العدد 4976 - الخميس 21 أبريل 2016م الموافق 14 رجب 1437هـ

نمط الإدارة العربية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

تساءل الكاتب السعودي بندر بن عبدالعزيز الضبعان، في مقال له في صحيفة «الاقتصادية» في 14 يناير/ كانون الثاني 2014، تناول موضوع «الإدارة العربية»، عن السبب في عدم القدرة على تطوير «نظرية» في الإدارة في العالم العربي لإضافتها للتراكم المعرفي في هذا الحقل، بحيث يمكن أن تكون هناك أطروحة عربية، تماماً مثلما هناك الإدارة الأميركية واليابانية.

وقال الضبعان: «وإذا اعتمدنا على الطروحات التي وضعها عالم الاجتماع الهولندي غيرارد هوفستيد حول تأثير الفوارق الثقافية على الإدارة في كل بلد، فإننا نستطيع أن نقول إن منشأ أساليبنا الإدارية العربية يأتي من أساليب إدارتنا للقبيلة». وأضاف «إذا اعترفنا أن منشأ الإدارة العربية، لم يكن المصنع أو المنجم كما هو الحال في الشرق أو الغرب، وإنما مضارب القبيلة، فإننا سنكون أصدق مع أنفسنا، ونبدأ نفكر في التخلص من أساليبنا الفاشلة المرتبطة بفترة زمنية مضت، ونركز أكثر في كيفية تطوير مبادئ وأساليب إدارية جديدة تتوافق مع أهدافنا الوطنية الكبرى، وتحقق خططنا التنموية».

وكان هوفستيد قد تطرق في بحوثه لعدد من الدول العربية، ووجد أن الثقافة العربية تتسم بمسافة كبيرة بين الرئيس والمرؤوس، وهو ما يشير إلى اختلال التوازن في توزيع الثروة والقوة. كما وجد هوفستيد أن الثقافة العربية تخشى الغموض مقارنة مع الثقافات الأخرى. كما أن الثقافة العربية تميل نحو الحالة الجماعية على حساب الفردانية، وتميل أكثر لصالح الذكور على الإناث.

وقد أكدت دراسة نشرها في 2010 الباحث عبدالرحمن اليوسف مع ثلاثة باحثين آخرين Alyousif et al الخلاصة التي طرحها هوفستيد عن منهج الإدارة في البلدان العربية، وتطرق البحث إلى ثقافة شركات تعمل في صناعة البناء والتشييد في الإمارات العربية المتحدة ووجد أن تأثير الثقافة المحلية (العربية - الإسلامية) يؤثر على الممارسات الإدارية، ولاسيما طبيعة العلاقات المستمدة من الثقافة الإسلامية والوطنية التقليدية، وما يصاحب ذلك من قيم ومعايير، مثل الكرامة العربية، والتركيز على العلاقات العائلية والقبلية والمعتقدات الإسلامية، وتداخل ذلك مع ظاهرة العولمة، ومتطلبات التكنولوجيا المتقدمة، والخبرات والكفاءات التقنية.

هذا يؤكد الاستنتاج الذي توصلت إليه شركة الاستشارات الإدارية العالمية (هاي جروب) Hay Group، والتي قالت إن «النمط القيادي القسري» هو الأكثر استخداماً في الشرق الأوسط. فقد أظهرت نتائج دراسة أجرتها الشركة الاستشارية أن 70 في المئة من القادة التنفيذيين في الشرق الأوسط يفضلون النمط القسري، وأن 3.5 في المئة فقط من هؤلاء يحققون إنتاجية عالية في مؤسساتهم.

وقد أجرت الشركة الاستشارية دراستها على أكثر من 500 من القادة التنفيذيين في الشرق الأوسط و2000 من الموظفين، وأشارت النتائج أيضاً إلى أن القادة التنفيذيين في الشرق الأوسط لا يدعمون المناخ المفضل للنجاح، وأن 16 في المئة فقط منهم يساهمون في خلق بيئة عمل عالية الأداء. ووجدت الدراسة أن 62 في المئة يؤثرون بشكل سلبي على الأشخاص الذين يخضعون لإدارتهم، بينما يعتمد 85 في المئة من القادة الناجحين أسلوباً مرناً لمواكبة الحالات والمواقف المختلفة أثناء قيامهم بإدارة الأعمال. وخلصت الدراسة إلى أن المؤسسات في الشرق الأوسط تضيِّع على نفسها احتياطيات كبيرة من الكفاءة والإنتاجية بسبب الأسلوب الصارم المتبع.

الباحث اللبناني في علوم الإدارة جميل حمود طرح في العام 2011 مقاربة لأنموذج الإدارة في العالم العربي، وكيف أن الثقافة العربية - الإسلامية تشجِّع على اعتماد الأسلوب التشاوري غير الملزم في صنع القرار. ولكنه لاحظ أن أكثر من 90 في المئة من المؤسسات التجارية العربية إنما هي شركات عائلية، وبالتالي، فإن دراسة الثقافة العربية للشركات يجب أن تأخذ في الاعتبار ديناميات هذا النمط من الملكية والإدارة. وخرج بتوصيف للثقافة العربية في إدارة الشركات بأنها تعتمد على «الحالة الأبوية»، حيث تتركز السلطة والصلاحيات في يد الفرد، ولكن مع الاعتماد على الحالة الجماعية للتشاور غير الملزم.

وقال حمود إن هذا الأنموذج لا ينتج بالضرورة نمطاً استبدادياً، على رغم أنه أبعد ما يكون عن النمط الديمقراطي، وبالتالي فإنه نمط شبه استشاري؛ إذ إن عملية اتخاذ القرار تتم عبر تبادل غير رسمي لوجهات النظر والآراء غير الملزمة. وقال إن القرارات النهائية تتخذ، وتمرر من الأعلى إلى الأسفل، من خلال الذكور في العوائل المالكة للشركات.

إن نمط الإدارة والقيادة في الثقافة العربية يميل نحو «الحالة الأبوية»، وقد يتصرف المدراء بصورة جافة مع المرؤوسين الذين يقع على عاتقهم تنفيذ الأوامر، وربما تزداد وتيرة إصدار الأوامر والتوجيهات لتأكيد مكانة الرئيس مقابل المرؤوس، وأيضاً كمحاولة للسيطرة على الغموض المحيط ببيئة العمل.

الرئيس في الثقافة العربية قد يصر على حصوله على الاحترام الرسمي من المرؤوسين، وقد لا يقدّر أو لا يشجّع مبادرات الموظفين للقيام بأعمال، أو طرح حلول قد تبدو خارج النصوص الحرفية للأوامر. كما أن الرئيس في الثقافة العربية يحب المدح والثناء، وبالتالي يصعب عليه الاستماع لآراء أخرى، أو لانتقادات، كما يصعب عليه الاعتراف بالخطأ عندما يحصل ذلك.

إن ثقافة المواطنة الحديثة، والتي تشترط معاملة الناس على أساس الكفاءة قد تتضارب مع جذور عميقة في الثقافة المتعارف عليها في البيئة العربية، والتي تقبل بتعصب الأفراد والجماعات على أساس هوياتهم الفرعية أولاً، سواء كانت الهوية قبلية أو دينية أو إثنية، وعلى أساس ذلك، فإن اشتراطات القيادة الفعّالة التي يجب أن تتناغم مع التنوع الثقافي ليست معمولاً بها كما ينبغي في بيئة الأعمال العربية، وهو ما ينعكس سلباً على الأداء العام، وعلى كيفية خلق الولاء وتحقيق التماسك التنظيمي داخل المؤسسات.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 4976 - الخميس 21 أبريل 2016م الموافق 14 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 5:33 ص

      الادارة ألعربيه: نحن نشوف شي ما تشوفه، والسلام

    • زائر 11 | 4:59 ص

      اداره فاشيه!

      الادارات التي مررت بها كموظف إدارات فاشيه بامتياز! المدير بس قاعد و يوزع مهامه الشخصيه و الوظيفيه على الموظفين! بدون مبالغه وضعهم باقي شوي و يجيبون جواري يهفون عليهم بمروحه ????
      طبعا لا تقدير للموظف المطحون الي يداوم خارج وقت دوامه لا عمل سنع و لا افكار سنعه

    • زائر 10 | 4:40 ص

      الواسطة في التوظيف

      من احد اسباب الفشل الاداري في الشركات هو الواسطة، توظيف من لا يملك كفاءة على حساب المؤهلين والكفؤين. الشيء الذي يدمر مستقبل الشباب وينشر الفساد في البر والبحر.

    • زائر 9 | 3:33 ص

      مقال

      مقال رائع يستحق القراءه

    • زائر 6 | 12:53 ص

      نحن في الدنيا لا يوجد لدينا إثنان يريدان منا أن نطيعهم فقط بل يوجد كثر ونحن لا ندري هل نطيع فلان ونعصي فلان؟ فإن أطعنا فلانا غضب علينا فلان الآخر. ......يطلب منا أن نقدم له الولاء ولا نقدمه لأخر فإن أطعنا .....غضب علينا .....الآخر. بينما التاجر يريدنا أن نعمل له بأجر قليل ونشتري منه بمبالغ كبيرة.. بينما رجل الدين يريد منك أن تقلده ولا تقلد غيره. كل واحد يسحبنا من شعورنا يتشاكس على إدرتنا والأمثال كثيرة والكل غضبان والكل أموضف ليه ناس يراقبون الناس ويضبطون أموره ويجبرون الناس على طاعته

    • زائر 8 زائر 6 | 2:51 ص

      فشل

      محاولة إرضاء الجميع اكبر فشل...

    • زائر 5 | 12:44 ص

      في وظيفتي السابقة طردوني من العمل بسبب تشاكس الإدارة بادارتي.كان يديرني إثنان مديرة وسبرفايزر.كانت المديرة تعطيني مهمة مكالمة الزبائن وتطلب مني الإنشغال بمهاتفتهم حالا بينما السبرفايزر كانت تراقبني وتطلب مني أن لا أنفذ طلب مديرتها بل أن أقوم بكتابة تقارير للسبرفايزر. فكنت أنا حيران حول مهاتفة الزبائن أوكتابة التقارير فإن هاتفت الزبائن أرضيت المديرة وأغضبت السبرفايزر وإن كتبت التقارير أرضيت السبرفايزر وأغضبت المديرة.ولم يكونوا يفعلون ذلك بصورة لبقة بل بصورة تنازع فضة غاضبة تحاصرني وتفقدني أعصابي

    • زائر 7 زائر 5 | 2:50 ص

      كان يجب عليك

      أن توقع بين الاثنين و تجلس على التله.. كان المفروض اتشربكهم في بعض و تستمتع بوقت في الاثناء...

    • زائر 3 | 12:28 ص

      الجزء الثاني (الإدارة العربية):
      في هذا المثال الذي ضربة الله جل جلاله في الآية الكريمة.
      الرجل الأول هو الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون في إدارته فمثلا رجلا له مديران أو أكثر فمدير يقول له إذهب يمينا بينما المدير الآخر يقول له إذهب يسارا بينما هذا الرجل حيران لا يدري هل يذهب يمينا فإن ذهب يمينا غضب المدير الأولي وإن ذهب يسارا غضب المدير الآخر ولا يديرونه بصورة لينه بل بصورة فضة تشاكسية غليضة كل واحد يريد أن يثبت نفسه.

    • زائر 2 | 12:27 ص

      الإدارة العربية (الجزء الأول):
      أحسنت دكتور منصور عزيزي على هذه المناقشة الثمينة! القرآن الكريم يجيب تساؤلاتك حول السؤال حول الإدارة العربية في هذه الآية الكريمة في سورة الزمر فأرجوا منك التمعن فيها وتدبرها وقرأة التفاسير حولها:
      (ضرب الله مثلا
      رجلا فيه شركاء متشاكسون
      ورجلا سلما لرجل
      هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون)
      التفسير:

    • زائر 1 | 10:47 م

      ما قاله الضبعان في الادارة العربية كررها الدكتور علي الوردي في كتبه جميعا و نسب اليها جميع تصرفات و عادات و تطبيقات العرب.

اقرأ ايضاً