العدد 512 - الجمعة 30 يناير 2004م الموافق 07 ذي الحجة 1424هـ

بداية تحول أميركي باتجاه تغيير السياسات في العراق

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

تتزايد المؤشرات التي تعبر عن بداية تحول في سياسة التحالف في العراق، ففي منتصف الأسبوع الماضي عادت واشنطن إلى حضن الأمم المتحدة وطلبت مساعدتها بشأن العملية السياسية في العراق، وهذا بحد ذاته يشكل تطورا مستجدا إذا ما أخذ بنظر الاعتبار أن واشنطن وحليفتها لندن قد تحركتا خارج المنظمة الدولية في عملية شن حرب احتلال العراق، كما تجاهلت واشنطن الأمم المتحدة ودورها عند إبرام اتفاق 15 نوفمبر/ تشرين الثاني بين سلطة التحالف ومجلس الحكم الانتقالي بشأن نقل السلطة إلى العراقيين.

والمؤشر الجديد الآخر جاء على لسان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو عن احتمال إجراء انتخابات عامة لتشكيل حكومة انتقالية في العراق الصيف القادم؛ ومثل هذه التصريحات تعد خروجا عن الموقف الذي تعتمده الحكومة البريطانية منذ الإعلان عن الخطة الأميركية لنقل السلطة إلى العراقيين. وفي كل الأحوال فإن تصريحات سترو لم تأت لتعبر عن موقف بريطاني مغاير عن موقف الولايات المتحدة بهذا الشأن بقدر ما يعبر عن موقف مستجد للدولتين الحليفتين بخصوص هذه المسألة سيما وان سترو قد تحادث مع نظيره الأميركي كولن باول بشأن الوضع في العراق قبل إطلاق هذه التصريحات.

وقد اقترن المستجدان الآنفا الذكر بتصريحات أميركية وبريطانية بأهمية وحيوية أهمية مشاركة الأمم المتحدة في تنفيذ الجدول الزمني المقرر لإعادة السيادة إلى العراقيين. في حين تواترت التقارير من أوروبا للحديث عن سلسلة جهود تبذلها أميركا للخروج من كبوتها السياسية التي وقعت فيها في العراق، وفي مقدمة هذه الجهود التوقع بالذهاب للناتو والاتحاد الأوروبي لإلقاء الحمل العسكري والسياسي عليهما. وكشفت التقارير الأوروبية أن واشنطن تبذل جهودا حثيثة في سبيل ما تقول «صوغ برنامج مستقبلي لضمان وحدة التحالف الغربي»، وفي الواقع إن هذا البرنامج يمثل بالنسبة إلى واشنطن « عملية تخفيف أعبائها السياسية والعسكرية في العراق».

والمستجد المتعلق بالدعوة لمشاركة الناتو والاتحاد الأوروبي في العراق جاء في إطار دعوة لمشاركتهما في صنع السلام في الشرقين الأدنى والأوسط، وبهذا فإن هذه الدعوة إذا ما تكللت بالتطبيق فإنها تمثل انقلابا استراتيجيا لكل من الولايات المتحدة والتحالف الغربي.

ومها يكن من أمر، فإن هذه المستجدات تبرز مع عزم الجيش الأميركي في العراق على إجراء تغييرات لوجيستية، فقد أعلن البنتاغون عن عملية استبدال 130 ألف جندي أميركي من العاملين في العراق بنحو 105 آلاف جندي آخرين خلال الأربعة إلى الستة أشهر المقبلة. كما تزايدت التصريحات الصادرة من قادة الجيش الأميركي في العراق عن بدء عملية إعادة انتشار لقواتهم العاملة في العراق، وذلك بالانسحاب من داخل المدن والبقاء في معسكرات وقواعد ثابتة خارج المدن. وتسليم مهمات حفظ الأمن في المدن لقوات الشرطة العراقية.

ولكن السؤال الذي يبرز بهذا الشأن هل التحول الأميركي المتغير في التعاطي مع الملف العراقي سينعكس على أهداف أميركا في العراق؟

في الواقع إن عدة عوامل تدفع واشنطن لتغيير سياستها الانفرادية في العراق في المقدمة منها عاملان، الأول هو تحول موضوع العراق ليصير قضية انتخابية من الدرجة الأولى في الانتخابات الرئاسية الأميركية. والثاني هو استمرار الهجمات التي تتعرض قوات التحالف وتصاعد عدد القتلى بين صفوف القوات الأميركية بالذات. الأمر الذي يشكل مصدر قلق للرئيس بوش لجهة الفوز بولاية ثانية مهما حاول تبرير الحرب على العراق، إذا ما استمر عدد القتلى بين الجنود الأميركيين في ازدياد. فيما تؤكد المؤشرات انه ليس بالمقدور القضاء على الهجمات التي تتعرض لها قوات التحالف، الأمر الذي يستوجب الاستعانة بالأمم المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي لتقليل الأعباء السياسية والعسكرية والمالية والنفسية على الأميركيين.

وكان تقرير أعده أخيرا الخبير الاستراتيجي أنطوني كوردسمان الوثيق الصلة بدوائر النفوذ في واشنطن (وكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون) بعد زيارة إلى العراق التقى خلالها بول بريمر وعددا من كبار المسئولين العسكريين الأميركيين، قد أوضح جملة حقائق، في مقدمتها أن معلومات سلطة التحالف تؤكد أن 95 في المئة من العمليات ضد القوات الأميركية والأجنبية تنفذها العناصر العسكرية والأمنية المرتبطة بنظام صدام حسين، ولكن نائب الرئيس السابق عزت إبراهيم الدوري ليس هو الذي يقود المقاومة فعلا ضد الأميركيين بل إنه «على وشك الموت». كما إن العمليات الانتحارية المختلفة التي شهدتها الساحة العراقية ينفذها وفقا لمعلومات سلطة التحالف المقاتلون العرب الآتون من الخارج. والملفت للانتباه أن المتفجرات المستخدمة في هذه العمليات «متطورة للغاية».

ووفقا لمعلومات التي أوردها كوردسمان في تقريره فان حركة المقاومة تملك في أقل تقدير أكثر من مليار دولار لإنفاقها على حربها ضد الأميركيين. ويتوقع أن تستمر عمليات المقاومة بدرجات متفاوتة فترة طويلة أخرى إذ إن المسئولين العسكريين الأميركيين يؤكدون أنه ليس ممكنا وضع حد نهائي وكامل لها، بل إن بعض الهجمات على الأميركيين ستستمر إلى أن ينسحبوا من العراق. وأكثر من ذلك فإن هؤلاء المسئولين يتوقعون أن تتصاعد عمليات المقاومة ضد الأميركيين في الأشهر المقبلة آخذين بنظر أن العام الجاري هو عام الانتخابات الرئاسية الأميركية وأن تشمل هذه «الحرب» تفجير سيارات مفخخة ضد أهداف أميركية وعراقية وقصف منشآت مهمة بصواريخ من مسافات بعيدة واستخدام صواريخ (سام أرض - جو) بصورة متزايدة وتنفيذ «عمليات تخريبية» على نطاق واسع.

ويقرر كوردسمان في نهاية تقريره، انه بموجب الوضع السياسي القائم في العراق وآفاقه المستقبلية، وبسبب المصاعب المتنوعة التي تواجهها سلطة وقوات التحالف في العراق، فان على الأميركيين التخلي عن هدف تحويل العراق إلى «بلد ديمقراطي نموذجي» قادر على تغيير الأوضاع في الشرق الأوسط كما كانت تطمح إلى ذلك إدارة بوش، لأن ذلك غير ممكن. وينصح كوردسمان أن تقود الولايات المتحدة بمشاركة حلفائها في الناتو والاتحاد الأوروبي عملية التحول السياسي في العراق على غرار الديمقراطية المتطورة التي تجري في إندونيسيا بعد الإطاحة بالدكتاتور سوهارتو، وبعد مرور خمس سنوات على تنظيم أول انتخابات فيها

العدد 512 - الجمعة 30 يناير 2004م الموافق 07 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً