العدد 4907 - الجمعة 12 فبراير 2016م الموافق 04 جمادى الأولى 1437هـ

أزمة حقوقية أم ادعاءات مغرضة

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

في العام 1996 أصدرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان (HRW) أول تقرير شامل لها عن أوضاع حقوق الإنسان، إثر زيارة لوفد من «هيومن رايتس ووتش»، والذي التقى حينها قيادات من المعارضة والمشرفين على العريضة الشعبية، اضافة الى محامين وضحايا، وحمل التقرير (المكون من أكثر من 100 صفحة) عنوان «انتهاكات روتينية، نفي روتيني»، (Routine Abuses, Routine Denials)، وذلك بعد أن ردّت حكومة البحرين بالنفي الشامل لما ورد في مسودة التقرير الذي أرسل إليها للتعليق.

واليوم وبعد عشرين عاماً وتبدل العهود والأزمان ومشاريع الإصلاح، فإن السياسة الرسمية تجاه أية تقارير أو مواقف أو تصريحات أو مناقشات حول انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين هو «النفي التام»، وأي دعوات للتحقيق في وقائع انتهاكات محددة تقابل بالتجاهل، وأية مطالبة بتنفيذ توصيات تقابل بالقول إننا نفذنا هذه التوصيات، بل وتجاوزناها.

المرة الوحيدة التي تم فيها تشكيل لجنة تحقيق مستقلة ونتج عنها توصيات محددة ووافقت عليها الحكومة، هي تلك التي أمر جلالة الملك بتشكيلها إثر أحداث 14 فبراير/ شباط 2011، وهي اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة البروفيسور شريف بسيوني وعضوية شخصيات حقوقية عالمية بارزة. وحتى في هذه المرة، فقد تعرض تقرير اللجنة وتوصياتها والذي ألقاه شريف بسيوني في احتفال مهيب في (26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011) للتشكيك من بعض الأوساط. أما التعهد بتنفيذ استنتاجها وتوصياتها ذهب أدراج الرياح، وما تمَّ تنفيذه شكلي غير جوهري على حد تصريح رئيسها البروفيسور شريف بسيوني في مؤتمر العلاقات العربية الأميركية في الدوحة في ربيع 2014 وكذلك؛ في كلمة البروفيسور نايجل رودلي عضو اللجنة في جلسة مقر الأمم المتحدة بجنيف.

ينطبق الأمر ذاته في التعاطي مع تصريحات المفوضين السامين لحقوق الانسان للأمم المتحدة ومنهم السيدة ماري روبنسون والقاضية نافي بيلاي، والأمير زيد، إذ قوبل تصريحه بضرورة تشكيل لجنة تحقيق مستقلة حول أحداث سجن جو في مارس/ آذار 2015 بالازدراء. كما ينطبق الأمر على تقارير المقررين الخاصين ورؤساء اللجان التخصصية بدءاً بنايجل رودلي الذي كان المقرر الخاص عن التعذيب في الامم المتحدة في 1996، والقاضي جوانيه حول الاعتقال التعسفي في 1997، وكذلك الأمر بما تتوصل اليه اللجان المختصة بالاتفاقيات التعاقدية، مثل لجنة مناهضة التمييز العنصري، ولجنة مناهضة التمييز ضد المرأة، ولجنة حماية المدافعين عن حقوق الانسان المتعاونين مع الأمم المتحدة، والمقرر الخاص بشأن حرية الأديان والمعتقدات والمقرر الخاص حول التعذيب واخوان منديز الممنوع من دخول البحرين في 2013 والمقرر الخاص حول حرية التجمع، وغيرهم، وكلمات مندوبي الدول الصديقة في مجلس حقوق الإنسان المشتركة والتي انضمت اليها 47 دولة أو المنفردة، ومنهم حلفاء للبحرين مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا والمانيا، والرد عادة هو أن هذه ادعاءات لا تستند إلى الوقائع وأنها نتيجة معلومات مغلوطة، مستمدة من جهات مغرضة إلى آخر المعزوفة.

وبالنسبة إلى المنظمات والشخصيات الحقوقية البحرينية، فإنه يجرى التعريض بها وما تطرحه من تقارير موثقة بالقول «إنها تخدم أجندات أجنبية، وإنها تتبع جهات سياسية». بل لم يتورع البعض عن اتهام حقوقيين بحرينيين شرفاء بالعمالة والارتزاق من العمل الحقوقي، والبعض منهم يقبع في السجون وآخرون ينتظرون.

وإذا أتينا إلى منظمات حقوقية ودولية مثل «العفو الدولية» و«هيومن ايتس ووتش» و«الفيدرالية الدولية»، و«حقوق الإنسان أولاً» وغيرها، وهي التي تغطي دول العالم كلها بما فيها البلدان المنتمية إليها أيضاً، وتغطي بنشاطها ما يجري في فلسطين المحتلة وفي «إسرائيل»، وإيران فإنه يجري اتهامها بالتحيز واستهداف البحرين فقط دون سائر الدول، ولا أدري ما هو المنطق من وراء ذلك. هذا ما حدث في التعاطي مع التقرير السنوي لـ «هيومن رايتس ووتش» للعام 2015 الأخير والذي غطى أكثر من مائة بلد، فكيف يستهدف البحرين وحدها؟

هذه المنظمات وغيرها سبق السماح لها زيارة البحرين لاعتبارات عديدة ليس هذا محل تفصيلها، وبالتالي استمدت معلوماتها من وقائع الأرض، وكذلك من خلال تقارير الحقوقيين البحرينيين وتقارير الدول وتقارير الأمم المتحدة. وهذا ينطبق ايضاً على التقارير الحقوقية لدول صديقة مثل الولايات المتحدة والتي تقدم سنوياً تقريراً حول «أوضاع حقوق الإنسان» و«الحريات الدينية» و«الاتجار بالبشر» ويستند إلى رصد دقيق من قبل سفارات الولايات المتحدة والمنظمات والشخصيات الحقوقية وبالطبع الجهات الحكومية، والبحرين من الدول القليلة التي لا ترحب بأي من هذه التقارير، وغير مستعدة لمناقشتها علناً، وعادة ما ترد عليها بالنفي.

وإذا كان موقف الحكومة مفهوماً وإن كان غير مبرر، فالغريب هو موقف البرلمان بغرفتيه النواب والشورى والذي يتبارى في إصدار بيانات الاستنكار والرفض لمثل هذه التقارير ويتبارى أعضاوه في مهاجمة الجهة التي أصدرته، واستطراد مهاجمة المنظمات والشخصيات الحقوقية البحرينية التي تتهم بإمداد هؤلاء بالمعلومات المضللة، واتهامهم بالعمالة والخيانة الوطنية.

الغريب في الأمر أن وزارة الخارجية تستدعي بعض هؤلاء الحقوقيين «الخونة» للاجتماع بهم في اجتماع يضم الحابل والنابل قبيل كل دورة لمجلس حقوق الانسان، وهو ما تمَّ تأكيده للدوره القادمة، 31 للمجلس والمقررة في (مارس 2016)، حتى تعطي الانطباع في جنيف أنها شريكة للمجتمع المدني، ولا تخلو هذه الاجتماعات من توجيه الاتهامات إلى الحقوقيين تحت سمع وبصر مسئولي وزارة الخارجية.

باختصار شديد، هناك أزمة حقوق إنسان في البحرين، ولا حاجة إلى إثباتها؛ لأننا نعيشها يوميًّا، وشعب البحرين يدفع ضريبة باهظة لمطالبته بحقوقه المشروعة التي كفلها الدستور والمواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية. والكل يعرف أن أزمة حقوق الإنسان هي إفراز لأزمة سياسية ممتدة. القوى العقلانية في البحرين وكذلك أطراف دولية شملت الرئيس الأميركي باراك أوباما والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والمفوض السامي الأمير زيد، وغالبية الدول الديمقراطية من استراليا حتى كندا دعت حكومة البحرين للدخول في محادثات ذات مغزى تخرج البلاد من أزمتها وتعالج أزمة حقوق الانسان، وهذا من صالح البحرين.

ان الإصرار على موقف خاطئ لا يفيد، بل يراكم الخسائر ويصعّب الحل، والنفي المتكرر لا ينفي الواقع، والبحرين تتفاخر كونها جزءاً من المجتمع الدولي بإيجابية، وفي عالم معولم سِمته التوجه لصيانة حقوق الإنسان والديمقراطية، لا نريد لبلدنا العزلة والتخلف عن ركب البشرية، لم تفت الفرصة لتسوية تاريخية لصالح الجميع، ولتكن البداية مبادرة لحل الأزمة الحقوقية، كما حدث في 2001، فهل يعيد الزمن نفسه؟

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4907 - الجمعة 12 فبراير 2016م الموافق 04 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:52 م

      10 .. تحت......هل عذبهم الجنّ؟
      لدينا معاقين على كراسي متحرّكة بسبب الت... فهل الجنّ من قام بذلك؟
      ألا يخافون الله؟ هل يؤمنون هؤلاء بحساب وعقاب ووقوف بين يدي الله؟

    • زائر 1 | 11:50 م

      إننا عشنا ونعيش المأساة يوميا ومنذ ان كنّا صغارا وهذا حالنا ومن يحاول انكار واقع كواقعنا انما هو شخص يجعل مصداقيته بلا أدنى قيمة.
      لأن منكر الواضحات شخص اما مهزوز او مكابر او معاند وهؤلاء موجودون وهم اسباب مصائب الأمم حين تذكر بطانة السوء فهم أولها

اقرأ ايضاً