العدد 4919 - الأربعاء 24 فبراير 2016م الموافق 16 جمادى الأولى 1437هـ

الطبيب والمعلم وقرارات التقشف

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

الأخبار التي ترد في الصحافة، منذ إعلان الأزمة المالية في البحرين بشكل صريح، وإعلان مرحلة التقشف وتقليل المصروفات كثيرة، وتلك التي تخص وزارتي التربية والتعليم والصحة تأخذ منها نصيباً غير قليل.

حين الحديث عن هذين القطاعين اللذين يشكلان عصب أي مجتمع، لما لهما من أهمية كبرى في الحفاظ على أجساد وعقول أبناء المجتمع، فإننا ننتظر التكريم والتقدير لأربابهما من أطباء ومعلمين وللممرضين والمسعفين وجميع العاملين فيهما. لكننا في ظل الوضع الراهن لا نجد من هذا إلا الشيء النادر؛ إذ باتت الصحف ممتلئة بأخبار تشي ببخس حق العاملين في هذين القطاعين، وكأنهما الكبش الأول الذي يجب التضحية بمزاياه قبل غيره، ناسين ما لهم من دور كبير في تأسيس أي مجتمع متميز، غاضّين النظر عمن يتسلمون رواتب مرتفعة من الحكومة شهريَّاً من غير أن يقدموا إلى الشعب خدمة واحدة - ونحن هنا نعني كل من يظن أنه معني بهذا القول؛ لأنه يتحسس الخلل الذي يعتري ما يقدمه.

الطبيب الذي يجب أن يكرّم ويرفع عنه بعض ما يرهق عاتقه من مسئوليات ليعيش حياة عادية كغيره من موظفي الدولة من غير أن يتفقد هاتفه كل لحظة خشية أن تمر عليه حالة طارئة لم ينتبه لها فيتأخر على إنقاذها. الطبيب الذي لا يستطيع إعطاء أحد موعداً لما بعد أسبوع مثلاً؛ لأنه لا يملك وقته ولا يعرف ما تخبئه له قائمة العمل الإضافي وقائمة المناوبات ومتابعات الحالات وغرف الجراحة إن كان جراحاً. الطبيب الذي لم يعد يعرف الكثير عن الحياة الترفيهية والتسلية إلا في أيام الإجازات التي قد تقطع أيضاً في أية لحظة يحتاج إليه فيها مريض ويعاني مشفاه من نقص في الأطباء. الذي نطالبه في كل لحظة بأن يكون حاضراً، ويتصل به المرضى لمختلف الأمور حتى بعد أن يترك باب عمله ليكون متواجدا للناس طوال الوقت وكأنه رجل آلي يجب ألا يتعب أو ألا يكون له وقت خاص بعائلته فقط أو نفسه فقط من غير إزعاج من مرضى، ومع ذلك لا يتذمر ولا يكره وظيفته التي اختارها طواعية وهو على مسبق بكل هذا.

والمعلم الذي لا ينتهي دوره بانتهاء حصصه التي يقدم فيها عصارة علمه وفكره لتلاميذه، المعلم الذي يشقى ويتعب في وقت دوامه وما بعده؛ لأن عليه أن يقدم مادةً لا يملها التلميذ ولا يكرهها؛ لأنه لم يُجِدْ فهمها، يحضّر لدرس اليوم التالي ويصحّح واجبات واختبارات الدرس السابق، يسهر؛ لأنه يفكر في مشكلة سمعها عن أو من أحد تلاميذه وأراد حلها؛ لأن أحداً ما وثق به وسأله حلا فلا يريد ترحيله للمشرف أو المرشد في المدرسة، مقدراً الثقة التي منحها إياه هذا التلميذ أو ذاك. المعلم الذي يعمل ليكون قدوة لأبنائه، والذي يعرف المسئولية التي على عاتقه والأمانة التي بين يديه، فلا يكلّ ولا يتذمر بل يعطي بقلبٍ محبٍ وروحٍ لا تعرف إلا الإيثار.

هذان الموظفان اللذان لا يمكن اعتبارهما مجرد موظفين لما يقدمانه من مجهود مازالا يتفاجآن في كل يوم بقرارات جديدة بدءاً من زيادة النصاب عليهما، مروراً بتقليل مستحقات العمل الإضافي، وإلغاء بعض المزايا، وحرمانٍ من التدريب، وتأخير في الرواتب بسبب نقص الموازنة، ومصادرة للحقوق على رغم أنهما لا يتمتعان بكل ما يجب أن يقدم لهما أسوة بزملائهما في الدول الأخرى القريبة على سبيل المثال، إضافة إلى إيقاف التوظيف لفترة أو استقدام من ينافسهما في مجال عملهما من العرب أو الأجانب فيما هو ينتظر فرصة يثبت فيها أنه جدير بالثقة، وجدير بالعمل قبل غيره، لا لأنه ابن هذه الأرض فقط؛ بل لأنه يشقى ويتعب ليكون يوما ما موظفا متميزا يخدم وطنه بكل تفانٍ.

فهل تضبط الحكومة بوصلتها باتجاه من يجب أن تبقي على مزاياهم، ومن يجب أن تقلل من المصروفات التي تهدرها عليهم؟

فشتان بين من يعمل ومن ينتظر أن يأتي إليه التكليف جاهزًا فيخفق في إنجازه أو لا ينجزه كما ينبغي.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4919 - الأربعاء 24 فبراير 2016م الموافق 16 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 9:36 ص

      خلهم يتقشفون في مصاريف التحسين والجودة واللي مقعدين على كراسي في الوزاورات

    • زائر 13 | 8:55 ص

      أحلبوا حتى النمله

      شكراً لكم شكراً لكم شكراً لكم شكراً لكم شكراً شكراً لكم شكراً لكم شكراً لكم شكراً لكم شكراً لكم
      لن نستطيع أن نوفيكم حقكم انت كاتبة المقال وجريدة الوسط وكل الصحفيين والاعلاميين الذين يحملون على عاتقهم هموم الوطن والمواطنين . أظاهر هناك تعليمات واضحة لكل وزارة بالتقشف وتوفير في الميزانية ودائماً المتضرر هو القاعدة الاساس في عمل اي وزارة المعلمين والاطباء والدين يعملون بكد كأنهم النمل لايكلون ولايملون .ولأن الوزارتين دائماً ماتعودوا على ... منتسبيها فلذلك بدأوا في هذين القطاعين الخدميين المهمين.

    • زائر 12 | 4:52 ص

      صح لسانچ قليلون هم من ينصفون الأطباء والطبيبات وسوء المعاملة التي يتعرضون لها في بيئة العمل. شكرا على الإنصاف.

    • زائر 11 | 2:53 ص

      الطبيب في البحرين مهضوم الحق

      نعرف جميعا ما يعانيه الاطباء في البحرين فهم يتقاضون اجرا زهيدا مقارنة باشقائهم وزملائهم في الدول الاخرى ومع ذلك هم محسودون وتريد الوزارة تقليل حقوقهم ابتداء بالمناوبة وانتهاء بالعلاوات
      ولهذا دائما يبحث الطبيب عن بديل للوزارة الا يكفي ما نعانيه حتى نعاني اكثر؟

    • زائر 10 | 12:33 ص

      فاقد الشيء لا يعطيه

      فاقد الشيء لا يعطيه يا أيقونة الوسط، ومن يفتقد لحس المسؤولية في إدارة الوطن لن يقدر هذا الحس للآخرين، ولذا لا عجب ان يقتصر التقدير على القطاع الأمني والعسكري الذين لن يطالهما التقشف

    • زائر 9 | 12:31 ص

      شكرا من قلوبنا

      المقال يلامس الجراح فالاطباء المتدربين لا اصرف رواتبهم والممرضين مسخوقين والمعلمين بين مطرقة المدرسة وسندان الوزارة وان كان الطبيب والمعلم غير مرتاحين فكيف سنضمن استمرارهما في عملهما بتقس الروح ؟

    • زائر 8 | 12:24 ص

      بسبب غياب الخطة اﻻستراتجية أصبحنا نعيش في دائرة ضيقة حيث اي أزمةاقتصادية تقع يتحملها المواطن الضعيف، منذو أكثر من 20 سنة تم طرح دراسة ماذا نفعل عندما ينبض البترول وما هي البدائل، ولكن كما اسلفت ليس لدينا خطة إستراتيجية، الدول التي تملك خطة استراتيجية لم تؤثر فيها اﻷزمات

    • زائر 7 | 11:32 م

      معلمة ستراوية

      شكرًا من القلب

    • زائر 6 | 10:58 م

      شكرًا ..

      نيابة عن كل المعلمين المنهكين والمسحوقين سأقول لك شكرًا من قلوب المثابرين والباحثين عن حلول مناسبة للازمات اليومية والارهاصات التى لا تنتهي سأقول لك شكرًا من كهف ظلامة كل المعلمين وويلاتهم اليومية ولكن نسعى لتسكين الوجع لازلنا نعامل من قبل بعض الإدارات بالتخوين

    • زائر 5 | 10:55 م

      نعم

      الأطباء من أبناء وطني مخلصون حتى النخاع وكذا للمعلمون حصة من المبادرة والسعي لتطوير الطالب معرفيا واخلاقيا

    • زائر 4 | 10:54 م

      طبيب او معلم

      لما يخلوا المجلس النيابي من هذين المكونين الفاعلين في المجتمع

    • زائر 3 | 10:11 م

      على الوتر

      سكرا على المقال فنحن المعلمون الحلقة الاضعف دائما نواجه الذل والتعب والاهانة من ادارة المدارس ومن الوزارة ومن الطلبة وأولياء الأمور وفي النهاية تبخس جميع حقوقنا

    • زائر 2 | 9:49 م

      zooz

      ليش مايقللون من مصروفات وزارة الداخلية

    • زائر 1 | 9:33 م

      احسنت اختي الفاضلة

      كفيتي ووفيتي
      اعتقد عندما تستمر هذه السياسية تجاه هذين القطاعين لن تجدي أيا منهم بعد عشر سنوات ممن يعتمد عليه لا في التدريس ولا في التطبيب (العلاج)

    • زائر 15 زائر 1 | 10:02 ص

      وهو المطلوب يا عزيزي.. كل المؤشرات تشير الى ان ااهدف من مايحصل هو خروج البحرينيين من هاتين الوظيفتين ومهما تكلم الاخرون او هاجموا الموظفين بالقطاعين فانهم يعلمون ان معظم البخرينين في هاذين القطاعين يعملون بكد وبضمير بس في اوادم ماتقدر للاسف

اقرأ ايضاً