العدد 5120 - الإثنين 12 سبتمبر 2016م الموافق 10 ذي الحجة 1437هـ

«الثقافة الجنسية» والتعليم والسياسة

رضي السماك

كاتب بحريني

كل عام وأنتم بخير... حضرت خلال الأسبوع الماضي في «ملتقى كانو الثقافي» محاضرة علمية طبية توعوية مفيدة ألقاها الطبيب عيسى الشروقي، وكانت تحت عنوان «تأثير المنشطات الجنسية بين الايجابيات والسلبيات»، ونظراً لأن الموضوع هو جزء لا يتجزأ من الثقافة الجنسية بمفهومها العلمي الإنساني والحضاري الشامل، فإن المحاضر لم يجد مناصاً من طرق جوانب توعوية كثيرة تتعلق بالحياة الجنسية للمتزوجين، واتسم تناوله لهذه الجوانب، بصفته طبيباً ومثقفاً ملماً إلماماً كاملاً بموضوع محاضرته، بالجرأة والصراحة المتناهية.

ومن نافلة القول إن موضوع سلامة الحياة والعلاقات الجنسية بين الزوجين هو على درجة كبيرة من الأهمية، بدليل اهتمام الشريعة الإسلامية بهذا الأمر وما يصدر عن قضاة الشرع من أحكام لصالح أحد الزوجين ومن بينها التطليق أو لصالح كليهما إذا اعتور ما ينغّص هذه الحياة الجنسية من أسباب، سواءً تعلق الأمر بالعنة والبرود الجنسي لأحد الزوجين أو فشل أحدهما في استكمال متعة الآخر خلال الممارسة، بسبب أي مرض من الأمراض البدنية أو لسوء تصرف أحد الزوجين وجهله بأصول المعاشرة الحميمية الإنسانية على الفراش، وبخاصة من قِبل الزوج، كالتصرف الغليظ، أو عدم اهتمامه بالنظافة، أو نظراً لما يشوب الحياة الزوجية اليومية من توترات ومشادات يومية تنعكس على الفتور الجنسي عند أحدهما أو كليهما، دع عنك ما يعانيه الزوجان أو أحدهما، وبخاصة الرجل، من ضغوط في العمل أو ضغوط في الحياة السياسية ، إذا ما كان ناشطاً أو مثقفاً أو كاتباً سياسياً ذا إحساس مُرهف بشدة لما يموج به وطنه واُمته من أحداث جسام يتأثر بها تأثيراً شديداً، وإن كان المحاضر لم يتطرق إلى هذه النقطة تحديداً.

لا نكشف سراً بأن تغييب الثقافة الجنسية بمفهومها العلمي الإنساني الشامل، وليس بالمفهوم الإباحي المنحل كما يتوهم الكثيرون من حراس الفضيلة في عالمنا العربي، سواء في المناهج التربوية التعليمية، أم في وسائلنا الإعلامية والنفور حتى من مجرد ذكر كلمة «الجنس» جملةً وتفصيلاً وكأنه شر مُطلق بكامله ورجس من أعمال الشيطان لا يجوز التفوه بها بالمطلق.. أضحى علامة من علامات التخلف العربي بسبب الغلو الديني والتطرف، وجنوح أي اُمة من الاُمم خلال مرحلة من تاريخها في الغلو والتزمت الدينيين، فضلاً عن لجوئها إلى أعمال الشعوذة والخرافة والسحر والدجل لحل مشاكل أبنائها البسطاء المأزومين، وبخاصة إذا ما كانت صاحبة حضارة عريقة، ليس سوى علامة مهمة لما مرت وتمر به من أوضاع وظروف استثنائية مرَضية متعددة الأوجه، سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، أفضت بها إلى هذا التراجع الحضاري المريع والذي تزداد وتيرته إذا ما بقيت تلك الأوضاع على حالها، تماماً كما هو حال اُمتنا العربية منذ هزيمة 1967.

إن التوعية العلمية والثقافية للأعضاء التناسلية لكلا الجنسين ووظيفتهما الجنسية والتكاثرية في آن واحد عند البشر، هو من البديهيات التي ينبغي أن تضطلع بها الدولة في المجال التعليمي بدءاً من المرحلة الابتدائية ولو بشكل مُبسّط يلائم سن الصغار، فما بالنا وهذه المادة مُغيّبة حتى في مناهج التعليمين الثانوي والجامعي، اللهم غير إشارات عابرة في منهجي «التربية الإسلامية « و»الأحياء»، دع عنك تغييب منهج «الثقافة الجنسية» في المرحلتين الثانوية والجامعية، ليس بغرض تثقيف طلاب هاتين المرحلتين بحياتهم الزوجية المُقبلة فحسب، بل وسُبل ترويض جموح غرائزهم الجنسية خلال مرحلة المراهقة التي تستغرق بالضبط المرحلتين الدراسيتين المشار إليهما بكاملهما.

ولعل واحداً من أبرز العوامل التي قلما التفت إليها أحد من الباحثين والمحللين السياسيين العرب لدى تناوله أسباب لجوء الحركات الشبابية العربية للعنف دور «العامل الجنسي»، والمتمثل تحديداً في معاناتهم من وطأة الكبت والحرمان الجنسي الشديدة في اتصاف احتجاجاتهم في كثير من الأحيان بالتخريب والعنف، وبخاصة إذا ما كانت سلمية وقُمعت بشدة مُفرطة، ذلك أن عواقب احتباس الغريزة الجنسية إذا ما طال، أمرٌ في غاية الخطورة، فهو إن لم ينعكس لتفريغ هذا الاحتباس في الانحراف باللجوء لأعمال الزنى والاغتصاب واللواط أو بالبحث عن سوق الجنس التجاري، انعكس في تصرفات هوجاء تدميرية منفلتة داخل الأسرة أو في المجتمع، أو في ميادين الاحتجاجات السياسية بالأقطار العربية كافة وهو الأخطر.

ومن هنا تنبع الأهمية الفائقة لإيلاء الدولة العربية اهتمامها بحل مشكلة البطالة والإسكان وتوفير حد أدنى من الأجور المنصفة للذين يتم توظيفهم من الشباب، بما يُمكن شبابنا العربي من الزواج والذين ليس لهم من وسيلة لحل غريزتهم الجنسية المقهورة والمسبب كبتها لهم ألماً نفسياً فظيعاً جراء حبسها المزمن سوى الطريق الشرعي القويم المتمثل في الزواج الشرعي تحديداً، ولذا وجدنا الحركات الاحتجاجية الشبابية السياسية في أميركا اللاتينية وأوروبا وشرقي آسيا ليست بذات الصخب والقوة التدميرية في فترات الاحتقانات السياسية، كما لدى العرب، ليس لأن الزواج غير مُقدس في دياناتهم كما لدى المسلمين، أو لأن ممارسة الجنس غير مأثوم خارج المؤسسة الزواجية، بل لأنه لا يواجه عندهم بنفس قوة التحريم في شريعتنا وتقاليدنا الإسلامية، ناهيك عن تلوث سمعة من يتورط في ممارسة غير مشروعة في المجتمع ليس بنفس الدرجة من القوة لدى الشباب من أتباع الديانات الاخرى في مجتمعاتهم.

وصفوة القول أنه آن الأوان أكثر من أي وقت مضى، بأن تولي الدولة العربية للمسألة الجنسية عنايتها القصوى لما لها من أهمية فائقة لدى الناشئين والشباب والعلاقات الزواجية السوية، وغني عن القول إن الثقافة الجنسية العلمية إذا ما تحلى بها الشاب العربي واغتنى معرفةً بها هي من مقومات شخصيته السوية وصحته النفسية والمعرضة للخلل والاهتزاز في حالة عدم إلمامه بها، والأمر يزداد أهميةً لدى المتزوجين ومتطلبات استقرار حيواتهم الزوجية وبما ينعكس إيجاباً على طاقات الشباب الانتاجية والإبداعية والتي بها تتقدم الامم وينتفي سبب مهم، كما ذكرنا، من أسباب تعرضها للقلاقل والهزات السياسية الصاخبة والمدمرة.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5120 - الإثنين 12 سبتمبر 2016م الموافق 10 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 2:25 م

      فعلا شي ضروري تعليم الثقافة الجنسية للطلبة ولو بمحاضرات بين فترة واخرى

    • زائر 14 | 8:56 ص

      الكبت الجنسي حاضرا قبل وبعد الزواج مع الاسف، ربما بسبب قلة الخبرة والثقافة الجنسية التي اندرجت تحت الثالوث المحرم. الزوجة تصبح مثل الصديق بعد السنة الثالثة من الزواج..

    • زائر 13 | 7:05 ص

      ما علاقه الحركات الاحتجاجية المتخذة طابع العنف بالكبت الجنسي؟ الم يلجأ مانديلا و مؤييديه الى الكفاح المسلح بعد استنفاذ كل الطرق ؟؟ هل كان شعب جنوب افريقيا يعاني الكبت الجنسي كما تعاني مجتمعاتنا ألعربيه والاسلاميه ؟؟؟؟ توصيف غير دقيق .. تحياتي

    • زائر 12 | 6:29 ص

      بلأمانة أستاذ رضي مقالك رائع ومهم وثمين ويلامس واقعنا بدقة! انا ايضا من الضحايا لما ذكرت واعاني كثيرا من الكبت واخاف على نفسي من الانحراف وخاصة حينما كان سني في العشرين! لله الحمد ان الامر خف قليلا عبر بلوغي سن 32 ! لكن اتذكر ان ازمتي كانت خطيرة سابقا! وشكرا لله طلعت منها سالما ولم اجد لي سبيلا غير الصبر والاستعفاف!كدت ان انحرف وافسد في الارض يوم انا صغير واعمل غلط باني اخذ فلبينية واطلع بالغلط ولد وبعدين اتورط

    • زائر 10 | 3:44 ص

      عضوان في جسم الإنسان لا يتطرق لهما في المدارس عامة. العضو الأول هو العقل. أما العضو الثاني و الممنوع في مدارسنا هو العضو الجنسي. الآن اكتب ما شئت. مادامت العقول محشوة بحرمة الأمر لا تغيير في الأمر.

    • زائر 9 | 3:24 ص

      صح السانك ايها الكاتب العزيز.. وسائل التواصل مااتقصر وخربت الاجيال لو المناهج تتطرق للموضوع بشكل بسيط وتوعوي اكيد بينقذ هالمراهقين من الفضول الطبيعي لكل من الجنسين.. اللهم احفظ ابناءنا جميعآ

    • زائر 8 | 3:13 ص

      5

      هههههه كلامك صحيح.

    • زائر 5 | 1:05 ص

      لازالو في سباتهم

      لقد فتحت عَل نفسك ابواباً ونوافذ لا طاقة لك بها ! و سيدخل من خلالها ذلك القطيع المتعطش لكل ماهو متخلف وناقم من كل تطور.. لا زال الصباح باكراً ... سيستيقظون !

    • زائر 4 | 12:53 ص

      شكرا علي الموضوع ابرد من البحرينيات ماميش بس فالحين في الكلام الزايد والتقليد

    • زائر 3 | 11:56 م

      شخصيا ارى اهمية ادخال الثقافة الجنسية في المناهج التعليمية و لكن عندما أرى طريقة تطبيق وزارة التربية و التعليم لبرامج ناجحة في دول أخرى فإني افضل ان لا تتطرق الوزارة إلى هذا الجانب. و لنا في تطبيق منهج الثقافة العددية و التجربة السنغافورية في التعليم مثال

    • زائر 2 | 11:52 م

      تضحكون علينا ... الواحد وين يتزوج إذا نص معاشه ينصرف على أجار الشقة؟

    • زائر 1 | 10:27 م

      شكرا لك استاذ رضي على هذا المقال الجريئ.. نتمنى ان يعي من بيده الامر الى هذه المسألة الحساسة والخطيرة.

اقرأ ايضاً