العدد 5053 - الخميس 07 يوليو 2016م الموافق 02 شوال 1437هـ

السياحة المستدامة في ثقافة السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

السياحة البيئية ثقافة متأصلة في مفاهيم وتقاليد المجتمعات القديمة، وبالأخص منها تلك التي تعيش في وسط البيئات الطبيعية وتشكل مصدر حياتها ومعيشتها وبقائها وتطورها الحضاري، وتشكل ثقافة العلاقة مع البيئات الطبيعية مؤشراً رئيساً في المفهوم الحديث للسياحة البيئية، ولهذه الثقافة أصولها ومفاهيمها في قيم العلاقة اﻻجتماعية مع نظم البيئات الطبيعية قبل أن يتبنى المجتمع الدولي هذا المفهوم، وأن ثوابت العلاقة التاريخية للمجتمعات القديمة تجسد في جوهر مضمونها مفهوم التنمية المستدامة الذي تبنته الجماعة الدولية في المرحلة الحديثة لتطور المجتمعات البشرية.

المجتمع الدولي اخذاً في الاعتبار ما شهدته العلاقة البشرية من تغير ملحوظ وانحراف في سلوكها وممارساتها غير الرشيدة في العلاقة مع البيئات الطبيعية، وبناء على القراءة والمراجعة الدقيقة للأنشطة البشرية التي تركت آثارها السلبية والخطيرة على نظم البيئات الطبيعية، وعلى مناهج الاستثمار الموزون للثروات التي تكتنزه تلك البيئات، وتعزيزاً لفاعلية إجراءات إنجاز أهداف التنمية المستدامة، تبنّي المجتمع الدولي نهج السياحة البيئية مخرج عملي في تحقيق ذلك الإنجاز، وجسد ذلك في منظومة مبادئ مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة - ريو دي جانيرو - 2012، إذ يجري التأكيد في المبدأ (130) «أن السياحة، إذا أُتيح لها حسن التخطيط والإدارة، يكون بمقدورها أن تسهم إسهاماً كبيراً في أبعاد التنمية المستدامة الثلاثة، وأن لها صلات وثيقة بالقطاعات الأخرى، وبإمكاﻧﻬا أن تخلق فرصاً للعمل اللائق وفرصاً للنشاط التجاري».

وندرك الحاجة إلى دعم أنشطة السياحة المستدامة وبناء القدرات ذات الصلة التي تشيع الوعي البيئي، وتحفظ البيئة وتحميها، وتحترم الحياة البرية والغطاء النباتي والتنوع البيولوجي والنظم الايكولوجية والتنوع الثقافي، وتحسن مستوى رفاهية اﻟﻤﺠتمعات المحلية وسبل عيشها من خلال دعم اقتصاداﺗﻬا المحلية والبيئة البشرية والطبيعية ككل.

وندعو إلى تعزيز الدعم المقدم لأنشطة السياحة المستدامة وبناء القدرات ذات الصلة في البلدان النامية من أجل المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة» ويشير المبدأ (131) إلى أن المجتمع الدولي يشجع «على تعزيز الاستثمار في السياحة المستدامة، بما في ذلك السياحة البيئية والسياحة الثقافية، وذلك بطرق منها إنشاء المقاولات الصغيرة والمتوسطة وتيسير الحصول على التمويل، بما في ذلك من خلال مبادرات القروض البالغة الصغر المقدمة للفقراء والشعوب الأصلية واﻟﻤﺠتمعات المحلية في المناطق التي تزخر بإمكانات كبيرة للسياحة البيئية. وفي هذا الصدد، نؤكد أهمية وضع ما يناسب من مبادئ توجيهية ولوائح، حيثما كان ذلك ضرورياً، وفقاً للأولويات والتشريعات الوطنية ﺑﻬدف تعزيز السياحة المستدامة ودعمها».

المجتمع البحريني عُرف بثقافة علاقته الموزونة مع البيئات الطبيعة وكان يعيش في وئام وتفاعل إيجابي مع الطبيعة، وتشير الدﻻلات إلى أن العلاقة التاريخية للمجتمع البحريني مع معالم النظم البيئية ترتكز على ثوابت النهج الواعي والحكيم ويتمسك بقيم ومبادئ راسخة ترتكز على مفاهيم اﻻتزان والسلوك الرشيد في منظومة علاقاته بالبيئات الزراعية والبرية والساحلية والبحرية قبل المتغيرات السلبية في مفاهيم العلاقة التي نشهد مظاهرها في البيئات الطبيعية في المرحلة المعاصرة، وبالأخص منها في بيئات المناطق البحرية والساحلية.

بيئات المناطق البحرية والساحلية ثروة وطنية يمكن استثمارها في استراتيجية السياحة البيئية وكمصدر للدخل القومي، ومن المعروف أن البحرين تتميز بجزرها وعدد مهم من الهيرات التي تتميز بمعالم ثرواتها الطبيعية وتنوعها الأحيائي وتستحوذ على إعجاب واهتمام محبي الغوص والرياضات البحرية المختلفة.

إن ما أثار اهتمامنا في التركيز على هذا الموضوع الحيوي كثروة اقتصادية واجتماعية وكمشروع بيئي وسياحي مهم، زيارتنا إلى غابات أشجار القرم في محمية رأس سند ضمن جولة استطلاعية برفقة الرئيس التنفيذي للمجلس الأعلى للبيئة محمد مبارك بن دينة وفريق مهني من إدارة التنوع الحيوي في المجلس، وبمصاحبة الإعلامي في صحيفة «الوسط» قاسم حسين، ومسئول الإعلام في جمعية البحرين للبيئة هادي سعيد الوداعي، وجرى تنظيم الجولة في إطار التعاون المشترك بين المجلس الأعلى للبيئة وجمعية البحرين للبيئة وتُمثل في مضمونها تجسيداً فعلياً للشراكة المجتمعية في إنجاز أهداف المشروع الوطني البيئي، وتَمثل هدف الجولة في الإطلاع على الواقع البيئي في محمية أشجار القرم في رأس سند.

المناظر الطبيعية التي شهدناها، ومشاهد الأنشطة البشرية غير الرشيدة في محيط المحمية تبرز حالة متناقضة في مضامين جوهرها، إذ تترك تلك الأنشطة أثرها السلبي على المكون البيئي والجمالي والحضاري لمعالم النظام البيئي لتلك البقعة الرائعة الجمال في مظهرها الطبيعي، فعندما أبحرنا في عمق غابات أشجار القرم وجدنا بقعة رائعة الجمال الطبيعي حيث الأشجار الكثيفة والمستوى المعتدل للحرارة برغم طقس الصيف الحار في خارج المحمية، وشهدنا في سياق جولتنا أنواعاً مختلفة من الطيور النادرة التي وجدت في طبيعة المكان ملجأ آمناً لبناء أعشاشها والتكاثر بأمان بعيداً عن التعديات البشرية، وشعرنا بحالة من الاسترخاء في أجوائها الطبيعية، واستمعنا في جولتنا إلى شرح مفصّل عن الإجراءات التي يتبنّاها المجلس الأعلى للبيئة لصون المعالم الطبيعية للمحمية، والمصاعب المختلفة في طبيعتها وأسبابها وعناصر مكونها المؤسسي والمالي والاجتماعي والبيئي التي تواجه تلك الجهود، وتتسبب في تراجع برنامج إعادة تأهيلها وحمايتها وتنميتها، وتلك مصاعب بالتأكيد في حاجة إلى وجود قرار حكومي وشراكة مؤسسية ومجتمعية وتظافر مختلف أطياف القطاعات المؤسسية الحكومية والخاصة والمجتمع المدني والمجتمعات المحلية للتمكن من تعزيز إيجابية تلك الإجراءات في صون المعالم الطبيعية للمحمية.

الحقائق التي بيّنها المسئولون في المجلس الأعلى للبيئة تشير إلى التوجُّه المسئول لصون هذه الثروة الوطنية وتحويلها إلى موقع طبيعي للراحة والاستجمام وفق المعايير العالمية الحديثة للسياحة البيئية، يمكن الاستفادة منها في إيجاد مصادر مستدامة للدخل، وتشغيل الأيدي العاملة المحلية، وبما يفيد دعم الاقتصاد الوطني، وذلك ما ينتظر ثمرته الجميع.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5053 - الخميس 07 يوليو 2016م الموافق 02 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً