العدد 5110 - الجمعة 02 سبتمبر 2016م الموافق 30 ذي القعدة 1437هـ

مشكلة السراويل!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خمس عشرة مدينة فرنسية قالت: لا لـ «البوركيني». والبوركيني هو لباس ابتكرته مُصمِّمة أسترالية من أصل لبناني تُدعَى عاهِدة الزناتي قبل عشر سنوات يُغطي كامل الرأس والجسد كي تستطيع النساء المسلمات الاندماج في المجتمع الاسترالي والاستمتاع بالبحر دون قيود.

أعود إلى مسألة هذا اللباس التي أثارها الفرنسيون (اليمينيون بالتحديد). فحسب توصيف قانون مدينة «كان» الفرنسية فإن البوركيني هو زيّ بحر «يسفر عن انتماء ديني، في الوقت الذي تستهدف الأعمال الإرهابية فيه فرنسا وأماكن العبادة» لذلك يرجح أنه «يمثل خطورة على النظام العام».

سروال وقميص، مع قبعة ملساء على الرأس باتت تهدد الأمن الفرنسي! بل بات يُنظَر إلى هذا اللباس (البوركيني) على أنه استعباد للمرأة كما قال رئيس وزراء فرنسا مانويل فان! أو أنه «زي الإسلاموية المتطرفة، وليس زي الدين الإسلامي» كما قال عمدة «كان» ديفيد ليسنار! هذا أمر جدير بالتأمل.

الحقيقة أن هذه المسألة تعيد طرح مفهوم «الهوية» التي يريد الغرب أن يتمسك بها، وهل هو فعلاً يريد مجتمعاً «علمانيّاً» خالصاً أم أنه يريد أن يجنح نحو اليمين كي يقيم فصلاً قطعيّاً بينه وبين الثقافات الأخرى التي تجاوره أو تلك التي تعيش معه؟ دعونا نتحدث عن ذلك بشيء من التفصيل.

هناك هوامش دينية أربعة تحكم العالم. هامشٌ بوذي يهيمن على الشرق الأدنى يضم اليابان والكوريتين والصين وفيتنام وبورما وتايلند وكمبوديا وأغلب سيرلانكا وبوتان وجزءاً من جوار ذلك. وهامشاً هندوسيّاً يهيمن على جنوب شرق آسيا يهيمن على الهند والنيبال وجزء من سيرلانكا.

وهناك هامش مسيحي يهيمن من غرب وجنوب الأميركيتين الشمالية والجنوبية وصولاً إلى أوربا الغربية والوسطى والجنوبية امتداداً حتى روسيا حيث المسيحية الأرثوذكسية. وهامش رابع مسلم يهيمن على آسيا الوسطى والقوقاز وغرب آسيا وإيران وشبه الجزيرة العربية وشمال ووسط إفريقيا امتداداً حتى باكستان وبنغلاديش وماليزيا وإندونيسيا وأجزاء من الهند.

هذه الهوامش الدينية، لم تعد هوامش «خالصة». فالصين البوذية بها الإيغور المسلمون. وسريلانكا السنهالية البوذية بها التاميل الهندوس. والهند الهندوسية بها المسلمون. والنيبال الهندوسية بها البوذيون. وكذلك الحال في بقية الدول كالكوريتين واليابان ومينامار وغيرها.

الحال في أوربا كذلك. فـ «مسيحية» القارة الصرفة لم تعد كما كانت إبّان الحروب الصليبية، بل أصبحت هناك هجرات، سواء بشكل اختياري أو بسبب الاستعمار، كما حصل بالنسبة إلى فرنسا مع المغاربة والجزائريين، أو مع مناطق البلقان إبّان الصراع العثماني الأوروبي على تلك المنطقة.

واليوم، يريد الغربيون (وبالتحديد دولاً بعينها كألمانيا) أن تُوطِّن مئات الآلاف (إن لم نقل الملايين تجاوزاً) من اللاجئين السوريين المَهَرَة، لاعتبارات اقتصادية وتنموية. لذلك، هذا الاختلاط أصبحت له ضريبة يجب أن يقبل بها الجميع، بمن فيهم الأوربيون أنفسهم، كما حصل مع الأفارقة حين شحنهم الرجل الأبيض بعد اكتشافه الأميركيتيين، للعمل في حقول العالم الجديد وأوربا.

نعم، نحن نتفق بأن يكون هناك حدود لمسألة «تجاوز الهوية». وأنه يجب البحث عن مشتركات أوسع بين الهوية الأكبر والأصغر للوصول إلى نقطة اتفاق كالنظرة إلى النقاب وإلى أشكال محددة للمظاهر، ولكن هناك أموراً يمكن التغاضي عنها؛ لأنها لا تشكل مساساً بعمق الهوية الأوروبية.

من بين تلك الأشياء هي ما يتم الحديث عنه اليوم وهي البوركيني. فهذا اللباس لا يُعد حالة دينية، بل هو أدنى في رمزيته من الحجاب (إن شئنا وأكَّدنا رمزيته). بل إن عديداً من غير المسلمين باتوا يرتدونه لدواع غير دينية، كتلك النسوة اللواتي أجريْنَ عمليات استئصال لأثدائهن، حيث اعتبرن ذلك لباساً يحفظ لهن حقوقهن في الذهاب إلى البحر وممارسة الرياضة دون أن يُسبب لهن حرجاً.

قانون الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في مادته التاسعة يؤكد «الحق في حرية الفكر والمعتقد والدين» وحق الشخص «علناً أو سرّاً، أن يظهر دينه أو اعتقاده، في العبادة، والتدريس، والممارسة والملاحظة»، لكن لا يبدو أن القوى اليمينية في فرنسا غير قادرة على استيعاب ذلك بشكل عملي.

وإذا ما تمّ الاعتماد على الاسثناء وهو اقتضاء «ضرورة في المجتمع الديمقراطي أو مصلحة الأمن العام، من أجل حماية النظام العام، أو الصحة، أو الأخلاق، أو من أجل حماية حقوق الآخرين وحرياتهم» فإن ذلك يعني شمول ما هو أوسع من مسألة البوركيني، كالشعائر وغيرها!

الحقيقة أن 85 في المئة من «هندوسية» الهند لم تمنع من أن يظهر أزيد من مئتي مليون هندي بحالتهم الإسلامية بـ «كلها» سواء من حيث المظهر أو الطقوس أو أماكن العبادة، لكن فرنسا تتمنع من أن يقوم 50 مليون مسلم يعيشون في أوروبا بأن يُظهروا جانباً «محدداً» من معتقداتهم في اللباس.

نحن لا ننكر أن المسلمين لديهم حقوق جيدة في أوروبا، لكن الحساسية من «مظاهر» الحالة الدينية في حدها الأدنى غير مبررة، وتحديداً عند بعض السياسيين الفرنسيين، على رغم أن فرنسا هي الدولة الأوروبية التي يتعيش فيها أكبر عدد من المسلمين. هذا أمر يجب أن يتنبّه إليه الفرنسيون، لأن معالجته بهذه الطريقة سيعمق لديهم المشاكل الاجتماعية وحتى الأمنية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5110 - الجمعة 02 سبتمبر 2016م الموافق 30 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 4:25 م

      من كم سنة قتلت فرنسا بنت مصرية محجبة لو فرنسية تجي عندنا انشان التنورة لفوق والشعر المصبوغ والمنفوش والمكياج اللامع الصارخ وتجلس على الكرسي في المطار وتمشي ولاحد يكلمها

    • زائر 13 | 10:45 ص

      مقال جميل

    • زائر 12 | 10:22 ص

      شكلك ما رحت ايران وشفتهم الاغلبية موملتزمات بالحجاب الاسلامي ...البحريينيات استر منهم بالف مرة ...وعندهم حرية..بسك من حجي الجرايد والتلفزيون...روح شوفهم واحكم..

    • زائر 10 | 5:33 ص

      # اشوي ابتعد عن الموضوع #
      الشر على حكومات الدول (العربية الإسلامية) اللي تسمح للاجانب اخذ راحتهم بالتعري واذا المسلم سافر للبلدان الغربية وجب علية التعري طبقا لقوانينهم.

    • زائر 9 | 5:06 ص

      الحقيقة انا ضد اجبار غير المسلمات على لبس الحجاب في بلد اسلامي و بالمثل اقف بشدة اكبر ضد اجبار المسلمات على التعري في بلد يدعي الحريات و الديمقراطية مثل فرنسا .. هل الحرية تعني التعري في حمام السباحة او في الشواطئ .. من حق اي امرأة او حتى رجل ان يكشف او لا يكشف جسده للناس فكان منظرا مقززا ان تجبر الشرطة الفرنسية امرأة ترتدي البوركيني الاسلامي على خلعه و التعري حقا منظر مسيئ جدا لفرنسا !

    • زائر 5 | 3:18 ص

      ماتطاول علينا وعلى ديننا الغريب الا من جراء اعمالنا

      نحن من اوصلنا فكرة سيئة عن الدين والاسلام والنبي العظيم .. نحن من اسئنا التصرف فجاءنا الجواب وحقيقه لا الوم الغرب على شي ابدا

    • زائر 4 | 2:26 ص

      هل تقبل الحكومة الإيرانية ان تلبس سيده غربية ......قطعتين في ايران ؟ ان كانت تقبل هذا فعندها فقط من حقنا ان نقول للفرنسيين لماذا تمنعون هذا اللباس

    • زائر 6 زائر 4 | 4:12 ص

      كلامك ليس له علاقة بموضوع الكاتب

    • زائر 8 زائر 4 | 4:52 ص

      غريبة عند ما تكون المسألة تخص المسلمين عامة ويطلع لك واحد يصر على تحجيم الموضوع وتلخيصه في دولة أو طائفة. يا أخي أن كنت بشر، ففكر كالبشر. وان كنت بشر مسلم، ففكر كباقي البشر المسلمين. هل في مفهومك أن إيران هي التي اخترعت البوركيني؟ أو الإيرانيات هم فقط من يلبسه؟ أو أن إيران هي الوحيدة المتأثرة بالمنع؟ أو أن إيران هي الوحيدة التي عارضت المنع؟
      كبر مخك شوي وفكر في المصلحة العامة للمسلمين وليس الفئة أو القبيلة.

    • زائر 11 زائر 4 | 8:28 ص

      كلامك صحيح اخي ما دام عندنا دول تجبر الناس على لبس الحجاب اذا من حق الفرنسيين ان يمنعوا البوركيني هذه بلادهم و من حقهم فرض اي قانون يريدونه مثل ما احنا لنا حق في بلدنا مشكلة المسلمين انهم يعتقدون ان الدنيا مفصله على مزاجهم حتى قوانينهم و عاداتهم يبغون يفرضونها على العالم لذلك البشرية تتقدم و تتطور بينما المسلمين بكل مذاهبهم دون استثناء يتقاتلون

    • زائر 3 | 2:02 ص

      المقال طويل اخويي يبي له وقت

    • زائر 7 زائر 3 | 4:13 ص

      ليس طويلا، بل شاملا .. شكرًا للكاتب

    • زائر 15 زائر 3 | 3:20 ص

      محد جابرك تقراه اخويي

    • زائر 2 | 1:37 ص

      اين الحريات ..

اقرأ ايضاً