العدد 491 - الجمعة 09 يناير 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1424هـ

المنطلقات والمحاذير في لجان التحقيق البرلمانية

سلمان صالح تقي comments [at] alwasatnews.com

.

هل يعتبر نشر موجز تقرير لجنة التحقيق المكلفة بدراسة أوضاع هيئتي التأمينات والتقاعد صوابا انطلاقا من حق المواطن في المعرفة، أم خطأ استنادا إلى أنه في مراحله الأولى ولم تتم مناقشته من قبل النواب ولم تقم الحكومة بإبداء رأيها عما جاء فيه؟

هل يحق لرئيس اللجنة عرض (مختارات) من التقرير بشكل أدى الى (فهم خاطىء) جعل الكثيرين «يدينون» الحكومة قبل الاستماع لتوضيحاتها عما ورد في التقرير من انتقادات ترقى الى مرتبة «الاتهام» بالتدخل المباشر المتجاهل لمجلسي الإدارة (وللإدارة نفسها) بإعطاء توجيهات «خاطئة» أدت إلى «خسائر جسيمة»، عرضت الهيئتين لما يعانيانه حاليا من إحراج لا يوازيه إلا تصريحات سابقة للمسئولين فيهما عن اقتراب الهيئتين من الإفلاس الاكتواري، ما جعل الكثير من الكتاب والصحافيين يشنون هجومهم، وبالتالي ينضم إليهم الكثير من النواب في «البكاء والعويل» على حقوق المواطنين المتقاعدين (من كبار السن والأرامل والأيتام) ويطالبون بـ «رأس الجاني أو الجناة» الذين تسببوا في هذه «الخسارة الفادحة» بما وصفوه بأوصاف أقلها «سوء الإدارة وفشل التخطيط»!

لن نقع في الخطأ الذي وقع فيه من «احتضن» ما ورد في التقرير من اتهامات ثم راح يبني عليها مواقف مسبقة، فالتقرير الآن لا يعدو أن يكون مجرد «معلومات» تستحق كل التقدير لمن اجتهد مخلصا في جمعها لتصبح قابلة للنقاش في المجلس النيابي وتبادل الآراء بشأنها بحيث قد تصل إلى ما لمح إليه بعض أعضاء المجلس من استجواب وطرح ثقة، إلى جانب أنها أمور متشابكات يتضح الغامض منها حين تتولى الحكومة وضع النقاط فوق حروفها فتعرض ما لديها من آراء ومقترحات وخطوات اتخذتها وستتخذها لعلاج ما ورد في تقرير اللجنة، وأن يتم ذلك من خلال حوار ديمقراطي حضاري يلتزم المصارحة والمكاشفة، فتكون الرؤية بعده أكثر وضوحا بما يسمح بمناقشتها علنا على صفحات الصحف ووسائل الإعلام.

حديثنا هنا سينصب على ما أفرزته هذه التجربة، تجربة تشكيل لجان التحقيق البرلمانية وما ينتظر منها وطريقة تعاملها لما تتوصل إليه من نتائج وأسلوب عرضها ومناقشتها، فلدينا الآن أكثر من لجنة تتعاطى مع شئون مهمة ودقيقة تمس جوانب حساسة في أكثر من مرفق في وطننا العزيز الذي يتنفس الهواء النقي الذي حمله لنا المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، والذي آمن به واحتضنه أبناء هذا الشعب الوفي، والذي نرعاه جميعا ولا نرضى له أية انتكاسة أو تعثر لا سمح الله. ومن منطلق هذا الحرص نضع النقاط التي نراها مهمة لذوي الشأن من النواب أو من الحكومة عسى أن يثريها بالرأي من هم أقدر منا على ذلك:

1- الحرص على الوصول إلى تفاهم بين الحكومة والنواب فيما يتعلق بكون تلك اللجان انما تمثل شعب البحرين الذي اختار أولئك المشاركين فيها، ومن هنا يجب إتاحة كل الفرص الممكنة لحصولها على المعلومات الدقيقة والبيانات الصحيحة التي تطلبها لتخرج تقاريرها وافية شاملة تكسبها الصدقية والموضوعية عند طرحها للمداولة والنقاش، وبالتالي الاستفادة مما قد يطرح من آراء خلال تلك المناقشات

2- ألا يتسرع أعضاء تلك اللجان بطرح تقاريرها ونتائج أعمالها قبل أن تمر من خلال القنوات اللازمة لعرضها ومناقشتها وإبداء الرأي بشأنها. وهذه ليست دعوة للسرية أو فرصة «لكلفتة» ما يبرز من أخطاء وتجاوزات. كما أنها ليست بالتأكيد حرمانا للمواطن من حقه في معرفة ما يجري حوله، لكنها تقنين لسير تلك المعلومات سيرا طبيعيا بعيدا عن المزايدات والاصطدامات التي قد تؤدي إلى أزمات واحتقانات نحن في غنى عنها. ناهيك عن إمكان تعرضها لسوء الفهم والتأويل بما يؤدي إلى استنتاجات خاطئة تجر إلى آراء أكثر منها خطأ. والأدهى من ذلك والأمرّ أن تسعى الحكومة إلى طلب عقد «جلسة سرية» لتقارير تم نشرها علانية في الصحف فيحمل تصرفها هذا أكثر من استفهام قد يؤدي إلى تصديق جمهور كبير من القراء لما تم نشره في غياب اطلاعه على وجهة نظر الحكومة حوله!

3- ألا يقوم أعضاء تلك اللجان باستغلال وسائل الإعلام في إطلاق تصريحات تحمل معلومات ناقصة أو غير مؤكدة، ما يؤدي إلى اختلافهم واضطرارهم إلى تكذيب بعضهم بعضا وإضفاء صفات «عدم الدقة وسوء الفهم» على تلك التصريحات، فإن هذا مما يفقدهم الصدقية ويشكك في سلامة تقاريرهم.

4- ألا نعطي الانطباع بأن تلك اللجان تعمل ضمن غطاء سياسي، إذ إن للسياسة ألاعيبها وطرقها التي قد لا تتفق والمفهوم الاخلاقي في أحيان كثيرة، لعملها بالقول المكيافيلي إن الغاية تبرر الوسيلة! بل يجب أن يكون واضحا أن الهدف الذي تسعى إليه اللجان هو التعرف على مَواطن الخطأ للمشاركة في إيجاد الحلول و«ليس لتصيد الأخطاء سعيا وراء التشهير والاستجواب وطرح الثقة»! فهذا أقل ما يمكن القيام به في المرحلة الحالية التي نبدأ فيها أولى خطواتنا الديمقراطية.

إن الغطاء الذي يجب أن تستظل به لجان التحقيق هو «العمل البرلماني القانوني»، حتى تكتسب تلك اللجان الثقة في التعامل معها وتوفر الاطمئنان اللازم لمن سيقوم بتزويدها بما يلزمها من معلومات بصدق وأمانة من دون خوف من سوء استغلالها واستخدامها في غير الغرض الذي طلبت من أجله.

5- يبقى بعد ذلك الرجاء من إخواننا العاملين في الصحافة بأن يتناولوا ما يصل إليهم من معلومات بمنتهى الدقة، وألا يسارعوا إلى إطلاق الأحكام وإضفاء التهويل والمبالغة التي قد يكتشفون أن الصواب قد جانبها حين يتعرفون على الحقيقة كاملة بعد مناقشة وتداول ما حملته تقارير اللجان وخصوصا بعد توضيح الحكومة والمسئولين فيها، والاستماع لمختلف الآراء التي تعكس رأي الشعب من خلال ممثليه في المجلس النيابي. وبعد أن تنجلي الأمور سيكون الحكم عليها أصدق وتكون الرؤية لها أوضح، وبالتالي يكتسب الرأي احتراما لصدقيته وتقديرا لحياديته، وبالتالي أُذنا صاغية للاستجابة له فلا يقال عنه: «كلام جرايد»!

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "سلمان صالح تقي"

العدد 491 - الجمعة 09 يناير 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً