العدد 4886 - الجمعة 22 يناير 2016م الموافق 12 ربيع الثاني 1437هـ

فطرة الأطفال: المحبة

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

قبل أيام وفي خضم زحمة امتحانات نهاية الفصل الدراسي قررتُ اصطحاب طفليّ إلى الممشى القريب من المنزل، لتغيير جو الدراسة، وما إن وصلنا حتى اتجه ابني إلى الملعب للعب كرة القدم وحيداً، وبينما نحن نمشي أنا وأخته، التفتُ إلى الملعب فوجدتُ أن هنالك ثلاثة أطفال قد انضموا للعب معه، وكأنهم يعرفون بعضهم منذ زمن طويل؛ إذ كنت أسمع ضحكاتهم ومزحهم واتفاقاتهم وخططهم.

بعد الذهاب سألتُ طفلي إن كان يعرف أحداً منهم؛ لكنه أجاب بالنفي، وقال لي إن أحد الأطفال تقدم إليه مباشرة ما إن وصلنا، وطلب منه مشاركته اللعب ثم جاء طفلان آخران، وقد استمتعوا بوقتهم ولعبوا معاً فريقين متحابين، واتفقوا على أن يلتقوا ببعضهم كل نهاية أسبوع في فترة الإجازة.

لعب الأطفال معاً وابتهجوا واتفقوا على المجيء في الأيام القادمة، وهم لا يعرفون حتى أسماء بعضهم أو جنسياتهم أو مذاهبهم، واكتفوا بمعرفة أسماء بعضهم بعد أن قرروا اللعب معاً؛ كي يكون تعاملهم مع بعضهم أسهل.

ابتسمتُ ابتسامة رضا، وأنا أسمع وأرى ما حدث، وتمنيتُ لو أن بإمكاننا جميعاً أن نتعامل مع بعضنا بفطرتنا البشرية التي وهبها لنا الله، الفطرة القائمة على المحبة والحاجة إلى التعارف ومشاركة الآخرين أوقاتنا وما نحب، الفطرة التي عاش عليها أباؤنا وأجدادنا، فعاشوا متحابين فاتحين بيوتهم لبعضهم بعضاً حتى كادوا أن ينسوا أن للبيوت أبواباً أو للأبواب أقفالاً.

تمنيت لو أننا نترك على الأقل أطفالنا بفطرتهم، وألا نبث في قلوبهم البريئة ما نعانيه من عقد وطائفية وأيديولوجيا، أن نجعلهم يعيشون حياتهم من غير اصطفافات إلا للحق والمحبة والإنسان، فلا يكرهون هذا لدينه أو يشتمون ذاك لمذهبه أو يوزعون صكون الجنة والنار على من حولهم باعتبارهم الأنقى والأفضل والأكثر علماً.

ما جعلني أتمنى هذا هو ما سمعته من أحد أطفال الحي ذات مرة وهو يلعب مع طفليّ، ويقول لهما إنه لن يخبر أباه بأنه لعب مع طفلين من الطائفة الثانية خشية أن يعاقبه؛ فقد قال له مراراً إن كل أبناء هذه الطائفة لا يخافون الله ومن الممكن أن يؤذوا أي أحد كي يحصلوا على ما يريدون!

نربي أطفالنا على هذه الكراهية وهذا الخوف من الآخر، ثم نتساءل من أين جاءت كل هذه العدوانية لهم، وكيف عمّ الظلام والدمار قلوب وضمائر الناس، ومن أين جاءت كل هذه الطائفية ومن الذي يتبنى تخريج الجماعات الإرهابية.

شتان بين الموقفين، وشتان بين تربية أبطال هذين الموقفين أيضاً، فالأول زرع بداخل طفله محبة الآخرين وعدم الخوف منهم، بينما أراد الآخر أن يقتل كل نبتٍ مثمرٍ في قلب طفله ويزرع مكانه السم كي يغير طبيعته المحبة للآخرين.

أما آن لنا أن ننتبه اليوم إلى هذه الأمور ونسعى لزرع المحبة لا الكره في نفوس أطفالنا؟

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4886 - الجمعة 22 يناير 2016م الموافق 12 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 11:46 ص

      نعم

      علينا كمربين نعزز الإخوة والمحبة لا يهم دينك او عقيدتك ما يهم إنسانيتك

    • زائر 3 | 2:04 ص

      أتمنى من الكاتبة أن توجه خطابها لمنابر الطائفتين بعدم تشويه صور الآخرين و تخوينهم و وصمهم بصفات لا تليق.

    • زائر 4 زائر 3 | 3:15 ص

      تسلمين

      تسلمين على المقال الرائع جعل الله في ميزان حسناتش

    • زائر 2 | 11:53 م

      هدهد

      بالحب خلق الوجود وبالحب عرف العابد والمعبود

    • زائر 1 | 9:53 م

      إنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه!

      سيكون العالم جنة غناء لو تحلى الكبار بفطرة المحبة التي يتمتع بها الصغار.
      فيا ربي من أجل الطفولة وحدها * أفض بركات الأرض شرقا ومغربا
      وصُن ضحكة الأطفال يا ربي إنها * إذا غردت في ظامئ الرمل، أعشبا.

اقرأ ايضاً