العدد 4956 - الجمعة 01 أبريل 2016م الموافق 23 جمادى الآخرة 1437هـ

العرب وواقعهم في ظل المتغيرات الإقليمية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

وقد صور الشاعر العربي هذه الحالة المأساوية وازدواجية المعايير الغربية بقوله:

قتل أمري في غابة

جريمة لا تغتفر

وقتل شعب كامل

مسألة فيها نظر

وهكذا تطورت المشكلة الفلسطينية من سلب أرض صغيرة بوعد لوطن قومي لليهود الى اغتصاب شبه كامل للأرض الفلسطينية. واستمر الفلسطينيون كشأن باقي العرب سائرين في نزاعاتهم وخصوماتهم مع بعضهم بعضاً وصدق عليهم قول الشاعر:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

على النفس من وقع الحسام المهند

وقد ظلم الفلسطينيون أنفسهم بالاعتماد على الغير ليحلوا لهم مشكلتهم الوطنية، كما أنهم وقعوا في فخ الخديعة ببيع بعض أراضيهم. كما ظلموا من قادتهم وزعمائهم بالحفاظ على القضية والمتاجرة فيها بلا رؤية استراتيجية تقوم على قراءة وإدراك طبيعة المتغيرات الدولية، وتأخذ مواقف واقعية في ظلها بدلاً من التمسك بالعنتريات لتقديم تنازلات في كل مرحلة لاحقة عما كانوا يطالبون به في مرحلة سابقة، والأنكى التنازع فيما بين أنفسهم. كما ظلمهم أيضًا إخوتهم الأشقاء من العرب بالضعف والتخاذل واستقطابهم لمصلحة هذه الدولة أو تلك ولمصلحة هذا الحزب أو ذاك. لقد وصل الخلاف والشقاق بين بعض الفصائل الفلسطينية إلى درجة من العداء مثل وربما يفوق العداء بين الفلسطينيين وإسرائيل.

ولذلك صدق عليهم قول الله تعالى «لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَّرَاءِ جُدُرٍ. بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ. تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ» (الحشر: 14). وعمل هؤلاء عكس ما ورد عن أصحاب رسول الله بقوله تعالى «مُحمَّدٌ رَّسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود» (الفتح:29). إنهم سلكوا وتصرفوا بمفهوم عكسي، فبأسهم بينهم شديد وهم أكثر رهبة وخوفا ورعبا من عدوهم، إنهم يركعون ويسجدون بلا روح ولا روحانية ويقتلون بعضهم بعضا، كما يشوه العرب والمسلمون صورة الإسلام الحنيف باسم الإسلام، وها هي «داعش «و»حالش» و»القاعدة» وأشباههم تعيث في الأرض فسادًا، وها هي كل طائفة لا تذكر أختها إلا بكل سوء، سبحان الله هذا عكس ما أمرهم به الله العلي القدير، إنهم يساعدون عدوهم على تدميرهم؛ لأنهم يهيئون له كل السبل لذلك.

لقد أخفق العرب والمسلمون في إدراك حكمة الله من التعدد والاختلاف في الأشكال والألوان واللغات والعقائد والأديان والملل والنحل، وهي حكمة ترتبط بإرادة الله العلي القدير في إثبات قدرته، وتأكيد إرادته بأن التنوع يتطلب التعاون والتكامل، ولا ينبغي أن يؤدي إلى الصراع والتخاصم والتنازع وتكفير الآخر أو كراهيته، وإنما هو دعوة للتسامح وإدراك الحكمة الإلهية وهو ما عجز العرب والمسلمون عن إدراكها.

الخلاصة الثانية من المؤتمر تتماشى مع مقولة المفكر السعودي المبدع عبدالله القصيمي في وصفه للعرب بأنهم ظاهرة صوتية، وهي لا تقتصر على الأفراد العاديين وإنما تشمل بصورة أكثر وضوحًا خلافات المثقفين التي لا تنتهي، وخلافات السياسيين فيما بينهم بلا وعي ولا حكمة، وقرارات المنظمات العربية التي يتم انتهاكها قبل أن يجف مدادها، وفي مقدمتها قرارات أصحاب الجلالة والفخامة والسمو على مستوى القمة، ويتساءل عن الحكمة الأزلية في أن العرب يقولون ما لا يفعلون، وعن قرارات يتخذونها ولا ينفذونها، إن هذا لعمري لشيء عجيب وعجاب.

الخلاصة الثالثة في المؤتمر أنه آن الأوان لصيحة عربية على غرار ما حدث في التاريخ بقول امرأة «وامعتصماه» عندما اعتدى عليها أحد الأعداء في منطقة حدودية وأدى ذلك إلى هبة قوية عربية وإسلامية بإرسال جيش الخليفة المعتصم بالله العباسي لنجدتها. بينما صاح لسان حال المثقفين والخبراء العرب في المؤتمر «واعروبتاه» لكن هيهات هيهات فلا مجيب ولا سميع لصيحتهم بل تفرق واختلاف وعدم تروٍّ، وعدم حكمة وتقديم تنازلات عما هو حق لهم بموجب معاهدة منع الانتشار النووي مثل البرامج النووية للأغراض السلمية وحق التخصيب لليورانيوم وعن التوافق وعن العمل المشترك كل على حدة منفردًا، وكأنه يقول للسبع أو القوة العظمى أنا رهن يديك، فافعلي بي ما تشائين. إنها حالة من صراع مكتوم حينًا، وعلانية حينًا آخر، والقافلة العالمية تسير والإقليمية تعمل، أما العرب فهم ظاهرة صوتية يتنازعون فيما بينهم كما حدث مع حريق روما القديمة، وكان نيرون يشاهدها تحترق ولا يفعل شيئا، فالعرب ساسة وقادة ومثقفون يتحاورون ويتنازعون وينسون العمل والإنجاز في حين أن أعداءهم سواء من دول الجوار أو من القادمين من بعيد يعملون وينجزون لتقوية بلادهم وأوطانهم وأيضاً لتدمير حضارة الشعوب العربية ببث الخلافات بينهم باسم الدين أو الطائفية أو العرق، وهكذا أصبح بأسهم بينهم شديد واستجابتهم اللاشعورية لنداء الأعداء طيعة وفورية وإصابتهم بصمم فلا يسمعون نداءات شعوبهم ومطالبها تكاد تكون ظاهرة للعيان، بل تكاد تناديهم بلسان عربي فصيح لا يفقهونه لما أصابهم من عجز وتخلف ثقافي وسياسي واقتصادي وتكنولوجي وعلمي.

الخلاصة الرابعة: هل هناك ضوء في نهاية النفق؟ أم أن النفق مسدود؟ إنه عالم مجنون مجنون يا ولدي ويا شعبي ويا قادتي، هكذا يصيح المواطن العربي العادي الذي تحول إلى كم مهمل أو إلى جياع يشعر بأنه مثل اللئام على مائدة الكرام، أو أنه لقمة سائغة للسباع البشرية. (يتبع).

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4956 - الجمعة 01 أبريل 2016م الموافق 23 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً