العدد 5053 - الخميس 07 يوليو 2016م الموافق 02 شوال 1437هـ

الاتجار بالبشر... والأمن الإنساني

عبدالحسين شعبان comments [at] alwasatnews.com

كاتب عراقي وحقوقي عربي

من الظواهر الخطيرة التي تتعلّق بالأمن الإنساني، ظاهرة الاتجار بالبشر، وهي وإنْ كانت قديمة تتعلّق بالعبودية والرق وامتهان الكرامة الإنسانية والتمييز بين البشر، لكنها بفعل العولمة وما حصل من تطوّر كبير في تكنولوجيا الإعلام والمعلومات ووسائل الاتصال، أصبحت تهدّد الأمن الإنساني، سواءً في البلدان المصدّرة لها أو بلدان الممر والمعْبر، أو في بلدان المستقر. وهناك وجه آخر لها برز خلال السنوات الأخيرة، بما له علاقة بالإرهاب الدولي، سواء عمليات تجنيد الإرهابيين أو تغذية الإرهاب من خلال التجارة غير المشروعة بالأشخاص أو الأسلحة أو المخدرات أو غسيل الأموال أو التزوير أو غير ذلك.

وتعني ظاهرة الاتجار بالبشر: الانتقال غير القانوني من بلد إلى آخر بهدف المتاجرة غير المشروعة والحصول على الربح في الغالب، واحتمال الاستغلال اللاحق للذين يتم انتقالهم من بلد إلى آخر عن طريق التهريب، أي أنه بتعريف اتفاقية الأمم المتحدة لعام 2000 والتي دخلت حيّز التنفيذ العام 2003: تجنيد للأشخاص بنقلهم أو ترحيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم، سواء التهديد بالقوة أو باستخدامها، أو غير ذلك من أشكال القسر والاختطاف والاحتيال والخداع لغرض الاستغلال.

وقد ألحقت هذه الاتفاقية بشأن الجريمة المنظمة، 3 بروتوكولات، هي: الأول: برتوكول الاتجار بالأشخاص، وخصوصاً النساء والأطفال. والثاني: بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين، عن طريق البر والبحر والجو. والثالث: بروتوكول مكافحة الصنع غير المشروع والاتجار بالأسلحة النارية.

وقد شهد العالم خلال العامين 2015 و2016 هجرة لم يسبق لها مثيل، شملت فئات واسعة من السكان لأسباب تتعلّق بالحروب والنزاعات المسلحة وانهيار سلطة القانون والحصار والاحتلال، لا سيّما من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد أثار هذا الأمر خلافات حادة بين تركيا واليونان من جهة وعدد من البلدان الأوروبية،، مثل النمسا وهنغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وبعض دول شمال أوروبا، بشأن التزاماتها إزاء حقوق اللاجئين بشكل خاص، وحقوق الإنسان بشكل عام، الأمر الذي طرح بقوة موضوع جريمة الاتّجار بالبشر.

وتعتبر هذه الجريمة معضلة قانونية وحقوقية وأخلاقية بامتياز، إضافة إلى كونها قضية إنسانية أساساً، وخصوصاً تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وانعكاساتها على السلم المجتمعي والدولي، لا سيّما ما يتعلّق بالأمن الإنساني، ذلك أن الاتّجار بالبشر هو جريمة تنتهك بصورة صارخة كامل منظومة حقوق الإنسان، والقيم والتعاليم الأخلاقية والدينية.

وتعمل الكثير من العصابات الدولية اليوم لاستثمار الثغرات في القوانين الدولية والوطنية لمواصلة الكسب غير المشروع والحصول على المزيد من الأرباح والإفلات من العقاب، على حساب الجانب الإنساني والأخلاقي، وهو ما شخّصه مؤتمر فيينا لعام 2008 لمكافحة الاتّجار بالبشر والمؤتمر الإقليمي المنعقد في عمان 2010، وقد صدَّق على الاتفاقية الدولية 180 دولة عضو في الأمم المتحدة، وذلك حتى العام 2015.

إن جريمة الاتّجار بالبشر، إضافة إلى الجرائم المنظمة الأخرى التي تمت الإشارة إليها هي جرائم ما فوق قومية وعابرة للقارات، وهي شكل مستحدثٌ من أشكال المافيا الجديدة، كما أشار إلى ذلك فرناندو أساور المدعي العام الإيطالي في مؤتمر دوكان المتميّز الذي انعقد في السليمانية في كردستان العراق العام 2012.

وكانت حالة سرقة الأعضاء البشرية من الضحايا الفلسطينيين الذين يتم اغتيالهم من جانب السلطات «الإسرائيلية» التي أسهم في كشفها الصحافي السويدي دونالد بوستروم، فضيحة دولية بكل معنى الكلمة، وهي جريمة دولية ترتب مسئوليات على عاتق الحكومات والمجتمع الدولي لمعالجة آثارها ووضع حد لها، ناهيكم عن إنزال أشد العقوبات بمرتكبيها.

إن الاتجار بالبشر هو نشاط سري عابر للدول والحدود والقارات ويشمل النساء والرجال والأطفال، في ظروف عمل لا إنسانية بالنسبة للرجال، وظروف أقرب إلى الاسترقاق أو العبودية بالنسبة للنساء، إضافة إلى الاستغلال الجنسي، وبالنسبة للأطفال استخدامهم بالتسوّل أو كباعة متجوّلين، واستغلالهم جنسياً في الكثير من الأحيان، إضافة إلى محاولات تجنيد بعضهم في صفوف الإرهابيين، وفي ميليشيات أو جماعات خارجة على القانون، كما فعل داعش، ناهيك عن معاملته اللّاإنسانية مع المسيحيين والإيزيديين، ولا سيّما النساء وغير المسلمين عموماً، بل والمسلمين الذين لا يقرّون بمنهجه التكفيري.

وعلى رغم الجهود الدولية في ميدان مكافحة الاتجار بالبشر، فإن المعلومات مازالت شحيحة بخصوصه؛ لأن بعضها يتخفّى وراء نشاطات «شرعية»، بتواطؤ مع جهات متنفّذة في بعض الحكومات، بما يتعارض مع قواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977.

وقد أشار تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009 والموسوم «تحدّيات أمن الإنسان في البلدان العربية» إلى الوسائل التي يستخدمها التجار الذين يقومون بالاتجار بالبشر بمختلف الأساليب لجني الأرباح، سواءً كان ذلك عبر الخطف أو القسر أو احتجاز الاستحقاقات المالية، أو الإغراق بالديون، أو منع الأشخاص من التواصل مع الآخرين، أو فصلهم عن عائلاتهم، أو مصادرة جوازات سفرهم، أو تعنيفهم وإذلالهم أو تهديدهم بالسجن أو الترحيل. وهذا كلّه يؤدي إلى انعدام الأمن الشخصي وخصوصاً للفئات الضعيفة، إضافة إلى المجتمع ككل.

ولا شكّ في أن الاتجار بالبشر يقوّض عملية التنمية؛ لأنه يساهم في تعميق حالة الفقر وعدم المساواة، من خلال الرشا والفساد المالي والإداري، ويساهم في ارتفاع نسبة الجريمة المنظّمة بمختلف فروعها، وقد ناقشت الأمم المتحدة في خطتها للتنمية العام 2015 الأهداف التي ترمي إلى الحدّ من أعداد الأشخاص الذين يتم الاتجار بهم، ناهيك عن التأثيرات النفسية والصحية على الضحايا أنفسهم، إضافة إلى إضعاف حكم القانون، وخفض عائدات الضرائب وتحويلات المهاجرين، ويساهم في تفتيت الأسر، ويحرم الأطفال في التعليم ويفاقم من مشكلات الصحة العامة ونشر فيروس نقص المناعة (الإيدز).

ولعلّ مناسبة الحديث عن الاتجار بالبشر، هو ورشة عمل متخصّصة عقدها المركز العربي لتطوّر حكم القانون والنزاهة، في بيروت بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية، وتم تقديم 12 بحثا لخبراء دوليين في ميادين الجريمة المنظمة بأنواعها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسين شعبان"

العدد 5053 - الخميس 07 يوليو 2016م الموافق 02 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:17 ص

      استغلال جنسي ودعارة وعمل بلا ضمير ولا أخلاق
      آخره الفتاة الكولومبية ، تعالي اشتغلي في مطعم أو في شركة او مقهى او صالون وآخرها في براثن الدعاره ، بل وينظر لكل من يحمل هذة الجنسية العربية وغيرها من هذا المنظور ويفاقم الوضع . وهذا في كثير من البلدان خصوصا ان بعض الجنسيات حقوقها مضيعة لدى بعض السلطات لذلك ( استغلالهم سهل ) ، كما يجري في لبنان حيث يمزقون مستمسكات العاملات في هذه الأمور للسيطرة التةمة عليهم ...

اقرأ ايضاً