العدد 5113 - الإثنين 05 سبتمبر 2016م الموافق 03 ذي الحجة 1437هـ

إلغاء الآخر

جميل المحاري jameel.almahari [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هنالك درجات عديدة تقاس من خلالها حالات التعصب الفكري والمذهبي، والتي قد تبدأ في أبسط مراحلها في إنكار وجود أي فضيلة أو أفكار صحيحة لدى الطرف الآخر، فيما تتبدى أشد حالتها في محاولة إلغاء وجود الآخر بشكل تام، وأحياناً تصفيته جسدياً.

الفطرة الإنسانية خلقت على مبدأ التعدد والاختلاف والتفرد والتميز، وليس التشابه والتطابق، سواءً كان ذلك على مستوى الأشخاص أو الجماعات، ولكن رغم بساطة هذه الفكرة إلا أن العديد من الناس وخصوصاً أصحاب المصالح، يحاولون أن يطمسوها وأن يفرضوا على الناس رأياً واحداً، ومبدأً واحداً، وفكراً واحداً، هو بالطبع رأيهم الشخصي، ومبدأهم الشخصي، وفكرهم الشخصي.

مثل هؤلاء الناس لديهم قناعة راسخة لا تشوبها شائبة، بأنهم على الصراط المستقيم، وجميع من يخالفونهم الرأي في ضلال مبين، وأنهم هم دون سواهم المؤمنون الحقيقيون والوطنيون الصادقون، في حين أن من يخالفهم ليسوا سوى حفنة من الخونة ممن يبيعون ضمائرهم وأوطانهم للأعداء.

ما يؤلم في هذا الأمر أن من يتزعم فكرة إلغاء الآخر والشريك في الوطن ليسوا من عوام الناس وجهالهم، وإنّما من يطلق عليهم بنخبة المجتمع من سياسيين ورجال أعمال ورجال دين وكتاب وشعراء ومثقفين وفنانين.

وعلى عكس ما كان يتوقع منهم من دفع بلدانهم للتطور والتقدم في مجالات العلم والتحضر والدمقرطة وترسيخ المفاهيم الإنسانية من تسامح ومحبة ورفض العنف والتعصب والتخلف، فإنهم يدفعون في الاتجاه المعاكس تماماً، فكلما هدأت نار الفتنة في أي بلد تجدهم ينفخون في النار ويزيدونها حطباً من فكرهم السقيم، ليؤججوا نار الطائفية والاحتراب بين مكوّنات المجتمع.

ينظر المواطن العربي بألم فيما تقدّمه الدول المتحضرة من امتيازات لمواطنيها ليكونوا أكثر سعادة وصحة وعلماً ورفاهية، كما ينظر بحسرة لباقي دول العالم حتى الأشد تخلفاً من بلدان العالم الثالث في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وهي تتقدّم سنةً بعد أخرى، لتجاري الدول الأكثر تقدماً، فيما يبكي على حال العديد من الدول العربية التي تمزّقها الحروب والصراعات الداخلية والاستفراد بالسلطة والثروة، وهي تجر جراً لعصور الخلافة وقتل الناس على الهوية وجز رؤوس من يحلق لحيته.

منذ أيام تم القبض على طفلٍ في الثالثة عشرة من عمره في العراق وهو يرتدي حزاماً ناسفاً لتفجير نفسه، ليقتل أكبر عدد من المخالفين له في المعتقد، وسكت الجميع عن هذه الجريمة البشعة التي لا يمكن تفسيرها، كما سكت الجميع سابقاً حين تم اغتيال مفكرين وفنانين لمجرد أنهم مختلفون يطرحون فكراً مخالفاً لرجال دين أو سياسيين حينها، فلم يتحدث أحد عن اغتيال المفكر حسين مروة أو فرج فودة أو حتى مصطفى العقاد الذي أخرج أعظم فيلم عن الإسلام.

تلك كانت بداية الانحطاط الفكري والتخلف الديني والاستبداد السياسي في حاضرنا المقيت، الذي لن نخرج منه بنشر الحقد والكراهية والاستبداد وإلغاء الآخر، وإنما بالمحبة والانفتاح على الآخر والمزيد من الحرية والديمقراطية لشعوبنا العربية.

إقرأ أيضا لـ "جميل المحاري"

العدد 5113 - الإثنين 05 سبتمبر 2016م الموافق 03 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 3:56 ص

      الاختلاف

      اختلاف أمتي رحمة " هي مقولة للرسول الأكرم صلى اللة علية وآله أفضل الصلاة وهي عبارة عن الاختلاف ف الآراء والمستويات الروحية والعقلية والنفسية ومن هنا تجد نوع من الرحمة التي يحتاجها الضعيف والقوي.

    • زائر 2 | 12:42 ص

      هي حرب معلنة لله ومبارزة له : لأن الله خلق الخلق كلهم على اختلاف السنتهم وألوانهم وعرقهم وضمن لهم وسائل العيش الكريم كافرهم ومؤمنهم لا فرق في الرزق والعطاء الرباني.
      لكن بعض البشر يريدون ان يصبحوا مكان الخالق فيسلبون الحياة من هذا ويعطوها لآخر

    • زائر 1 | 12:35 ص

      المشكلة انّ البعض يعدّون انفسهم كتاب ومثقفين وهم لا يفقهون ابسط سنن الحياة التي جبل الله خلقه عليها وجاءت في كل الأديان السماوية والدساتير الالهية. قال تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)
      لكن هؤلاء لا يفقهون في دين الله ولا يفقهون في علم الاجتماع ولا يفقهون ابجديات التعايش السلمي ولا يفقهون ابسط الامور التي فهمتها حتى الشعوب الغير متعلّمة

اقرأ ايضاً