العدد 4895 - الأحد 31 يناير 2016م الموافق 21 ربيع الثاني 1437هـ

في الإنفاق تطوعاً

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

«إذا انتظرت أن تفعل كل شيء لكل الناس بدلاً من بعض الشيء لبعض الناس، فإنك لن تفعل شيئاً البتة».

كانت هذه هي عبارة ساقها معد أحد الأفلام الدعائية في نهاية فيلمه الذي صُوّر في مدينة نيويورك في شتاء بارد، حيث يظهر في الفيديو الناس وهم يمرون مسلحين بملابسهم الشتوية الثقيلة، فيما كان يجلس على الرصيف صبي صغير يكاد يتجمد من البرد، لا يستر جسمه إلا قميص بالٍ، وكيس بلاستيك أراد أن يجعله واقياً عن برد قارس، يقضي الطفل ساعتين من المعاناة في شارع مزدحم بالمارة، من دون أن ينظر إليه العابرون تارة، أو أنهم يرمقونه بنظرة لا مبالاة ويواصلون سيرهم وكأنهم لم يروا شيئاً. وبعد الساعتين يمر من أمامه عابر سبيل يبدو من خلال هندامه أنه مشرَّد أيضاً، يخلع سترته ويلبسها الصبي ويسأله عن أسباب وجوده على الرصيف، ثم يمضي.

هكذا لا يشعر بالطفل إلا مشرد مثله، ولا يعينه إلا من لم يجد لنفسه معيناً في زمن اتصف بالأنانية.

حين تسافر إلى أية دولة، تكون عيناً راصدة لكل ما حولك، وفي بعض الشوارع الحيوية تستوقفك مناظر المشردين والمتسولين، بعضهم يتسوّل بالطريقة الاعتيادية، فيما يذهب بعضهم إلى ابتكار وسائل مختلفة كبيع الورود والمياه والمحارم الورقية أو العزف على إحدى الآلات الموسيقية أو رسم الوجوه، وهي طرق مشروعة لكسب الرزق والعيش، تجعلك تشعر بالرغبة في مساعدتهم والاستفادة مما يقدّمون.

يذهب الأطفال إلى ما هو أكثر من مجرد النظر، وأكثر من مجرد الرغبة في مساعدة هؤلاء، فتجدهم يحاولون جاهدين اقناع أهاليهم بمساعدة أي متسول، والشراء من أي بائع جائل يصادفونه وخصوصاً أولئك الذين تبدو منهم عاهة ما.

لكن بعضهم يملك حساً آخر، إذ قرأت ذات مقال عن طفل كان كلما وجد متسولاً ورغب في مساعدته يضع في محفظة لا يستخدمها دولاراً، وحين سأله أبواه عن سبب فعله أجابهما أن فقراء بلاده أولى بما يملك من مال، وبالفعل انتهت رحلة الطفل وقد جمع 37 دولاراً تبرع بها لطفلة في حيّه كانت يتيمة الأبوين، وتبيع المحارم الورقية لتعيش وجدتها من غير الحاجة للتسول.

ربما نحتاج تعليم أطفالنا الإنفاق والتبرع، لكننا بحاجة لتعليمهم الرفق بالأقربين قبل غيرهم، وبحاجة لتعليمهم الإيثار كي نزرع في قلوبهم حب غيرهم.

ومثلما نحن بحاجة لتعليم الأطفال هذا، فإننا بحاجة للحديث عما تفعله بعض الحكومات أيضاً؛ فلو أن الحكومات العربية تقوم بمساعدة فقراء بلادها قبل غيرهم، لما وجدنا فقراء في هذه الدول، التبرع والإنفاق لا يعرف عرقاً أو ديناً، لكن من المهم أن يكون مدروساً وأن يحاول كل منا أن يكفي أقرباءه حاجاتهم قبل غيرهم.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4895 - الأحد 31 يناير 2016م الموافق 21 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً