العدد 4984 - الجمعة 29 أبريل 2016م الموافق 22 رجب 1437هـ

المجتمع المدني... كيف يكون شريكاً؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

أضحى مسلماً به دور المجتمع المدني ومنظماته في الحياة العامة، وفي المجتمع وفي الدولة، للنهوض كشريك للدولة في التنمية المستدامة، وضمان حياة سياسية ومجتمعية سوية. وكثيراً ما نسمع من كبار المسئولين في مملكة البحرين أهمية المجتمع المدني أو الأهلي ومنظماته أو جمعياته أو اتحاداته، وكشريك للدولة في النهوض بمهامها التنموية والمجتمعية، وهو إقرار من الدولة لما يقوم به المجتمع المدني ومنظماته من مهام ومسئوليات لا يمكن للدولة أن تنهض بها، كما أن ذلك يأتي في سياق تطور المجتمع الدولي بمختلف منظماته الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة ووكالاتها، حيث أضحت منظمات المجتمع المدني بمختلف تخصصاتها الحقوقية والإنسانية والاجتماعية وغيرها ذات وضعية استشارية ومراقبة وفاعلة في أعمال الأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها.

بالنسبة للبحرين، فتعتبر الأندية والجمعيات الأهلية من أقدمها في منطقة الخليج، ورائدة في خدمة المجتمع، على رغم كل الظروف، وقد تطور مفهوم هذه الجمعيات والأندية الى مفهوم منظمات المجتمع المدني، لتميزها عن الجمعيات الخيرية والوعظ الديني، وفي ظل مفهوم هيمنة الدولة وبالتحديد الحكومة، فقد عكست التشريعات وأهمها قانون الجمعيات والأندية الأهلية للعام 1989، قيودا كثيرة على الترخيص وعمل الجمعيات والأندية الأهلية، ووضعها تحت وصاية الحكومة من خلال وزارة العمل والشئون الاجتماعية، كما ان بعض مواد القانون تحيل الى قانون العقوبات، ومع بدء المشروع الإصلاحي، فقد طرح كأولوية إعادة النظر بالكثير من القوانين، ومنها قانون الجمعيات والأندية. لكن الموضوع ظل يراوح مكانه في ظل إعطاء الحكومة الأولوية في اقتراح القوانين، وحتى لو اقترحها البرلمان فإنه يناط بالحكومة صياغتها، والتي تستطيع استردادها في أي وقت. وبالنسبة لمشروع قانون جديد لمنظمات المجتمع المدني يتماشى مع التطور الكبير في منظمات المجتمع المدني بعد الترخيص لعدد من الجمعيات الأهلية الجديدة النوعية في مجالات حقوق الإنسان، والشفافية، والمرأة، وحقوق المستهلك والبيئة وغيرها، وقيام اتحاد العمال، بموجب قانون خاص به. وعندما تقرر انشاء وزارة التنمية الاجتماعية في 2005، طرحت من جديد ضرورة صدور قانون عصري لمنظمات المجتمع يتناسب مع ازدهار منظمات المجتمع المدني والتطور في المفاهيم الدولية، في ضوء انخراط مملكة البحرين في المجتمع الدولي والتوجه للتعاون مع الأمم المتحدة وخصوصاً في مجال حقوق الإنسان، والذي يتضمن حرية ودعم منظمات المجتمع المدني. وقد أعدت الوزارة مسودة قانون منظمات المجتمع والذي شكل صدمة لمنظمات المجتمع المدني؛ لأنه لا يبقي فقط على القيود الواردة في قانون 1989، بل انه يتفنن في ابتداع ضوابط وقيود جديدة تضاف إلى القيود القديمة، ويضع هذه المنظمات تحت رقابة صارمة لوزارة التنمية الاجتماعية، ويبقي على ارتباط مشروع القانون مع قانون العقوبات في بعض مواده، وفي ضوء التعاون الأميركي البحريني، فقد استعانت الوزارة بمركز المساعدة القانونية غير الربحي، والذي انتدب خبراءه ومنهم عرب، لمراجعة مشروع القانون، وإبداء الرأي، كما عقدت اجتماعات في مقر الوزارة لخدمة المجتمع في توبلي، بحضور مندوبي المركز لمناقشة مشروع القانون وإبداء الراي فيه. وعلى رغم حشد الوزارة لمنظمات «الغونغو» إلا أن المنظمات المجتمعية الحقيقية استطاعت أن توصل رأيها، ما جعل خبراء المركز الأميركي يعيدون النظر في رؤيتهم، ويقدمون توصيات واضحة للحكومة لتعديل كثير من مواد القانون لصالح المزيد من الحريات ورفع القيود.

منذ ذلك الحين ومشروع القانون يراوح مكانه ما بين الحكومة والبرلمان، لكن في الواقع فإن الكثيرمن بنوده يجرى العمل بها طبقا لقرارات وزارة التنمية الاجتماعية، ويستمر العمل به كأمر واقع حتى بعد ادماج الوزارة بوزارة العمل اخيرا، وبعد أن احيل مشروع القانون مجددا على مجلس النواب في 2015 فقد بادرت منظمات المجتمع المدني من خلال تكتلين هما تجمع جمعيات المجتمع المدني، والتحالف الأبيض الى تقديم مقترحاتهما لإدخال تعديلات جوهرية على مشروع القانون، ومرة أخرى دفن مشروع القانون في الأدراج العميقة لمجلس النواب، وإضافة الى هذا القانون فإن بعض مواد قانون العقوبات وقانون حماية المجتمع من الإرهاب، وقرارات وزارية لوزارة الداخلية والمصرف المركزي، تضع المزيد من القيود على منظمات المجتمع المدني، فمثلاً لا يمكن لأية جمعية أهلية، الحصول على تمويل لمشاريعها من جهة خارجية، من دون موافقة وزارة التنمية الاجتماعية على المشروع، وموافقة دائرة مكافحة الفساد بوزارة الداخلية على التمويل، وهكذا توقفت مشاريع كثيرة ممولة من قبل ميبيا لأميركية مثلاً لكل من الاتحاد النسائي والجمعية البحرينية للشفافية، وتوقف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كليا عن تمويل مشاريع المجتمع المدني، ويمنع على الجمعيات جمع التبرعات أو قبول هبات محليا او تشكيل اتحادات أو شبكات تنسيق فيما بينها، أو الانضمام الى منظمات أو شبكات عربية أو دولية، أو حضور مؤتمراتها واجتماعاتها الا بموافقة وزارة التنمية الاجتماعية. ويترتب على بعض المخالفات السجن لمدة ستة أشهر أو أكثر، مثل النشاط قبل الترخيص الرسمي.

أما في السياق العملي، فقد جرى حل جمعية المعلمين وجمعية الممرضين، ومركز البحرين لحقوق الإنسان، ولم يرخص لعدد من الجمعيات التي كان بعضها نشطاً، مثل جمعية البحرين الشبابية لحقوق الإنسان، كما جرى حل الهيئات الإدارية لكل من الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وجمعية المحامين وأعضاء في جمعية الصحفيين، وجمعية الأدباء والكتاب أو إجبارها عمليا على الاستقالة مثل جمعية الأطباء، ويتبع ذلك عادة اجراء تغييرات في الأنظمة الأساسية لهذه الجمعيات، مما يترتب عليه تغيير في جمعياتها العمومية، ومن ثم مجيء إدارات مرضي عنها. لذلك اضطر عدد من المجموعات المهنية الى تشكيل روابط غير رسمية مثل الأدباء والكتاب، والصحافيين والأطباء والممرضين.

من نافلة القول إنه يجرى تطبيق القانون والقرارات الوزارية انتقائيًّا على مختلف الجمعيات والاتحادات والأندية الثقافية، حيث يحظى البعض بالرعاية الرسمية، الى حد افتتاح فروع لها في البلدان الأوروبية واستضافة مؤتمرات ضخمة في الفنادق الفاخرة، في حين يمنع على البعض غير المرضيين، حتى عقد ندوات خارج مقاراتهم، ويجرى تجفيف مصادرهم المالية.

خلاصة القول، إن رعاية وتشجيع منظمات الغونغو كلف ويكلف الدولة من رصيدها المالي والمعنوي الكثير، لكنها لم تحظ بالمصداقية لا على صعيد الوطن أو الخارج، وفي المقابل فإن المنظمات المستقلة تحظى بالمصداقية في الداخل والخارج، وعلى المسئولين أن يدركوا أنه في عالم اليوم والنظام الدولي الحالي ومنه منظومة الأمم المتحدة، فإن العبرة في التعاطي مع المنظمات غير الحكومية ليس الترخيص من بلدانها أو موافقة بلدانها عليها، بل بمصداقيتها وفاعليتها. ولذلك فإن الدور الملحوظ في المجتمع الدولي والأمم المتحدة للمنظمات الأخيرة ... لقد آن الأوان للمسئولين ان يدركوا ان قوة كيان الدولة ومكانة الدولة هو من قوة واستقلالية منظمات المجتمع المدني، ولذلك يجب إعادة النظر جذريا في السياسة المتبعة تجاه المجتمع المدني ومنظماته، وعلى الدولة التخلي عن المتمصلحين والمنتفعين والمروجين من هذه الجمعيات ومسئوليها لقاء قيامهم للترويج لأوضاع وسياسات خاطئة. ولا بأس أن تكون لمنظمات المجتمع المدني مقاربات مختلفة لمختلف المواضيع بما في ذلك سياسات الدولة، لكنه يجب التوقف عن سياسات المحاباة للبعض من ناحية والتضييق على البعض الآخر.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4984 - الجمعة 29 أبريل 2016م الموافق 22 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً