العدد 4880 - السبت 16 يناير 2016م الموافق 06 ربيع الثاني 1437هـ

بولندا طفل أوروبا المدلل ينحرف عن الديمقراطية

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

متابعة تسلسل الأحداث في المشهد السياسي الأوروبي بدءاً من قضية توافد اللاجئين السوريين واعتداءات باريس وصولاً إلى استصدار قرارات برلمانية في بولندا تخضع المؤسسات الإعلامية لمراقبة الحزب الحاكم تشير إلى تفاقم المشهد الأوروبي بملفات ضخمة تهدد مستقبله وتثير قلق المراقبين وخاصة مع ارتفاع أصوات ترى في المؤسسات الديمقراطية الليبرالية وقيمها تهديداً لها.

ولو نظرنا إلى بولندا هذا البلد الذي عارض بشدة موضوع اللاجئين وتواجدهم على أراضيه هو ذاته البلد الذي قادت غطرسته إلى الانحراف عن بوصلة الديمقراطية وذلك بعد أن أصدر جملة قرارات لمراقبة الإعلام ومؤسساته، وهو تحول خطير لبلد من المفترض انه عضو في الاتحاد الأوروبي. إن مثل هذا القانون، أي قانون الإعلام الجديد، يشكل بالفعل تهديداً لحرية التعبير داخل بولندا ويتناقض مع مبادئ الاتحاد الأوروبي التي تدعو إلى احترام حرية التعبير والإعلام الحر وحقوق الإنسان.

وعلى إثر هذا القرار خرجت مظاهرات في 4 يناير/ كانون الثاني 2016 لعشرين ألف متظاهر في العاصمة البولندية (وارسو) إضافة إلى مناطق أخرى، وذلك احتجاجاً على النزعة الشمولية للحزب المحافظ الحاكم الذي أصدر هذا القانون الجديد. المتظاهرون حصلوا على دعم المفوضية الأوروبية التي انتقدت نهج الحكومة الجديد. هذا وقدم مدراء قنوات تلفزيونية وإذاعية استقالتهم للتعبير عن عدم رضاهم عن سياسة الحكومة. أما المعارضة فتعتبر هذه القرارات التي صوت لها البرلمان، خطيرة على مستقبل الديمقراطية في البلاد التي كانت أول من انتصر على النهج الشمولي في ثمانينيات القرن الماضي، وأثبتت بولندا آنذاك أن بإمكان الدول الرازحة تحت استبداد سياسي واقتصاد مخطط بصورة مركزية أن يتحول بنجاح إلى اقتصاد السوق المدعوم بالديمقراطية وحقوق الإنسان. ومن ثم انضمت بولندا لاحقاً إلى الاتحاد الأوروبي لتؤكد عضويتها في مجموعة تقوم على مبادئ الحرية في التعبير واحترام التعددية وإطلاق المساحات الواسعة للإعلام بعيداً عن سيطرة الأجهزة الحاكمة.

يبدو أن القانون البولندي كان مؤلماً ومؤثراً، بحسب ما جاء من ردود الفعل الأوروبية والأميركية، ولعل أكثرها انتقاداً ما كتبته صحيفة «نيويورك تايمز» إذ وصفت بولندا بالطفل المدلل منذ فترة طويلة بين دول أوروبا الشرقية التي خرجت عن قبضة الكرملين الخانقة بينما هي اليوم جاءت لتتبنى إجراءات ديكتاتورية خاصة بها. ورأت الصحيفة بأنه ومع ذلك ينبغي أن يكون واضحًا للحكومة البولندية أن تراجعها عن القيم الأساسية للديمقراطية الليبرالية حماقة تستحق اللوم عليها.

ومنذ فوزه في الانتخابات القومية أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2015، قام حزب العدالة والقانون -المعادي للاتحاد الأوروبي- بقيادة رئيس الوزراء السابق ياروسلاف كاتشينسكي بالانتقال سريعًا إلى أجندة أعماله المحافظة؛ إذ قام بتعبئة المحكمة العليا بقضاة تابعين له، وقام بالحدّ من قدرة المحكمة على منع التشريعات وفرض مزيد من سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام المملوكة للدولة.

هذا الانحراف في أسلوب وعمل الحكومة البولندية يمثل اعتداءً يمينياً على الإعلام وعلى القضاء في بلد أوروبي كان من المفترض أن يلعب دوراً في إصلاح الأوضاع العالمي، لا أن يأخذ خطوة رجعية إلى الوراء.

من المقرر أن تقوم المفوضية الأوروبية بدراسة العقوبات المحتمل فرضها على بولندا، ولكنها على الأرجح لن تتخذ أي إجراء بسبب الحكومات الأخرى المتعاطفة مع بولندا والتي لن تقوم بالتصويت ضدها داخل منظومة الاتحاد الأوروبي، وأيضًا لأنه قد يؤدي لتعميق العداء بين وارسو والاتحاد الأوروبي.

هذا التغير المفاجئ من ناحية اليمين يحاكي سياسات صديق كاتشينسكي، رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، وهو ما أدى إلى تذمر أعضاء الاتحاد الأوروبي من طريقة الدول التابعة للاتحاد السوفيتي سابقًا لدخول الاتحاد والاستفادة من كرمه ثم الانقلاب على مبادئه الأساسية. هذا التغير البولندي قد أدى لمزيد من الإحباط لأن حزب العدالة والقانون قد أحدث بالفعل صدعًا في البنيان السياسي الأوروبي.

إن سياسات بولندا الحالية عكست الصعوبات الجمة التي تواجهها دول أوروبا الشرقية لاستيعاب اقتصاديات السوق الحرة والحريات الاجتماعية والسياسية للمجتمعات الغربية، وهذه التحديات قد تفاقمت بسبب شعور دول أوروبا الشرقية أنها أقل تقدمًا وأقل في مستوى المعيشة من جيرانها الغربيين.

الأوروبيون يشعرون بالتهديد على مستوياتهم المعيشية وعلى تغييرات ديموغرافية بسبب تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين مع ضعف الدورة الاقتصادية، بالتالي فإن بعض الأحزاب اليمينية تلعب دوراً رجعياً قد يؤثر مستقبلاً على دور الاتحاد الأوروبي في العالم.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 4880 - السبت 16 يناير 2016م الموافق 06 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:45 ص

      النفط واليمين المتطرف والارهاب

      جميعها تنصب في اتجاه واحد....العالم يتغير يا عزيزتي ريم

    • زائر 2 | 1:40 ص

      مقال ملء بالمعلومات

      شكرا

    • زائر 1 | 1:40 ص

      بولندا والخليج لم يعود أطفالا مدللين للغرب

      نعم كل من بولندا والخليج يسيران نحو الهاوية

اقرأ ايضاً