العدد 5057 - الإثنين 11 يوليو 2016م الموافق 06 شوال 1437هـ

أزمة النفايات... وقفة تأمل في ثقافة السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

منذ أن استلمت الشركة الإسبانية مهام عملها في جمع المخلفات، ومسئولية الحفاظ على النظافة العامة في المحافظتين الجنوبية والشمالية، وفق الاتفاقية الموقعة مع الشركة، بدا الخلل واضحاً في النشاط المهني للشركة، وصارت أكوام المخلفات المنزلية في تزايد متواتر، وأضحت ظاهرة مرعبة وغير مريحة لمعيشة المجتمع ومشهد مثير للجدل، وتركت الحالة آثارها السلبية على نفسية ومخاوف المجتمع من المخاطر غير المرئية للنفايات المكدسة في الأحياء والطرقات والممرات، وفي مواقع الراحة والسياحة الاجتماعية، وفي حالة استمرار المشكلة دون حل جذري، فإن أكوام المخلفات المتعفنة، من الطبيعي تتسبب في حدوث أضرار سلبية على صحة المجتمعات المحلية، وانتشار القوارض والبعوض ما يؤدي إلى احتمالات انتشار الأوبئة والأمراض غير المرئية آثار مخاطرها الصحية.

الخوف من المجهول ترك أثره الفعلي على تفاعل الحوارات والجدل الإجتماعي بشأن المشكلة وأسبابها، والعمل على تبين مكامن الخلل والمسئول المباشر في بروز الأزمة القائمة، وما هو حاصل من خلل في إدارة عملية إزالة النفايات، ونرى أن الإجابة على ما هو مطروح من أسئلة يتطلب البحث عنها في جوهر الاتفاق المبرم مع الشركة، وتشخيص مفاصل الالتزامات والمسئوليات التي يمكن اﻻرتكاز عليها، في تحديد جوانب الخلل، والأسباب الفعلية في بروز الأزمة القائمة.

ومن الملاحظ أنه في سياق الجدل الحاصل، صدرت الكثير من التصريحات التي تعتبر السبب في الأزمة القائمة نتيجة زيادة مستوى استهلاك المواد الغذائية في العشر الأواخر من رمضان والعيد، وفي سياق تبادل الرؤى بشأن ذلك، تساءل عضو مجلس إدارة جمعية البحرين للبيئة ناصر عباس باستغراب «ليش أول مرة يصير عدنا عشر أواخر وعيد؟ كل سنة عدنا استهلاك وعيد وما صارت هذه المشكلة».

المجتمع على اختلاف مرئياته، تفاعل مع الحدث بشكل مسئول عبر مجموعات التواصل الاجتماعي المختلفة، وجرى في سياقها توثيق جوانب من مسببات الخلل في تراكم النفايات وبالأخص في المواقع اﻻستراتيجية للسياحة اﻻجتماعية، وفي سياق ذلك الجهد بادر عدد من أعضاء «جمعية متحدثي اللغة الروسية» عبر وسيلة التواصل اﻻجتماعي للجمعية في توجيه رسائلهم التوثيقية للوضع المأساوي في بلاج الجزائر، وساحل المالكية التي تبين مشاهدهما السلوك غير المسئول لأبناء للجالية الآسيوية في العلاقة مع نظافة المكان، وتحويل المعلَمين البيئيين إلى مكب للنفايات في ظل غياب الرقابة على ما يقومون به من أنشطة ومزاحمة المجتمعات المحلية في الراحة واﻻستجمام.

أزمة النفايات تصدرت أيضاً اهتمامات أعضاء جمعية البحرين للبيئة في المراحل الأولى للمشكلة، وفي سياق الحرص للمساهمة في تشخيص جوهر الأزمة جرى رصد ومتابعة الحالة، وتصوير عدد من المواقع في مناطق مختلفة في المحافظتين الشمالية والجنوبية، وإيصالها إلى الجهات المسئولة عبر قنوات التواصل الرسمية للجمعية، والتباحث وتبادل الرؤى في شأن ذلك مع عضو المجلس البلدي الشمالي علي عبدالله الشويخ في سياق حرص المسئول في تبين جوانب الخلل ومؤسسات الحل لتجاوز تداعيات الأزمة القائمة.

المشهد اﻻيجابي الذي ينبغي قراءة فوائد أبعاده والاستفادة من مخرجاته في تعزيز قيم المسئولية اﻻجتماعية في خطط العمل التنفيدي للتقليل من الآثار السلبية لمشكلة النفايات وبناء السلوك اﻻجتماعي القويم في الالتزام بمعايير النظافة العامة، الموقف اﻻجتماعي المسئول المتمثل في مبادرة عدد من القرى (المالكية والهملة ودار كليب) في تنظيم حملات التنظيف لإزالة المخلفات للمساهمة في الحد من تداعيات الأزمة على واقعهم المعيشي والصحي.

الحرص المسئول في البحث عن جذور الأزمة القائمة دفع أعضاء جمعية البحرين للبيئة في المبادرة بتنظيم جوﻻت ميدانية في المحافظتين للاطلاع على واقع نشاط شركة جمع النفايات، وجرى ملاحظة ظواهر غريبة في الممارسات المهنية لعمال الشركة، إذ يقومون بتفريغ ما في الحاويات، وترك القمامة تتطاير في الشارع، وإبقاء المخلفات في مكانها دون أن يقوموا بجمعها كما كانت تفعل الشركة السابقة، وذلك يشير إلى عدم التزام الشركة بمسئولياتها، إلى جانب ضعف المسئولية والوعي لعمال الشركة بالطرق المهنية في التعامل مع جمع المخلفات، ما يمثل عنصراً رئيساً في أسباب أزمة تراكم النفايات.

بالقراءة المتمعنة في جذور الأزمة يمكننا تشخيص مؤسسات جوهر الخلل، ويمكن حصره في الجوانب القانونية والإدارية والتوعوية والسلوك اﻻجتماعي، ويبدو أن الخلل في عمق جوهره يتمثل بشكل رئيس في الجانب القانوني والإداري، وينحدر ذلك على الفهم الخاطئ لمسلك ترشيد الإنفاق الذي قاد إلى اعتماد عرض الشركة الأقل في مطالبها المالية ضمن المناقصة، والتوقيع على اﻻتفاقية دون الإدراك أن الشركة تأخذ بالمعايير الأوروبية في إدارة عملية جمع النفايات، وبالتالي هي ليست في حاجة إلى عمال لجمع المخلفات المنزلية من جوار المنازل، وتنظيف الطرقات من المخلفات، إذ إن هناك معايير قانونية ملزمة في الدول الأوروبية، كما أن الوعي الاجتماعي في بلدهم بشأن فهم العلاقة مع هذا الموضوع متطور مقارنة مع مستوى الوعي البيئي المتدني في بلداننا، وذلك ما لمسناه في سياق متابعتنا ومشاهداتنا، إذ يجري رمي القمامة بشكل عشوائي، وذلك نعتبره جزءاً رئيساً في الأزمة القائمة.

وباﻻرتكاز على ما جرى تشخيصه، يمكن الجزم بأن المشكلة لن تجد حلاً إذا لم يجرِ تغيير آلية إدارة عملية جمع النفايات بالعودة إلى المنهج المتبع سابقاً، وذلك يتطلب عدداً كافياً من عمال النظافة المدربين، وإنزالهم في الأحياء والشوارع والطرقات والأماكن العامة، وبالاتساق مع ذلك ينبغي أن تعمل جهة الاختصاص في تعزيز الرقابة الإدارية على أنشطة الشركة، ونعتقد أن واقع الأزمة يؤكد ضرورة التسريع في إقرار قانون النظافة العامة وقانون البيئة، لتمكين جهات الاختصاص من تصحيح مناهج نشاطها الرقابي لتمكينها في إنجاز أهداف التنمية المستدامة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5057 - الإثنين 11 يوليو 2016م الموافق 06 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:55 م

      اختصار المقال في كلمتين

      تدشين القانون البيئي ( توعيه / ومواد قانونيه تخضع لنيابه البيئه )

    • زائر 1 | 9:25 ص

      اعتقد انك لمست جانب مهم من مسببات أزمة النفايات الحالية.
      الوعي البيئي ركيزة للخروج من هذه الأزمة، والتقليل منها يكون من خلال تقليل الاستهلاك اولاً و أعادة التدوير ثانياً، و فرض مخالفات للمخالفين بعدم رمي القمامة في المكان المخصص ثالثاً.
      نحن بحاجة لحوكمة بيئية اليوم اكثر من اي وقت مضى.

اقرأ ايضاً