العدد 5018 - الخميس 02 يونيو 2016م الموافق 26 شعبان 1437هـ

المحامي في منظومة معالجة قضايا السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الدﻻلات المهنية في تجارب القضاء البيئي تؤكد ثوابت الأهمية اﻻستراتيجية لمهنية المحامي في تنظيم إجراءات المرافعات القضائية في الشأن البيئي، وفي تيسير مهمة القُضاة في تبين جوهر المخالفة البيئية، وتحديد مؤسسات صواب الحكم القضائي في شأن القضايا البيئية التي يجري رفعها أمام المحاكم المختصة، وذلك يشير إلى أن المحامي يشكل معادلة مهمة في إجراءات المحاكم البيئية التي صارت مطلباً عصرياً لمكافحة وقمع مصادر خطر الجريمة البيئية المتصاعدة، وتأثر نشاطاتها في مختلف البلدان، ويجري اعتماد هذه الآلية القضائية في عدد من الدول.

الرؤى المختلفة في شأن مهنية المحامي المختص في إجراءات المرافعات القضائية في القضايا البيئية، تشدد على جملة من المتطلبات الواجب توفرها لممارسة مهنة المحاماة في المجال البيئي، وتشير إلى أهمية حرفية المحامي وامتلاكه حصيلة معرفية في مفاهيم الثقافة البيئية ودراية واسعة بقضايا ومفاصل محددات مبادئ القانون الدولي البيئي، ومعرفة دقيقة بقواعد القوانين والقرارات والأنظمة الوطنية ذات العلاقة والمعنية بمعالجة قضايا البيئة، كما أن النزاهة والبعد عن المصالح الذاتية والكسب الرخيص والدقة في تبصر مفاصل وحيثيات المخالفة البيئية من الثوابت المهمة التي يرى البعض أنها مطلب ينبغي توفره في المعايير المهنية للمحامي، في الترافع أمام المحاكم المختصة في الشأن البيئي.

المحامي كمهنة ومنهج محوري في المرافعات القضائية في الشأن البيئي أكد حضوره في مرئيات القراء في ضوء ما جرى معالجته ضمن سلسلة مقالات السلوك البشري والتنمية المستدامة، إذ حفز ذلك بعض المختصين في الشأن البيئي في التأكيد على ضرورة قراءة واقع مهنية المحامي في معالجة القضايا البيئية، وسجل عدد من المهتمين مرئياتهم في شأن ذلك، وفي السياق ذاته وجه الناشط في المسئولية الاجتماعية سمير السعيد سؤال يبرز في مضمون جوهره جملة من المتطلبات، إذ يشير «وهل يوجد قانون يستند عليه المحامي عند قيامه بالدفاع ضد الجريمة البيئية؟ في غياب القانون لا يستطيع المحامي عمل أي شيء!! ولماذا لا يكون ذلك مشروعاً وطنياً تتولى مهمة وضع مسودته المنظمات غير الحكومية بالتعاون مع المجلس الأعلى للبيئة؟».

الخبير السوداني في الشأن البيئي عيسى عبداللطيف يرى «أن البيئة أصبحت قضية أكبر من أي قضية أخرى، ولابد من وجود تخصص للبيئة في كل المجالات وعلى رأسها القانون البيئي، ومثلما هناك قضاة ومحامون متخصصون في مجالات مثل الأحوال الشخصية والعقارات والبنوك والاستثمار وغيرها، فمن باب أولى أن تكون هناك محاكم ونيابات ومكاتب محاماة متخصصة في المخالفات البيئية، والمحامي يمكن أن يؤدي دوره المهني في جانبين، في المرافعة نيابة عن المجتمع والحكومة في قضايا التعدي على البيئة، وتبصير الناس والمؤسسات الخاصة بالقوانين البيئية وطبيعة المخالفات»، وفي سياق ذلك يشير الخبير العراقي في الشأن البيئي داوود حسن كاظم إلى أنه «في التجربة النيوزيلندية للتقاضي في القضايا البيئية، تعتمد الحكومة على قانون مفصل يغطي مختلف جوانب الشأن البيئي، لا يمكن أن يختلف عليه المتخاصمون، إلى جانب وجود محاكم تختص بالقضايا البيئية ووجود محامين مختصين أنهوا تحصيلهم الأكاديمي في كلية القانون في مجال القانون البيئي، ووفق قواعد القانون لا يمكن رفع القضايا والمخالفات والمنازعات البيئية إلى المحاكم المدنية، إذ يلزم القانون رفع هذه القضايا إلى المحاكم البيئية، ومن المفيد عند إنشاء محاكم بيئية تعيين قضاة ومستشارين بيئيين، وتخريج محامين بيئيين، والمهم أن يكون القانون البيئي شاملاً ومتكاملاً في معالجة مختلف قضايا البيئة».

التجارب تشير إلى ضرورة توفر مميزات الدقة والمهنية للمحامي، في تبيان جوهر المخالفة البيئية، وتشخيص الدلائل المادية، وصدقية تقارير الرقيب البيئي في المخالفة المرفوعة أمام القضاء، إذ انه بحكم تجربتنا في العمل البيئي، وجدنا أن الغش واﻻستئثار بالمركز الإداري والقانون في تلفيق التهم واختلاق المخالفة البيئية، من المظاهر التي يمكن مصادفتها في نشاطات الإدارات البيئية، واطلعنا في سياق ذلك على ملف مخالفة بيئية مفتعلة تصل عقوبتها إلى اﻻعدام والسجن المؤبد والغرامة المالية الكبيرة، وتشير حقائق القضية إلى أن مسئولاً في إدارة بيئية في إحدى البلديات في مدينة عربية اتفق مع عامل مؤسسة صناعية مهدد بالفصل من العمل، في نقل مواد كيماوية والتظاهر بطمرها في صحراء ذلك البلد وتصوير الحادث على أنه عمل مقصود ونشر في وسائل الإعلام، وكان للدقة والمهنية في تشخيص الدﻻئل أثرها في إيجابية الحكم القضائي وبراءة المتهم، هنا ينبغي أن يكون للمحامي أداؤه المتميز في مساعدة القضاء في تبصر وتشخيص الدﻻئل، وبناء الحكم القضائي الإيجابي، وتعزيز قيم عادلة للقضاء.

الباحث الإماراتي خليفة الكتبي المهتم بقضايا البيئة، يطرح جملة من المرئيات في ضوء واقع تلك الظاهرة، وفي شأن مهنية المحامي المختص بالترافع أمام المحاكم في القضايا البيئية، إذ يرى أنها «خطوة مهمة في مجال البيئة، ولكنها سلاح ذو حدين، وخصوصاً إذا تم تضخيم المخالفة البيئية، ما يتسبب في تشويه سمعة العاملين بالمجال البيئي، والقصد هنا أن يكون هنالك وعي بمدى تناسب المخالفة مع حجم الضرر البيئي، لأن هنالك محامين ليس همهم سوى تضخيم الأمور وتعقيدها لأجل مكسب مادي، ثانياً، يفترض لأي فني أو مختص أو عامل بالمجال البيئي أن ينزل للميدان البيئي، ليفهم ويدرك كيف ينظر الآخرون للبيئة، ليدرك مختلف الجوانب المرتبطة بالبيئة، ويرى أن أول منهج أو درس متعلق بالبيئة يجب أن نأخذه من البسطاء والفقراء، لأنهم هم الأكثر ارتباطاً بمكنونات البيئة ومن ثم البناء عليها».

الرؤى والمعالجات المختلفة تشدد على ضرورة تنظيم دورات مختصة، وتدريب وتأهيل المحامين المرخص لهم بالترافع في القضايا البيئية، واعتماد مستشارين متعاونين مختصين في القانون البيئي، كشرط لاعتماد مزاولة مكاتب المحاماة المرافعات القضائية في الشأن البيئي.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5018 - الخميس 02 يونيو 2016م الموافق 26 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:44 ص

      شكراً دكتور على مقالاتك المتميزة والتي ترفع من وعى الجمهور في أهمية الحفاظ على البيئة وتركز على ان المسؤولية تبدأ من الفرد نفسه،

اقرأ ايضاً