العدد 5089 - الجمعة 12 أغسطس 2016م الموافق 09 ذي القعدة 1437هـ

مرهون: أكره تماماً فكرةَ الهوية!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

أربَكنا الجيل الجديد في الكتابة، أعني جيلَ أولئك الذين ذهبوا بعفوية وجرأة بالغتين إلى الكتابة في مطلع تسعينيات القرن الماضي. لأصححْ هنا: أربك الجيلَ الذي سبقه، ومنح الجيلَ الذي ينتمي إليه مزيداً من البياض والدافعية في تلك العفوية والجرأة. هو جيل استجواب الأفكار ومساءلتها.

من بين تلك الجرأة ذلك الانتخاب المتأنِّي للقراءات، واستجواب الأفكار التي استوتْ على المشهد الذي يضم أطيافاً مازالت متمسِّكة باجترار أفكار الماضي وملازمتها، وأطيافاً صاعدة التزمت بالتطهُّر من «الصنمية» التي كرَّستها أسماءٌ ونصوص.

لن أسرد الأسماء هذه المرة؛ لكن من المُجدي استحضار اسم من بين تلك الأسماء، من بينها الكاتب والصحافي حسين مرهون. ذلك الأنيقُ في ترتيب أفكاره وتقديمها. لا يُحضِّر للحُجَّة بقدر ما تأتيه، استحضاراً لما أخذ وترك من قراءات، ومن بينها الهوامش التي اتسعتْ وامتدَّت مع مرور الوقت، لكنها تحتاج إلى مزيد من الترتيب. ليس بمعنى الانتظام هنا؛ فربما تكون شيئاً آخر.

الجيلُ الجديد الذي أعْنيه برزتْ فيه أسماء مُهمَّة ولمَّاحة، اشتغلت على موضوعات هي على انسجام وتنافر في الوقت نفسه، من بينها الهوية. بعض ذهب إلى المنهجيات بشكل غارق، فأضاف إلى متاهاتنا متاهات، من دون أن يستجوبها. بعض تعامل معها بالعفوية والجرأة مع تأسيس لا يمكن إنكاره؛ فرشح عن كل ذلك كتابة طازجة وباهرة ورصينة في الوقت نفسه، تفتح شهية الأخذ والرد؛ ما ولَّد حراكاً مازالت ذاكرتنا تحتفظ به، يوم أن كانت الساحة بمنأى عن ترصُّد الهويات واستهدافها.

في مُدوَّنته، وضمن نافذة تعرُّفه على العالم، وليس تقديم تعريف لنفسه، كما يُفهم من قراءة أولى، يكتب: «مبدئياً، لا أحمل ضغينة لاسمي أو لشحّة شجرة نسبه المتوفرة. ضغينتي حياله تبدأ من حيث يتحوَّل إلى ميدان للهوية أبعد من تلك المحفوظة في السجلاَّت السكَّانية. إنني أكره تماماً فكرة الهوية، وأعتقد أنها المدخل الطبيعي لكل عنصرية»!

هل يمكنها أن تكون كذلك؟ الهويات تنتفي في الفضاء الذي لا يتشكَّل ولا تُعرف ملامحه وقيمته إلا بالتنوُّع والتعدُّد، في حراسة أنظمة وقوانين لا تُحاكم على الاعتداد بالهوية، مادامت لا تؤدِّي إلى مدخل مُدمِّر لاحتقار واستهداف هويات الآخرين. الفضاء الذي لا تتحدَّد الجدارة والكفاءة فيه تبعاً للهوية.

في «اللافضاء» الذي نولد ونعيش ونهرم ونموت فيه، يظل التلاعب واللعب بالهويات جزءاً لا يتجزأ من النظر والتقييم والاحترام، وكذلك العكس؛ ويتيح ذلك فضاء رحباً كي تتحرك العنصرية بإيعاز أو من دون إيعاز، بحرية تامة.

يضيف مرهون في الكتابة نفسها «كنت سأختار اسمي، لو جرَت الأمور على وفق هواي، من قاموس أية حرفة أو صنعة، على أن أختار اسماً يختزن داخله ظلالاً تُدخلني تلقائياً في (نا) ديانة أو فئة مذهبية وتخرجني من (نا) ديانة أو فئة مذهبية أخرى».

يكتب عن اسمه، من زاوية نظر الاستهداف، ويكتب عنه كما أراده، أو تمنَّاه. لا يقرب من الاسم، لو كان الفضاء الذي يتحرك فيه صاحبه غير مُلوَّت أو «مُستعمل» بحسب عبارة قاسم حدَّاد، لكنه يكتب ويقرب منه في ظل «اللعب والتلاعب بالهويات»، تلك الممارسة التي جرَّت وتجرُّ مزيداً من قبح الممارسات وبشاعتها، في غياب ما يضع حداً لهذا الجنون المفتوح على الخراب. الجنون في أقصى درجات الرداءة فيه.

قال: «أكره تماماً فكرة الهوية»، فكثير من الأفكار وإن استبدَّت في الزمن، يظل التخلُّص منها ضرورة، ليتحَّقق ولو اليسير من البيئة الطاردة لوحش ومسخ اسمه العنصرية!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 5089 - الجمعة 12 أغسطس 2016م الموافق 09 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً