العدد 5063 - الأحد 17 يوليو 2016م الموافق 12 شوال 1437هـ

من صدى الملعب النووي «الخفي»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما يتجاور بلدان (أو حتى حين يتباعدان) فإنهما يتنافسان في كل شيء. في السياسة الخارجية والقضايا الاستراتيجية، والمصالح الاقتصادية. ثم يظهر ذلك التنافس على «ظلّ» تلك المسائل التي قد لا تُرَى أحياناً إلاّ بمجهر وتتبع. فهناك قضايا سياسية لها باطن اقتصادي وقضايا اقتصادية لها جوهر سياسي. وهو أمر ينسحب على أشياء كثيرة في أنشطة الدول ومواقفها.

في الحالة الهندية - الباكستانية نرى الكثير من تلك الصور، التي تحتدم فيها المنافسة على الشيء وصداه. فعلى سبيل المثال، يوجد تنافس «نووي» بين البلدين، لكن يسعى البلدان أيضاً وبشكل حثيث للانضمام إلى ما يسمّى بمُورّدي المواد النووية (إن إس جي) التي تتألف من 48 دولة وتهدف (وفقاً للمعلَن من قِبَلها) إلى منع انتشار الأسلحة النووية من خلال تقييد عمليات بيع المنتجات والعناصر التي يُشَك في أنها تستخدم لصنع سلاح نووي. لكن، لماذا هذا الانضمام؟

تسعى الهند وباكستان إلى الانضمام إلى مجموعة مُورّدي المواد النووية بهدف إضفاء الشرعية على نشاطها التجاري النووي، وبالتالي تسهيل عملها وتخفيف القيود عليها، وجني أرباح تقدر بعشرات الملايين من الدولارات نتيجة بيع تقنيات نووية كالماء الثقيل أو سادس فلوريد اليورانيوم، وهو ما يعني أن الأمر له دواع اقتصادية، يمكن أن تساهم في رفد اقتصاد البلدين.

أيضاً، تمنح عملية الانضمام إلى المجموعة كلاًّ من الهند وباكستان القدرة على المشاركة في اتخاذ قرارات حاسمة بشأن مَنْ يُسمَح له شراء مواد وتقنيات نووية ومَنْ يُحظَر عليه ذلك ما يزيد من نفوذ هذه الدول المشاركة في السياسة العالمية. وهو ما يعني أن الإصرار على عملية الانضمام هو مشروع سياسي لثبيت قَدَمٍ الدولتين في سباق المنافسة، وفرض وقائع جديدة في جنوب شرق آسيا.

هذا الأمر له مشهد أوسع يتعلق بقدرة البلدين على تحشيد أكبر عدد من الدول لدعم موقفيهما. ففي مثل هذه القضايا ذات الطابع الدولي، والمتعلق بموازين القوى في القارات، والأقاليم يصبح الأمر معقداً أكثر ولا يمكن لدولة منفردة أن تصيغ السياسات وتصدر القرارات دون اللجوء إلى طلب المعاضدة من دول أخرى. كما يحصل مثلاً بالنسبة إل المنافسة بين الصين واليابان في آسيا.

وقبل فترة اتصل مستشار رئيس وزراء باكستان للشئون الخارجية سرتاج عزيز بنظيرته المكسيكية كلاوديا رويس ماسيو لحشد الجهود الدبلوماسية بشأن طلب بلاده الانضمام إلى مجموعة مُورّدي المواد النووية. وهي خطوة تعكس قلق إسلام أباد من مكسيكو بعد أن أيّد الرئيس إنريكه بينيا نييتو خلال استقباله رئيس الوزراء الهندي ناريندرامودي انضمام الهند إلى عضوية مجموعة المُورِّدين.

وكان من اللافت هو مواقف بعض الدول التي كانت تعارض انضمام الهند للمجموعة كجنوب إفريقيا ونيوزيلندا وتركيا إلاّ أن هذه الدول خفّفت من معارضتها للخطوة إلى حد ما، مما يفتح الباب لإجراءات قد تفضي إلى انضمام دول لم توقع على المعاهدة مثل الهند، وهو ما جعل باكستان تنشط دبلوماسيّاً مع كل من روسيا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية (التي استضافت الاجتماع الذي بدا أنه مؤيد للهند) لطلب دعمهم لانضمامها إلى المجموعة.

وفي (17 مايو/أيار الماضي) وخلال الجولة الثامنة من مباحثات مجموعة العمل المشتركة الأميركية الباكستانية بشأن عدم الانتشار والاستقرار الاستراتيجي والأمن جددت باكستان مطالبتها الولايات المتحدة الأميركية بمساعدتها في الوصول إلى التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، وأبدت رغبتها في التعاون مع واشنطن للاستخدام السلمي للعلم النووي في مجالات الصحة والزراعة والمياه، وعين إسلام أباد في ذلك على الانضمام إلى مجموعة المورّدين المذكورة.

لكن من المفارقات أن نجد الولايات المتحدة تقود جهوداً قوية لضم الهند (وليس باكستان) لمجموعة مُورّدي المواد النووية الحساسة، ربما نكاية بالصين وتقوية موقف اليابان في آسيا، وهو ما حصل قبل أكثر من شهر ونصف في العاصمة النمساوية فيينا. وهي جهود تلقى معارضة شديدة من بكين التي تشترط انضمام الهند إلى معاهدة حظر الانتشار النووي قبل أن تكون عضواً في مجموعة المُورِّدين. وهو ما يمنح المتابع إلى مدى تشعّب هذا الملف.

وربما هناك صورة أخرى من «الخشية» الأميركية أو الأوروبية من باكستان وهي المتعلقة بـ «تشديد الرقابة على أنظمة الصادرات الاستراتيجية». فالباكستانيون ما زالوا يدفعون ثمن أنشطة مؤسس البرنامج النووي الباكستاني عبدالقدير خان خلال السنوات الثلاثين الماضية عندما أدار شبكة باع من خلالها أسراراً نووية حساسة لدول من بينها العراق وكوريا الشمالية وإيران وليبيا.

على رغم أن باكستان قدّمت وعوداً قاطعة بأن ذلك لن يتكرر وأنها متعهدة «بأمن وسلامة أرصدتها النووية التي تخضع لنظام التحكم والقيادة الفعال والإجراءات ذات التكنولوجيا الحديثة» مع اهتمامها البالغ «بأمن وسلامة أسلحتها النووية» بحسب وصفها.

الحقيقة أن هذا الأمر حساس بالنسبة إلى الغرب. فموقفه من الهند وباكستان يسير بموازين دقيقة؛ لأن كليهما يرتبط معه بعلاقات استراتيجية. وباكستان ترى في ضمّ الهند إلى المجموعة واستثنائها إخلال بـ «التوازن التقليدي في منطقة جنوب آسيا». والهند ترى أن التباطؤ في ضمها سيعني تقوية لموقف الصين المتعاظم في القارة. لذلك فإن المسألة، (وعلى رغم المواقف المعلنة) حبلى بالتطورات، التي قد تستقر على «صيغة توفيقية» لإرضاء البلدين من منطلق أهميتهما.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5063 - الأحد 17 يوليو 2016م الموافق 12 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:16 ص

      الهند ستكون خلال العشر سنوات القادمة اكبر قوة عسكرية في منطقة المحيط الهندي و اذا استمرت الهند ببناء أسطولها البحري بهذه الوتيرة لا استبعد أبداً ان يحدث بينها و بين الصين صدام علني فالصين تريد ان تكون القوة المسيطرة على آسيا بينما الهند و اليابان و كوريا الجنوبية و فيتنام و الفلبين سيتحدون لمواجهة الصين

    • زائر 1 | 11:43 م

      يا عزيزي. رحت بعيد. اكتب عن الروبيان و أسعاره. الأدوية الناقصة في المراكز الصحية. الحر و غلاء الكهرباء. بس حتي نفهم. احنه علي قد عقلنا. إِيش فهمنا بالنووي. نواة التمر و طريقة الاستفادة منها اهم لنا من ما كتبته.

    • زائر 2 زائر 1 | 12:54 ص

      عزيز .. التنوع في المواضيع والاساليب والطرح هو مايميز الوسط وعشاقها

اقرأ ايضاً