العدد 4991 - الجمعة 06 مايو 2016م الموافق 29 رجب 1437هـ

إيمان أسيري... أكثر من نص!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

علَّ أجمل ما يُمكن أن يبدأ به شخص عن نصِّ الشاعرة والفنانة التشكيلية إيمان أسيري، هو نصُّ تصالحها مع نفسها. تلك القدرة على المحبَّة. الحاسَّة الإضافية التي تُتيح لها معرفة الناس، وتشكِّل حصانة بالنسبة لها. أعني النصَّ الإنساني. الإنسان باعتباره نصّاً إنسانياً قبل أن يكون نصّاً يخضع لشكل وشرط يتم حشْره في مضمون. ربما يدلُّنا جانب ممّا كتبته ضمن مشروع «شهادات إبداعية في التجارب البحرينية» التي نظَّمتها وجود للثقافة والإبداع. كان ذلك بتاريخ 27 إبريل/ نيسان 2015؛ حيث كتبتْ: «أصبح الحبُّ المطلق للناس والأشياء من حولي هي سيرتي، أعمتْني عن رؤية الكُرْه والخبث والخداع، وأمّنتْ لي حصانة داخلية كلما تعرضتُ لرماحها». ذلك بصدق ما هو شائع وجزء من تركيبة هذه الساحة التي كثيراً ما نهرب من تشخيص أمراضها، وسوء بعض طويِّاتها؛ حيث العزلة هي الإغراء الأكبر، والحصانة التي لن تخذلك على أقل تقدير!

إزاء نصَّين نحن: نص أسيري الإنسانة، ونص/ لوحة تذهب باتجاه رؤية العالم والتعبير عنه، وفضحه أحياناً.

ما الذي دفع هذه الكتابة للانحياز إلى السرْد. سرْد السيرة والتجربة قبل الشعر؟ كل ذلك على تلازم، ولن نكون بمنأى عنه حين نُجلِّي طرقاً للتعبير تلازمها وتتكئ عليها، بكل ذلك الهدوء النادر، والتجلِّي في الحضور. بالطيبة التي تقطر أكثر من معنى.

في «اشتهاءات» العام 2008، نقرأ: «مدار الكحل بالعينين واسع يهمس للواتي لم يعبرن البحر، أنْ تريثن، فلجة العين بها كهوف لا تعرفكن، لا هسهسة ريح ولا مشعل ولا الطيور تأتمن لها، وإن قصدتن الدخول فاعلمن ألاَّ ريح ولا مشعل ولا الطيور التي عبرت... خرجت»!

لا تذهب إلى النص مُعبَّأة بالكلام الجاهز. أن تعرف ما ستقوله في النص، يجعلك لا تقول شيئاً؛ بل ألَّا تعرف، بترك سجِّيتك على بساطتها. كبدوي لا تعنيه الجهات حين يستقر. في اختلاط السرد المشحون بالرؤية تأتي. تذهب باقتناص لابد أن تعبِّر عن امتنانك له.

هل قالت شيئاً عن رؤيتها للشعر ونحن في صدده؟ في الشهادة نفسها تكتب/ تقرأ: «الشعر كائن حقيقي يتجسَّد في الحياة والحلم، له جناحا عصفور ومخالب نسْر، هكذا ركنتُ إليه، علَّمني الطيران بجناحيه وشقَّ الطرق بمخالبه».

الأصدقاء الذين يُشيعون حالاً من الفرح حين يكتبون عمَّن يعرفون، وأولئك الذين يشيعون ما هو أبعد من الفرح حين يكتبون عمَّن لا يعرفون، يمارسون سطوة تظل تحت الطلب. ربما هي السطوة الوحيدة التي لا تبحث عن منافذ للهروب أو التخلُّص منها. أحدهم الصديق زكي الصدير، في تتبُّعه كتابة لمعرضها الأخير «جنون»، في مقال نشرته صحيفة «العرب»، حمل عنوان «(جنون) إيمان أسيري يكشف مآسي حروب العالم»، قدَّم له بالقول: «الجنون هو الوصف الأقرب لما تضج به لوحات الفنانة الشاعرة البحرينية إيمان أسيري التي تزيِّن جدران (غاليري مشق) بالمنامة مؤخراً، فالمعرض الذي يحمل عنوان (جنون)، يحكي قصة جنون يومي يعيشه الإنسان بفعل أخبار الحروب التي تصل إلى مسمعه، ولا يجد لإيقاف هذا النزيف سبيلاً، حيث مثل مفهوم الحرب في لوحاتها، أبشع ما مارست البشرية منذ بداية الوجود».

من «الشعر الكائن الحقيقي»، يتجلَّى المخبوء من بياض وحس ومحبة في الكائن الإنساني. أسيري هي في الصميم من ذلك المعنى. ما تكتبه ضالع فيه حدَّ الانهمار.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4991 - الجمعة 06 مايو 2016م الموافق 29 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً