العدد 5062 - السبت 16 يوليو 2016م الموافق 11 شوال 1437هـ

أمة «المُصَرقعون»... ما أدراكِ ما «البوكيمون»!

حافظ عبدالغفار comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كما يتعيّن على المرء أن يساير صرعات الموضة وموجة الحداثة وركب التطور، هل صار لزاماً عليه أن يخضع لآخر منتجات مصانع ألعاب الفيديو، ويستسلم لشطحات الهواتف النقالة؟

سيد الموقف وبطل الساحة في الآونة الأخيرة وبلا منازع هو المدعو «بوكيمون» الذي صرنا نسمع عنه بالمكتب وبالمجمعات وبالأسواق والفرجان والشوارع، وصار بين ليلة وضحاها الشغل الشاغل للأمة! لست أدري ولا أود أن أفهم ما الذي اعترى أجواء دولنا العربية خلال الأيام الأخيرة من حمم وشظايا «البوكيمون»، وكأن عالمنا العربي كانت تنقصه هذه الفتنة لتبريد الجراح التي أثقلت بها أوطان منكوبة، بحرائق الحروب والتشريد والاقتتال والفتن.

البعض قد يهوّن من الأمر شارحاً -على الطريقة القذافية- أن المسكين «بوكيمون» ما هو سوى شخصية ذات أصول عربية لها جذور مستعربة، فهو يعادل بوقيّمون (بو قِيَمٌ)، أي أنه أبو القيّم والمبادئ، وفي رواية: بوكيمون محسوب على أنه (بو قيِّمٌ) أي أبو قيِّمٌ، بمعنى له إبن قيِّمٌ بمسجد بحسب رواية «الساذجي» في ديوانه الركيك الـ «متفق عليه»!

وفي السياق ذاته، راح أحد خبراء الأرصاد المتحذلقين يفسره لنا على أن للبوكيمون علاقة بكوكب القمر؛ لأنه سيفتح للبشرية أبواب الخير مدراراً بمفاتيح تلك اللعبة، إذ أن البوكيمون في نظر ذلك الخبير هو القمر «مون» ذو المفتاح «بو كي»!

قبل أيام خرجت علينا مقاطع فيديو يتلو شاب في أحدها ما تيسر له من «مواعظ» على هواه، وبعبارات تدغدغ قلوب مستمعيها على شاكلة أنتم أمة العرب «كلما جاءكم اختراع استهجنتموه»! ويقصد الراديو والدراجة في بدايات ابتكارهما، ومن يقرأ بين سطور موعظة أخينا المتحمس يفهم أن المطلوب هو «الترحيب بالطوفان القادم»، أو اجعلوا هذا الاختراع المفروض عليكم أمراً عادياً ومسلياً جداً وتقبلوه بصدر رحب! جزيت أيها الواعظ الناهش للعقول، نتمنى بعد أن تركن سيارتك وقت تصوير الموعظة، أن نسمع منك مزيداً من المواعظ القادمة الهادفة التي تشحذ الهمم، وتقوي عقول الشباب وتغذيها، لا أن تخدرها بقناعاتك الشخصية!

هل موعظة أخينا هذه تعكس قمة التطور؟ أو إنها تمثل قمة الحداثة؟ أو تحقق قمة الرقي المأمول للشعوب؟ يريدون إيهام الشباب ذوي العقول الطرية بأن كل واحد منهم حتماً لن يصبح متطوراً ومسايراً لآخر صيحات التكنولوجيا حتى تتبع «بوكيمونهم»!

هل هذا حقاً ما كان ينقصنا يا عالم؟ يلقون علينا بفضلات تفاهات مصانعهم، ونحن نتلقفها ونتعلمها ونسايرهم ضاحكين، لمجرد أن البعض يجد فيها نوعاً من التنفيس عن ضغوط كرب ومحن الحياة اليومية، أو لينأى بنفسه بعيداً عن الغمة التي ابتليت بها الأمة!

لست صديقك يا بوكيمون، ولكن يا أنتم.. هل هذا هو الوقت المناسب للبحث عنه والتشطّر في إيجاده؟ هل الظفر بنشوة الانتصار حين العثور عليه هي بدرجة نشوة الكشف عن المسببات الفعلية لمشاكل تردي وانتكاسة الأمتين العربية والاسلامية؟ أم إنها تعادل صرخة مكتشف قانون الجاذبية «وجدتها.. وجدتها»؟ وبدل أن يتفنن الواحد منهم في العثور على مواقع العفن في جسد الأمة أو مواقع الفتن والحزَن وإزالتها، صار للأسف يتشطر في إحصاء أعداد البوكيمونات المستخرجة والمعثور عليها!

آباؤنا وأجدادنا كانوا يقنصون الطيور الجارحة بوسائل جداً بسيطة.. وفي السابق كان الأولون يصطادون النمور والأسود والكواسر، بينما جيل اليوم صار يتنطط هنا وهناك وراء تلك فتنة نتفة البوكيمون!.. وبعد أن كانت الشعوب تخرج إلى الشوارع مرددةً شعارات وطنية هادفة راقية مليئة بالأصالة والعفة والنزاهة من أجل نصرة قضايا مصيرية، صرنا نشهد خروج وتدافع الكثيرين لأجل تلقف واقتناص البوكيمون!

أي خدرٍ اعترى الأمة؟ أي إغواء للشباب هذا؟ أي إشغال للعقول، أي غزو فكري هذا؟ أية طامة إنسانية هذه؟ كل هذا يجري في وقت خصصت فيه الصين نحو 30 مليون دولار لإنفاقها على برنامج لتعديل الطقس في إطار جهود لمكافحة الجفاف، والحدّ من تأثيرات الكوارث الطبيعية وللتعامل مع الظواهر المناخية الشديدة هذا العام، بما فيها بذر السحب لإحداث المطر خلال الجفاف، بينما أبناؤنا مشغولون ومتشاغلون ويتفننون ويتشطرون للبحث عن بوكيمون!

حقاً لقد تمكن هذا البوكي والقائمون عليه من إحداث انقلاب جذري في لعبة الحياة اليومية للأفراد شرقاً وغرباً، البعض ينظر إليها على أنها مجرد لعبة، غيرهم يجد فيها متنفساً، البعض الآخر يلجأ إليها لمجرد التشطر مع عناء البحث، بينما واقع الحال يؤكد إنها لعبة تندرج ضمن مسلسل الألعاب الرخيصة التي يخطط واضعوها من ورائها إلى إلهاء الشعوب المغلوبة على أمرها، وإغواء أفرادها المغفلين الغافلين، وإبعادهم عن معتقداتهم ومبادئهم وقضاياهم المصيرية وإشغالهم بالملهيات والتوافه الأخرى.

يوماً بعد آخر، لا تتفاجأ حينما تجد البعض يطرق عليك باب بيتك منتصف الليل لاقتناص البوكيمون، أو لا تعجب حين ترى أحد «المصرقعين» يسحب حقيبة زوجة أحدهم بداخل المجمعات التجارية، لا للسرقة ولكن لاستخراج البوكيمون وتحقيق الانتصار ومن ثم الرقص فرحاً، ما لم تجده ينزف أو يتلوى ألماً بفعل ردة فعل زوج صاحبة الحقيبة!

سؤالي الملح يبقى صداه متردداً.. هل هناك من يعدّد لي فائدة ايجابية واحدة للمدعو بوكيمون؟ من سيقول لي إن البوكيمون «يسلي»... سأسأله وهل «يصوم»؟

إقرأ أيضا لـ "حافظ عبدالغفار"

العدد 5062 - السبت 16 يوليو 2016م الموافق 11 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 1:45 ص

      والله اعطيه طراق امس مااشوف الا واحد ضارب على دريشة السيارة يبغي كلينكس كنت في الممشى اول مرة يصيدني جذي قلت جان قال يبغي بوكيمون بغسل شراعه عدل وبراويه شحط وش كبره ظلمته هههههههه اقول اليه عبالي تبغي بوكيمون في سيارتي ضحك

    • زائر 7 | 9:46 ص

      لا تلومون الاطفال والشباب وعلى ما اظن احسن من الشيشه والمقاهي والجلوس لساعات طويله امام بلاي استيشن طبعا لا اؤيده الا كملح الطعام اخي العزيز

    • زائر 6 | 4:24 ص

      لسنا وحدنا اللذين أصابهم الهوس
      لسنا وحدنا اللذين أصابهم الهوس ؛ بل معظم العالم , و سنسمع بعض المضحكات و المبكيات بسبب هذه اللعبة.
      ولا غرابة البتة ؛ فمن يعرف تركيب النفس البشرية ؛ سهل عليه التحكم بالبشر. إما بالفكر أو بالدين أو بالخرافة أو الشعوذة أو الشهوات أو الخوف أو الرغبات.

    • زائر 5 | 2:57 ص

      إذ أن البوكيمون في نظر ذلك الخبير هو القمر «مون» ذو المفتاح «بو كي»!
      أما أنا فتفسيري للإسم هو: (بوك مشحون جنون) أي (بوك جنون)

    • زائر 4 | 12:33 ص

      استخدام هالالعاب سخافة وهشاشة المجتمعات الخاوية من المضمون , شباب ضايع بعيد عن الله وعبادته وعن أداء الاعمال المناطة به , متى يعي الانسان حقيقة أنه لم يخلق عبثا ليلهوا , الله المستعان .

    • زائر 3 | 11:56 م

      "كانت الشعوب تخرج إلى الشوارع مرددةً شعارات وطنية هادفة راقية مليئة بالأصالة والعفة والنزاهة من أجل نصرة قضايا مصيرية"
      لا يمكن الإلقاء باللائمة على الشعوب التي حُرمت من حقها في الخروج لممارسة أهدافها فهذا ما أرادته أنظمة تلك الشعوب لتمميع قضاياها وإشغال شعوبها بشؤون سطحية

    • زائر 2 | 11:42 م

      الغريب في الأمر إن الناس هنا دائما ما تسارع لتلقف السفائف والأمور التي ترجعنا للوراء، ولكن لا نرى مثل هذا الحماس لتلقف الأمور الأخرى التي من شأنها إعلاء مستوى المجتمع الإنساني.

    • زائر 1 | 11:12 م

      احسنت

      ان شاء الله ماتوصل في ديرتنه هالسخافه هبابنه على اللي يجون انصاص الليالي ويروعونه

اقرأ ايضاً