العدد 4975 - الأربعاء 20 أبريل 2016م الموافق 13 رجب 1437هـ

موقف الإسلام من تعذيب السجين وحقوقه؟ (2 - 2)

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تحدثتُ في المقال السابق عن تاريخ نشأة السجون في الإسلام وشيء من حقوق السجين كما ورد في المصادر الفقهية والتاريخية. اليوم نكمل، مستعرضين بالأساس حرمة التعذيب في الإٍسلام طبقاً لتلك المصادر. فمن الأشياء التي دلّت على حرمة التعذيب ما رُوِيَ عن الإمام علي بن أبي طالب أنه قال: «مَنْ أقرّ عند تجريد، أو تخويف، أو حبس أو تهديد فلا حدّ عليه». وقد أكّد الفقهاء أن «مَنْ يتسبّب في إيذاء السجناء يتحمّل تبعات القصاص والدّيَة ونحوها» كما أكد ذلك ابن هبيرة والكتاني والباجوري وابن القيِّم، وأشار إليها حسن أبوغدّة.

وقد ذُكِرَ ذلك أيضاً في صحيفة القاضي يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة والمُكنّى بأبي يوسف حين كتب إلى هارون الرشيد يطلب منه أن يأمر ولاته بألا يُسرفوا في تأديب السجناء. لذلك قال فقهاء الأحناف: «تأديب الحاكم مُقيّد بشرط السلامة، فإن ظنّ عدمها أو شكّ منع، وقيّدها المالكية أكثر وذلك بدفع الدِّيَة» كما جاء في النص.

وقد ذُكِرَت شروط صارمة في آلات التأديب كالسوط المعتدل الخالي من العقدة كي لا يُفضي إلى خروج الدم، ومنع الضرب بالعصي والمقارع كما ذكر الزركشي وابن تيمية، وعدم جواز كسر عظمٍ للمسجون ولا شقّ جلده، وعدم التركيز على مكان واحد في الجسم كما عند الشافعية والحنابلة وأكثر الحنفية، والابتعاد عن الضرب على الوجه والصدر والرقبة والبطن ومكان العورة كما ذكر ابن عابدين والمرداوي وغيرهما، وأشار له أبوغدة تفصيلاً.

وكان القضاة في الزمن الغابر يشرفون إشرافاً مباشراً على السجون وعلى نمط التأديب فيها ويُراقبون الأحكام الصادرة بحق المسجونين (راجع تجربة القاضي المالكي وسيد أهل المغرب الفقيه سحنون القيرواني) وكان ذلك لحماية الحقوق. ليس ذلك فحسب، بل قام بعض الخلفاء بتسديد ديون السجناء. وكانت إشارة في ذلك إلى الخليفة عمر بن الخطاب والخليفة عمر بن عبدالعزيز.

عدم إهانة السجين: وقد ذكر الرملي في «الحاشية» وابن تيمية في «الفتاوى» أنه لا يجوز قفل باب السجن على المحبوس ولا جعله في بيت مظلم ولا إيذاؤه. ثم يُفصّل ابن قدامه (وكذلك القيلوبي) معنى الإيذاء بالقول إنه اللعن والشتم وضرب الوجه. وقد ذكر الماوردي في مسألة الشتم أنه لا يجوز للإمام «أو غيره التأديب باللعن والسب الفاحش وسبّ الآباء والأمهات ونحو ذلك». كما يُحرَم المعاقبة بسكب السائل عليه كما رُوِيَ في ذلك عن حادثة الخليفة عمر بن الخطاب مع محبوسِيْ الجزية في الشام وقول مالكٍ أيضاً.

السجناء السياسيون: كانت هناك نظرة خاصة من النبي (ص) إلى السجين إذا كان زعيماً في قومه. لذلك، وجدنا كيف أنه (ص) كان قد جعل حَبْس ثمامة بن أثال الحنفي تحت إشرافه مباشرة، وكان يُكرِّر زيارته له وملاطفته، وكان مَرَدّ ذلك هو منزلة ثمامة الاجتماعية والسياسية، حيث كان سيد أهل اليمامة. وكان النبي (ص) وفي كل زيارة يقوم بها لثمامة يُكرِّر: اللَّهمّ إِنَّ أَكْلَةً مِنْ لَحْمِ جَزُورٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ دَمِ ثُمَامَةَ، كما ذكر القرطبي.

وذكر أبوغدة كذلك أن سجون السياسيين كانت عند العديد من الخلفاء مُلحَقة بقصور الحكام والولاة كسجن الخضراء في دمشق وسجن قصر المسيرين في البصرة. وقد حُبِسَ أبوالهيجاء عبدالرحمن بن حمدان وأنصاره بدار الخليفة العباسي المقتدر لثورتهم عليه ثم أفرج عنهم كما يذكر الطبري، وكذلك فعل مع الوزير علي بن عيسى.

ومن معاملة السجناء السياسيين ما كان يقوم به الخليفة عمر بن عبدالعزيز مع المعارضين السياسيين من معاملة حسنة وخاصة. وقد ذكر الجهشياري والفحام أن هارون الرشيد كان يأمر كل يوم بأن تُحمَل مائدة إلى موضع يحيى البرمكي وولده الفضل، وأذِنَ لهما باختيار مَنْ يدخل عليهما لمؤانستهما فاختارا سعيد بن وهب الذي كان «مختصاً بآل برمك» كما يذكر الذهبي وكذلك ابن قتيبة. وكانت ابنة يحيى تدخل على أبيها السجن وتستشيره في شئونها.

حقوق أخرى للسجين: حددت التشريعات الدينية الكثير من القوانين التي تمنح السجناء حقوقاً أكيدة كالحق في العلاج خارج السجن، وتزويد السجناء بكل التسهيلات التي تعينهم على الإنتاج والتطور المهني والعلمي. فمما يُذكر هنا أن هناك رأياً عند الشافعية والمالكية وبعض الأحناف من أن السجين المريض يُخرَج من سجنه للعلاج والمداواة، في حين عَدّ الشافعية المرض مانعاً من موانع الحبس.

ومن الأشياء المهمة هو السماح بإدخال الكتب وكل وسائل المعرفة إلى السجون، وخصوصاً أن الكثير من السجناء إما هم بحاجة إلى التزوّد بالمعرفة أو أن بينهم كفاءات يمكنها أن تَكتب وتُؤلِّف مع وجود الوقت الكافي في ذلك. حصل هذا الأمر مع أبي العتاهية عندما حبسه الرشيد لتركه الشعر (والقصة مذكورة عند التنوخي في الفَرَج) ومع إبراهيم الموصلي الذي حبسه الرشيد كذلك، وحنين بن إسحاق الذي كانت تُحمَل إليه الكتب الأجنبية كي يُترجمها، وكذلك الحال مع شمس الأئمة السرخسي (المتوفى سنة 483 هـ‌) وهو واحد من كبار فقهاء الأحناف وأفاضلهم ومتكلميهم، حيث كَتَبَ 15 مجلداً وهو في السجن، بل إن الطبرسي في «المؤتلف» ذكر أن السرخسي ألّف كتابه «المبسوط» في ثلاثين مجلداً عندما كان في سجن أوزكند.

إن الحقيقة التي يجب ألاّ تغيب أمام كل ما ذُكِرَ هو مدى التأصيل الشرعي والاهتمام الاستثنائي بأمر السجن والسجين في الإسلام، وإنْ ورَدَت أعمال غير ذلك (كالتي جرت عند بعض ولاة الأمويين والعباسيين) فهي من شذوذ الفعل، ومخالفة صريحة للدّين. وأن القول بخلاف ذلك هو افتراء.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4975 - الأربعاء 20 أبريل 2016م الموافق 13 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 9:25 ص

      ...

    • زائر 14 | 2:07 ص

      عجيب

      موفق في اختيار الموضوع
      لكن ( تأذن في خرابه )
      محد يسمع الا ما هو يريده ويحبه

    • زائر 21 زائر 14 | 10:18 ص

      موضوع جميل جدّاً

      الكاتب بذل جهداً كبيراً يشكر عليه

    • زائر 10 | 12:52 ص

      أحسنت يا أستاذ محمد
      ذكرت الدكتور الوائلي -رحمة الله عليه- في رسالة الماجستير أحكام السجون بين الشريعة والقانون.

    • زائر 7 | 12:28 ص

      عن اي اسلام نتكلم

      اسلام العبيد او اسلام الملوك المطاعين نتكلم عنه نحن أمة اكرمنا الله بهذا الاسلام العظيم التي طبقتها الحضارات التي اتت بعدنا وتفوقت ونحن لم نعمل الا بإطاعة ولي الامر منا ولا نخرج عليه لذلك التعذيب يأتي بأمر منهم

    • زائر 16 زائر 7 | 7:35 ص

      لم توضح الحقيقة

      عزيزي الكاتب الامام علي هو اول من وضع حقوق السجين وأحكام السجن في الإسلام وللعلم فإن تاريخ الأمويين والأدهى منهم العباسيين مروع في إيذاء المساجين والمعارضين السياسيين وخصوصا من الشيعة والعلويين من زياد والحجاج والمنصور والرشيد والمتوكل ومن سار في فلكهم

    • زائر 23 زائر 7 | 12:06 م

      ..

      نحن نتكلّم عن الاسلام المستقيم ..

    • زائر 5 | 10:54 م

      لمن تخط لمن تكتب

      رحم الله والديك الكلام ضايع مع أﻻسف

    • زائر 4 | 10:51 م

      موفق في اختيار الموضوع

      دائما نبحث عن نماذج من الغرب لنقارن سوء حالنا وتخلفنا عن الإنسانية
      ونغفل أن أساس العدل والإنسانية في ديننا الحنيف

    • زائر 18 زائر 4 | 10:08 ص

      أين مُدَّعوا حقوق الانسان من هذا

      ليقارن من يتشدّقون بحقوق الانسان هذه الحقوق والحدود التي رسمها الاسلام والفقهاء الاوائل مع ما يطالبون به هذه الايام من حقوق للانسان وحقوق للمساجين ليروا من يتفوّق علي الآخر ومن إقتبس من الآخر

    • زائر 3 | 10:46 م

      وين فقه جعفر الصادق طيب ؟ او منسي عندك

    • زائر 15 زائر 3 | 2:36 ص

      هذا من باب الزموهم بما الزموا به انفسهم

      هذا من باب الزموهم بما الزموا به انفسهم

    • زائر 22 زائر 3 | 12:04 م

      هل يطبّق ..؟؟!

    • زائر 2 | 10:31 م

      هارون سجن الإمام موسى الكاظم في طامورة لايعرف الإمام نهاره من ليله وبعد تصفيته بالسم ألقيت جثه على جسر بغداد.

اقرأ ايضاً