العدد 4892 - الخميس 28 يناير 2016م الموافق 18 ربيع الثاني 1437هـ

من «عصر المعرفة» إلى «عصر الذكاء»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

امتد العصر الزراعي Agricultural Age آلاف السنين حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، إذ كانت الحضارات قائمة على الزراعة، وكان الفلاح محور العملية الإنتاجية.

وفي منتصف القرن الثامن عشر (نحو 1750) بدأ عصر جديد، وهو العصر الصناعي Industrial Age، وذلك بعد اختراع الآلة البخارية، والتي أسست للاختراعات الكبرى مثل القطارات، والكهرباء والسيارة.

العصر الصناعي استبدل الحقل/المزرعة بالمصنع، واستبدل صاحب الأرض (الإقطاعي)، بصاحب المال (الرأسمالي)، واستبدل الفلاحين farmers بعمّال المصانع industrial workers، واستمر هذا العصر نحو 200 عام حتى نهاية الخمسينات من القرن العشرين.

في النصف الثاني من القرن العشرين، بدأ العصر المعلوماتي Information Age، أو العصر المعرفي Knowledge Age، وذلك بعد أن استلمت أجهزة الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات قيادة العملية الإقتصادية، وانتقل مركز الثقل من المصنع إلى الأجهزة الرقمية والبرمجة والانظمة المعلوماتية.

وفي هذا العصر، فقد استبدل «عمّال المعرفة» knowledge workers المكانة التي كان يحتلها عمّال المصانع. مصطلح «عمّال المعرفة» ابتكره الأب الروحي لعلم الإدارة بيتر دراكر Peter Drucker، الذي توفي في العام 2005، وذلك لأن المعلومات Information ليست لها قيمة مضافة إلا إذا تحولت إلى معرفة knowledge.

وعلى أساس ذلك، فإن عصر المعلومات سمى أيضاً بالعصر «المعرفي» للاستدلال على أهمية تحويل المعلومات إلى معرفة.

ولقد أكد ذلك دراكر في مقال له نشر في العام 1994، قال فيه إن القرن الحادي والعشرين سيشهد استمرار التحولات الاجتماعية والاقتصادية، المصحوبة باضطرابات سياسية، على الأقل في العقود الأولى من القرن.

ودعا دراكر إلى إعادة التفكير في مضامين مناهج التعليم، وفي الغرض منها وفي قيمها لتحديد نوعية وإنتاجية المعرفة، ومستوى القدرة لأداء كل فرد في مجتمع المعرفة.

وأكد دراكر على أن هذه التحديات ستحتاج إلى الإبداع وإلى الابتكارات في مختلف مجالات الحياة.

على أن التدفق المعلوماتي تسبب في إرهاق وإجهاد لعمّال المعرفة، بسبب ما يسمى بـ «الحمل الزائد للمعلومات» information overload.

وعليه، فقد أصبح الإبداع، والتفكير الإبداعي، العامل الأكثر حسماً لفاعلية التحوّل الرقمي digital transformation. باحثون معاصرون يؤكدون أننا تخطينا في السنوات الأخيرة أجهزة الحاسوب، وأصبحنا في عصر رقمي Digital Age يعتمد على الأجهزة الذكية، كالهواتف الذكية Smart Phones، ونتجه نحو «إنترنت الأشياء» Internet-of-Things، والطباعة ثلاثية الأبعاد 3D Printing، ما يعني أن وتيرة الابتكارات والتطبيقات الذكية، وزيادة استخدامات مواقع التواصل الاجتماعي، جميعها تلعب دوراً «ذكياً» في تحريك العالم من حولنا بصورة مختلفة.

في العام 2006 زار رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) كلاوس شواب، البحرين وتحدث حينها في لقاء عن أن «العالم تمّت غوغلته»، وذلك في إشارة إلى المركز المحوري الذي احتله محرك البحث عن المعلومات (غوغل) على الإنترنت في حياتنا اليومية.

ولكن العالم لم يتوقف عند الغوغلة Googlization، فمؤخراً برزت ظاهرة «الأوبرة» Uberification، وهو مصطلح تم اشتقاقه من اسم شركة «أوبر» Uber، التي تأسست العام 2009 في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، وبدأ أنموذجها في «إدارة الشركات عبر الهواتف الذكية» ينتشر في عالم المال والأعمال بسرعة.

ومؤخراً، اعتبر شواب، في مقال نشره قبيل الاجتماع السنوي في دافوس في الفترة من 20 حتى 23 يناير/ كانون الثاني 2016، ان العالم شهد تشكيل «الثورة الصناعية الرابعة» في مطلع القرن الحادي والعشرين، عبر ابتكار تقنيات ذكية، وأساليب جديدة دمجت العوالم المادية والرقمية والبيولوجية بطرق من شأنها أن تحدث تحولاً جذرياً للبشرية.

هذا التحول سيكون إيجابياً اعتماداً على كيفية التعامل مع المخاطر والفرص التي تنشأ على طول الطريق، وكيفية تمكين الأفراد والمجتمعات لخلق فرص جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والشخصية.

هذا النهج أكد عليه المفكر توني بوزان Tony Buzan في مقابلة أجريتها معه (نشرت في صحيفة «الوسط» في 21 يناير/ كانون الثاني 2016) أثناء زيارته البحرين، إذ قال إن العصر المعرفي أصبح منهكاً بسبب ما أسماه بـ «تسونامي المعلومات»، وإن الإنسانية تحتاج إلى تعزيز ثقافة الإبداع والابتكار.

وقال بوزان إن البشرية تخطّت «عصر المعرفة»، وإننا الآن نعيش في «عصر الذكاء» Intelligence Age، وهذا العصر يحتاج إلى «عمّال الذكاء» intelligence workers، معتبراً أن الإبداع والابتكار يتفرعان عن الذكاء.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 4892 - الخميس 28 يناير 2016م الموافق 18 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 8:45 ص

      من يفهم يا دكتور، أنا هالكلام أقوله لطلبة الثانوية ضمن برنامج إنجاز البحرين، لعل وعسى ينظرون للمستقبل برؤية تختلف عن اللي في راس مدرسينهم

    • زائر 3 زائر 2 | 3:06 ص

      مقال جميل يادكتور ،،، ولكن لو عززت الركن الاهم من المقال وهو ركن الخاتمة والتوصيات لكان افود وأجمل فكثير من الكتاب والخطباء يسردون المعلومات وينسون اهم ركن في المقال وهو التوصيات وتبرز في التوصيات نفس و لمسات الكاتب الخاصه، حيث يبدي رأيه ونصائحة وماذا علينا ان نفعله مثل ان يحث الكاتب على تطوير أنظمة التعليم وأنظمة الادارة في القطاعين العام والخاص لتتناسب وعصر الذكاء. وشكراً على المقال الرائع

اقرأ ايضاً