العدد 5039 - الخميس 23 يونيو 2016م الموافق 18 رمضان 1437هـ

الاستهلاك والإنتاج المستدام في ثقافة السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

اﻻستهلاك والإنتاج المستدام يرتكزان في جوهر مضامينهما على مقومات قيم الثقافة الإنسانية في العلاقة مع النظم البيئية، والاستهلاك المستدام يمثل القيمة الإستراتيجية والتاريخية في مشهد السلوك البشري في منظومة العلاقة اﻻنسانية مع الموارد الطبيعية، والمؤشر الفعلي في معادلة صون الرأسمال اﻻيكيولوجي، والحفاظ على توازن النظام اﻻيكيولوجي لكوكب الأرض، كما يمثل الضمانة الفعلية في بقاء واستقرار الجماعات البشرية على البسيطة، ويُعد في المرحلة المعاصرة الهدف الإستراتيجي الذي يسعى إلى تعزيز فاعليته المجتمع الدولي في خريطة الطريق لإنجاز أهداف التنمية المستدامة.

المعضلات البيئية المعاصرة ترتبط بالنمط غير الرشيد للسلوك البشري، وهي منتج فعلي لثقافة الاستهلاك والإنتاج غير المستدام، وتتمثل تلك المعضلات في التدهور البيئي والاستغلال غير الرشيد للموارد الطبيعية، وتزايد حالة الفقر في العالم، وتصاعد وتائر حاﻻت التلوث بمختلف أشكاله، وانتشار الأمراض وتردي الأوضاع الصحية للفقراء، وتصاعد وتائر الصراعات والحروب، وتزايد جيش اللاجئين البيئيين، وفقدان الأمن البيئي للإنسانية.

المشهد الرمضاني من المشاهد العميقة الدﻻلات في مضمون جوهر ثقافة الاستهلاك غير المستدام في مفاهيم السلوك البشري في مجتمعنا الخليجي، إذ تشهد الأيام الرمضانية مظاهر البهرجة في استهلاك الموارد وبشكل مبالغ فيه، والتي تزيد عن مستوى احتياجات الفرد، وتجد هذه المواد طريقها إلى مكب النفايات، كما تزدحم الممرات والشوارع والطرقات والمنتزهات والحدائق بأكوام المخلفات والنفايات وبقايا الأطعمة التي يجرى رميها، وتتسبب في تلويث المناطق العامة، والبيئات الساحلية المواقع الحيوية لتواجد المجتمعات المحلية، وتشويه مظهرها الحضاري، وتترك أثرا سلبيا على الحالة النفسية، والأمن الصحي والبيئي للمجتمع.

تلك المشاهد والوقائع السلبية للسلوك البشري تمثل الجوهر الفعلي لمضمون أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدها المجتمع الدولي في سبتمبر/ أيلول 2015، ويدخل ضمن منظومتها، القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان، والقضاء على الجوع، وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة، وتعزيز الزراعة المستدامة، وضمان تمتّع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار، وضمان توافر المياة، وخدمات الصرف الصحي للجميع، وضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين كل النساء والفتيات وضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة، وتعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع، والحد من انعدام المساواة داخل البلدان وفيما بينها، وجعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع، وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة، واتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره، وحفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة، وحماية النظم الإيكولوجية البرية، وترميمها وتعزيز استخدامها على نحو مستدام، وإدارة الغابات على نحو مستدام، ومكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي وعكس مساره، ووقف فقدان التنوع البيولوجي، والسلام والعدل والمؤسسات، وتعزيز وسائل التنفيذ، وتنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة، وتساهم تلك الأهداف مجتمعة في بناء مخارج لرؤية مجتمعية واعية في مفاهيم السلوك البشري في شأن تعزيز مقومات منهج الاستهلاك والإنتاج المستدام.

القراءة المتمعنة للبعد الإستراتيجي للهدف «12» الذي يشدد على «ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدام» يمثل في جوهر مقاصده الأهم في استراتيجية بناء ثقافة الإنتاج والاستهلاك المستدام، إذ يتبنى مجموعة من الاجراءات يمكن الإشارة الى بعض منها وتتمثل في تحقيق الإدارة المستدامة، والاستخدام الكفء للموارد الطبيعية، بحلول العام 2030، وتخفيض نصيب الفرد من النفايات الغذائية العالمية على صعيد أماكن البيع بالتجزئة والمستهلكين بمقدار النصف، والحد من خسائر الأغذية في مراحل الإنتاج وسلاسل الإمداد، بما في ذلك خسائر ما بعد الحصاد، بحلول العام 2030، وتحقيق الإدارة السليمة بيئيا للمواد الكيميائية والنفايات طوال دورة عمرها، وفقا للأطر الدولية المتفق عليها، والحد بدرجة كبيرة من إطلاقها في الهواء والماء والتربة، من أجل التقليل إلى أدنى حد من آثارها الضارة على صحة الإنسان والبيئة، بحلول 12 مايو/ أيار 2020، والحد بدرجة كبيرة من إنتاج النفايات، من خلال المنع والتخفيض وإعادة التدوير وإعادة الاستعمال، بحلول العام 2030، وتشجيع الشركات، ولا سيما الشركات الكبيرة وعبر الوطنية، على اعتماد ممارسات مستدامة، وإدراج معلومات الاستدامة في دورة تقديم تقاريرها، وتعزيز ممارسات الشراء العام المستدامة، وفقا للسياسات والأولويات الوطنية، وضمان أن تتوافر للناس في كل مكان المعلومات ذات الصلة، والوعي بالتنمية المستدامة وأنماط العيش في وئام مع الطبيعة بحلول العام 2030، ودعم البلدان النامية لتعزيز قدراتها العلمية والتكنولوجية للمضي قدما نحو تحقيق أنماط الاستهلاك والإنتاج الأكثر استدامة، ووضع وتنفيذ أدوات لرصد تأثيرات التنمية المستدامة على السياحة المستدامة التي توفر فرص العمل وتعزز الثقافة والمنتجات المحلية.

السؤال الذي يشغل تفكير الكثيرين ما الذي ينبغي فعله لتحسين السلوك البيئي للمجتمع؟ وكيف يمكن جعل هذه الأهداف مقوما فعليا في القرارات والسياسات الاستراتيجية للخطط التنموية للدول؟ وهل تجد الأهداف التي اعتمدها المجتمع الدولي موقعها في خطط العمل التنفيذي للدول والقرار الدولي البيئي؟

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5039 - الخميس 23 يونيو 2016م الموافق 18 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:05 ص

      للأسف دكتور هناك أنماط من السلوك البشري تدعو الي الاستغراب و توصف تارةً بالسلبية ورغبة في الانعزالية ,و اخري تميل إلى التعبير عن نفسها بصوت التهديد و الاتجاه العدواني
      فنحنوا و بكل صراحة بين قطبين متناقضين تماماً , العدوانية والعنف من ناحية و السلبية الشديدة واللامبالاة من جهة أخرى
      السوْال الذي يطرق قلبي لماذا لا يتعامل الفرد منا بثقة واعتدال وتوازن ؟ و لماذا لا يكون التعبير لدينا ياخذ الوسطية في التعامل مع الآخرين ......

    • زائر 1 | 4:04 ص

      شكراً سيدنا على مبادرتك طرح ترشيد الاستهلاك للموارد ونتمنى من القرّاء الأعزاء للمقال أن يبادروا في طرح هذا الموضوع في القرى بشكل عام ولو على شكل إقامة ندوة توعوية تثقيفية للبيئة
      أخوكم : عبدالله محمد حبيب

اقرأ ايضاً