنة قادمة مناسبة نقد شديد صريح لأفكار وسلوكيات السنة الماضية، وعرض واضح لاغمغمة فيه لأفكار وسلوكيات جديدة أفضل وأكثر عقلانية، فالزمن الجديد الذي لا يأتي بأفكار وسلوكيات جديدة، تساعد في حلِّ مشاكل الماضي، هو زمن لا يستحق الاحتفاء به، وهو زمن لن يحمل أحداثاً جديدة، بل سيكون استمراراً لما مضى واكتفاء بتغيير قنينة نفس الشراب القديم الرًخيص المضرً السًام.

دعنا نأخذ مثالاً صارخاً على ما نعنيه. إنه يتعلق بالدور الكبير الذي لعبته الأفكار والسلوكيات الطائفية الرسمية والفئوية الشعبية في استعمال الخلافات والتباينات فيما بين المذاهب الإسلامية، وخصوصاً فيما بين المدرسة الفقهية السنية والمدرسة الفقهية الشيعية، وما لعبته في تأجيج الصًّراعات والحروب والتهجير القسري للملايين في كل الأرض العربية، ألم تلعب الأفكار والسلوكيات الطائفية دوراً أساسيّاً في الاضطرابات والانقسامات والحروب التي عاشتها ولاتزال تعيشها أقطار من مثل العراق وسورية واليمن، وليبيا وإلى حدً أقل غالبية أقطار الوطن العربي الأخرى؟

تلك الأفكار والسلوكيات أليست مبثوثة في كثير من كتب الفقه، وصادرة عن كثير من علماء الفقه، ومنسوبة زوراً وبهتاناً إلى الأحاديث النبوية والقرآن الكريم عن طريق قراءات خاطئة وأفهام عرفانية غيبية تتعارض مع روح الإسلام ومقاصده الكبرى؟ ألا تنشر يوميّاً بين صفوف الملايين من الجهلة البسطاء عن طريق المحطًّات الفضائية الطائفية؟

وإذن، فاذا لم تتغيًّر تلك الأفكار والسلوكيات الطائفية في ذهن ووجدان الفرد العربي والجماعات العربية، فهل ستكون السنة الجديدة حقّاً أفضل من السنة الماضية؟

إبراز الفكر والسلوك الطائفي مراراً وتكراراً ليس بسبب هوس أو تقليل لأهمية الأفكار والسلوكيات الخاطئة الأخرى في حقول السياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية، وإنًما بسبب الدور الكبير الذي يلعبه في أحداث الحاضر من خلال الجنون الجهادي التكفيري الذي ينتشر كالوباء بين صفوف شباب الأمة العربية والشباب المسلمين في أنحاء المعمورة، وإنًما أيضاً بسبب استعمال ذلك الفكر والسلوك الطائفي استعمالاً خبيثاً من قبل الكثير من أجهزة الإعلام والأمن العربية، ومن قبل بعض حركات الإسلام السياسي ومن قبل بعض أجهزة الاستخبارات الأجنبية ومراكز بحوثها.

إذ هناك أيضاَ الأفكار والسلوكيات السياسية الزبونية والبالغة السطحية التي لا ترى في حراكات الربيع العربي إلاً فوضى وأحلاماً طفولية، وتتجاهل استبداد وفساد من منعوا الإنسان العربي من حقه في التمتع بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

ولأنًها أفكار وسلوكيات انتهازية نفعيًة تنادي بتخلًي أرض العرب حتى عن النضالات الشرعية السلمية الجماهيرية بحجًة أنها قد تؤدًي إلى هذا المحظور أو ذاك.

وهي بذلك تتجاهل حق الناس في الخروج من حياة الظلم والبطش والإقصاء عن المشاركة في الحياة السياسية والتمييز في الفرص الحياتية والبقاء في أسر الفقر والمرض والتخلُف.

هناك أمثلة أخرى كثيرة لأفكار وسلوكيات دمًرت حياة الماضي، وستدمٌر حياة المستقبل إن لم تتغيًر إلى الأصحُ والأفضل والأنبل.

مناسبات توديع سنة واستقبال سنة جديدة يجب أن تنشغل بالحديث عن التغيير المطلوب في الفكر والسلوكيات، وليس بجرد أحداث السنة التي انتهت والثرثرة عن التمنيات التي نرجو أن تأتي بها السنة الجديدة.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4871 - الخميس 07 يناير 2016م الموافق 27 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً