العدد 49 - الخميس 24 أكتوبر 2002م الموافق 17 شعبان 1423هـ

زمزم كولا ومكة كولا ينتصران بقوة «بهمن» في حرب الكولا

حين تقول زِينْ ذات العامين: «مُو زِينْ»

في منتصف السبعينات راجت إشاعة كنا نسمعها ابان الابتدائية أن «الكراش» مسرطن وتبعتها اشاعة أخرى ان «الكندادراي» يهددك بالتهديد ذاته! وسرعان ما امتنع مقصف مدرستنا (عبدالرحمن الداخل الابتدائية للبنين) عن امدادنا بالمرطبات حمراء اللون لنتحول إلى بيبسي كولا!

وفي أواخر السبعينات كانت صورة «الميرندا» التي تحملها فتاة شقراء على صفحات مجلة الدوحة المصقولة تستفز فيك من دون وعي ان تمتد يدك إلى أي من منتجات الكولا بمختلف ألوانها!

ومنذ ذلك بدأ وعينا الصحي يتشكل تجاه المرطبات الغازية لنكتشف لاحقا أن الامر لا يرتبط بالوعي الصحي فحسب بل يسبق ذلك وعي وطني.

«زين» ابنة زميلنا غسان الشهابي ذات العامين لم يتشكل عندها ذلك الوعي حين امدها ابوها بقنينة «زمزم كولا» بدلا من بيبسي كولا لترتسم على محياها الملائكي امارت الامتعاض، ولتقول زين: «زمزم ! ...موزين»... زين لا تعرف إسرائيل وحتما لم تسمع بحرب الكولا ولا المقاطعة!

لكن زين بحسّها الطفولي البريء تؤكد ما قاله الوكيل المحلي لـ «بارسي كولا» أن طعم «البيبسي» بالتأكيد أمتع من البارسي!

هل القضية مرتبطة بالجودة فحسب؟ منذ كانت تجلب زجاجات الـ (مشن) البرتقالي في الصناديق الخشبية الخضراء ومرورا بعشرات المرطبات الجديدة التي حاولت منافسة البيبسي كولا من خليج كولا إلى جلف كولا مرورا ببقية عائلة الكولا وأقربائها ومن يمت لها بنسب، بقيت البيبسي أو لعلها الكولا سيدة الموقف في سوق المرطبات الشعبية، اندمجت في الوعي الجمعي للناس بحيث باتت كل المرطبات تختزل في البيبسي كولا.

لكن في اللحظة التي انطلقت فيها الرصاصة الإسرائيلية على محمد الدرة حين كان يحتمي بأحضان أبيه بدأت الكولا في خسارة مواقعها، إذ بدأ وعي الجماهير الاستهلاكي يتشكل من جديد وبدأت حمى المقاطعة.

ولم تكن حوادث البحرين في منتصف التسعينات بعيدة عن زحزحة البيبسي عن عرشها غير ان الانتفاضة الثانية تنبئ بخلعها الى الابد.

على صعيد المقاطعة لم يستطع المدخنون إحلال بديل عن «المارلبورو» بسهولة، فمصيدة التدخين لا تترك لك اذا بحثت عن جودة النكهة وسلاسة الطعم إلا ان تحيل متعتك على السجائر الانجليزية بديلا عن الأميركية فصعد نجم مبيعات «الدنهيل»، وللناس الاشد بأسا وأقوى صدرا راجت سجائر اليابان «الهاي لايت» اما جبابرة التدخين فاختاروا سجائر «بهمن» الايراني!

وعلى رغم دخول بهمن السوق المحلي وعلى رغم قوة بهمن فإن بهمن خسر في حساب الجودة وخسر السوق، لكن في مجال المرطبات الغازية بقت الكولا من دون منازع حتى جاء زمان زمزم كولا.

فكرة ايرانية بامتياز وتنفيذ ايراني محترف استثمر المقاطعة ايجابيا لينزل البيسبي كولا عن عرشها.

وكالات الانباء أنبأتنا أن ايران تصدر نحو 10 ملايين عبوة من زمزم كولا إلى دول الخليج خلال الأربعة شهور الاخيرة وهذا النجاح دفع رجل اعمال فرنسي مسلم الى استحداث مكة كولا مطلع الشهر الجاري وتخصيص 10 في المئة من عائداته لفلسطين.

زمزم كولا بيع منه 4 ملايين خلال أول أسبوع من طرحه في السعودية ووصل إلى البحرين، الكويت، قطر، الامارات، باكستان، ماليزيا، اندونيسيا، افغانستان، وسيفتتح مصنعين لتعبئة زمزم كولا في السعودية وآخر في مصر فزمزم يربح السوق والمستهلكين.

وعلى الصعيد المحلي نجد «زمزم كولا» و«بارسي كولا» تواجهان عددا من المعوقات، لا مشكلة فيهما غير أن حرب الكولا اشتدت بحسب تجار المرطبات لتُسارع البيبسي كولا حماية لعرشها إلى توزيع صناديق مجانية على دكاكين التجزئة والبقالات وتقديم عروض «ثلاثة في واحد».

مطلع الثمانينات ارتفعت البيبسي كولا من 25 فلسا إلى 50 فلسا لتضج الناس ومطلع التسعينات ارتفعت إلى 75 فلسا ومنها إلى مئة فلس ليبدأ حديث المقاطعة الجماهيرية احتجاجا على الارتفاع في سعر الكولا، ذلك السيناريو كان قبل الانتفاضة وقبل المقاطعة الوطنية ولم تكن وكالة الكولا تكترث فقد كانت ديمة المطر تذهب انى شاءت لتمطر في رصيد الكولا لكن الآن اختلف الوضع فزمزم كولا تصارع بقوة بهمن في السوق على رغم انخفاض الجودة، والآن لم تعد مسألة زيادة بعض فلسات تؤرق جمهور الكولا فالقضية تحولت الى وطن.

وكلاء زمزم وبارسي خسروا - بحسب تصريحات لـ «الوسط» في استثماراتهم - فحين تقدم لك البيبسي عبواتها الى بائعي التجزئة تقدمه منتجا تجاريا مستكملا بثلاجات العرض المبردة الامر الذي لا يتوافر لزمزم او بارسي، في الوقت ذاته الذي تقدم مشروبها في خيارات القنينة الزجاجية او البلاستيكية أو الألمنيوم، في حين تخسر زمزم في هذا الشأن.

على رغم ذلك يعي الجمهور ان التضحية من اجل واجب وطني أقلّه القبول بطعم زمزم مقابل الكولا.

ومتى استكملت زمزم كولا ادواتها التسويقية سيعرف ابوحسين بائع (الباشة) إذ أنعى عليه تقديم البيبسي كولا من دون توفير زمزم كولا على رغم دفاعه عن مكسبه الذي لا يتجاوز 25 فلسا في مشروب الأميركان، سيعلم أن الفلسات العشرة التي يكسبها من زمزم لن تكون مشبوهة أو على الاقل لن تقلق رقاده حين يعود الى مرقده في نهاية يوم عمله منهك القوى.

ابوحسين لا يعرف ان رئيس المجلس القومي حول العلاقات الأميركية العربية جون ديوك انطوني قال ان السياسة الأميركية تغفل الضرر الذي يحصل لصورة البضائع الأميركية في عيون المستهلكين. وان الاميركان «يفشلون في الأخذ بعين الاعتبار الأثر بعيد المدى الذي سيحدثه ذلك على الأطفال الذين سيشترون بضائع في المستقبل، متى تعلموا في المدارس أن الإقبال على البضائع الأميركية أمر خاطئ».

ولا يعلم ابوحسين بائع الباشة أن الشيخ يوسف القرضاوي نزل بثقله الديني لدعم زمزم كولا حين قال آن الأوان لأمتنا الإسلامية أن تقول: «لا، لأميركا». ولبضائعها التي غزت أسواقنا، حتى أصبحنا نأكل ونشرب ونلبس ونركب ما تصنع أميركا. فكل من اشترى البضائع الإسرائيلية والأمريكية من المسلمين، فقد ارتكب حراما، واقترف إثما مبينا، وباء بالوزر.

ابنة زميلنا غسان لا تعرف حتما ان دخل الكولا من العالم العربي يصب في جيوب الاميركان ملايين الدولارات كل عام. غير انها متى غدت في ميعة صباها ستعرف أن زمزم كولا ستكسب في وعيها مساحة تجعلها ترسم على شفتيها ابتسامة ملائكية وهي ترتشف مكة كولا، وما ادارنا لعل القدس كولا تكون قد طرحت في الاسواق حين تشب زين عن الطوق، ابتسامة بحجم طموحات الامة في العزة والكرامة

العدد 49 - الخميس 24 أكتوبر 2002م الموافق 17 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً