العدد 5053 - الخميس 07 يوليو 2016م الموافق 02 شوال 1437هـ

«الروبيان» والبلابل

رضي السماك

كاتب بحريني

جاء في مقدمة تقرير إخباري عن محاضرة بشأن أهمية البحار لمستقبل البشرية، ألقاها رئيس اتحاد استكشاف المحيطات الأميركي روبرت بالارد، مُكتشف بقايا «تايتنك» بمجلس ولي عهد إمارة أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، أن الإنسان استهلك غالبية الثروات على الأرض، ودمّر مساحتها الشاسعة، وبات يعيش على 5 % فقط مما تبقى منها. ويذكر المحاضر أيضاً أن أعماق البحار تُمثل أضخم متحف على الأرض، يضم أكثر من مليوني سفينة غارقة على امتداد التاريخ البشري السحيق، والأهم من ذلك فقد أضاف بالارد أن الآفاق واعدة بظهور المزارع على سطح البحار، لكن ما لم يقله بالارد ما هي الضمانات الدولية الحديدية إذا ما تحققت هذه التوقعات العملية غير الخيالية ألا يقوم «الإنسان» بتدمير البيئة البحرية من الداخل بطول البحار والمحيطات وعرضها؟ تماماً كما فعل على سطح الأرض، أو لم يفعل ذلك بثروات الأرض غير المستكشفة غداة الثورة الصناعية ثم قام بعد استكشافها باستنزافها وتدميرها تدميراً منهجياً براً وبحراً بما يخدم مصالح أنانية لقلة من البشر تهيمن على مُقدرات شعوبها؛ بل وعدد كبير من شعوب العالم؟

وغني عن القول أن تلك الصورة القاتمة التي أضحت عليها البيئة والثروات الطبيعية على مستوى العالم، إنما تتعاظم مأساتها من بلد إلى آخر تبعاً لحجم مساحاتها الجغرافية، فكلما تقلصت مساحة البلد تضاءلت فرص تعويضه عما دمره من هذه الثروات في البحر وعلى اليابسة فيما تبقى منها. وكما نعلم فإنّ بلادنا هي واحدة من أصغر دول في العالم، لكن المشكلة نحن كعرب لا نلتفت للمخاطر البيئية التي تواجهنا إلا بعد فوات الأوان. ويحضرني هنا مثالان لعلهما يلخصان بكثافة في رمزيتهما مأساة بيئتنا الطبيعية بشقيها البحري والزراعي، وكلاهما مستخلصان من واقع مشاهدة شخصية عيانية لسوق جدحفص، الأول يتعلق بالروبيان، إذ بقدر ما يسعد المرء لحملات التفتيش الفجائية لمصادرة ثلاجات «الروبيان» من البائعين في موسم حظر اصطيادها، يبقى التساؤل مشروعاً عن جدوى هذه الإجراءات الاحترازية في ظل غياب آليات الرقابة الصارمة الموازية لها تجاه استمرار أعمال التوسع الهائلة في دفان البحر، والتي تجمع كل التقارير والدراسات الرسمية والأهلية بمخاطرها الجمّة على الحياة الفطرية البحرية بمجملها لا «الروبيان» وحده؟ دع عنك القضاء المُبرم على خليج توبلي أكبر مخزون طبيعي لتكاثره. أمّا المثال الثاني فيتعلق بأجمل الطيور البحرينية وأعذبها تغريداً ألا هي «البلابل» والتي تُباع في هذه السوق وغيرها من الأسواق، ولعلَّ المعنيين بحمايتها قد أدركوا أخيراً بعبثية حملاتهم التفتيشية في ظل استمرار عمليات الإعدام المنهجية لموائلها من غابات نخيل وحقول وبساتين والقائمة على قدم وساق أمام مرأى الجميع منذ عقود بحيث لم يتبقَّ منها، كما يعرف القاصي والداني، إلا النزر اليسير لحياة ما تبقى من هذه الطيور منتظراً بدوره رصاصة الرحمة الأخيرة عليه ليُسدل الستار بذلك على آخر فصل من فصول هذه القصة الكارثية البيئية التاريخية المحُزنة والتي مازلنا شهوداً لا حول لهم ولا قوة في الحيلولة دون وقوعها!

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5053 - الخميس 07 يوليو 2016م الموافق 02 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 10:56 ص

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      ايه والله صدقت الطبيعه تدمر يوم بعد يوم

    • زائر 2 | 3:50 ص

      البلابل( البلابيل) اليوم تربى في البيوت وتتكاثر في الأقفاص الكبيرة، اليوم اعداد البلابيل المتوفرة اكبر بكبير عن ما كانت عليه قبل نحو خمس سنوات، انا ارى انه لو اراد لهذا الطائر ان يبقى، فيجب زيادة تربيته في البيوت.

    • زائر 1 | 2:14 ص

      طلب:
      اتمني ان تتوسع في مقالك و تكتب عن كل ما تم القضاء عليه. بدأ من العيون الطبيعية و حتي البيوت الاثرية . ثم طرح هذا السؤال: ماذا ابقينا للاجيال القادمة؟

اقرأ ايضاً