العدد 5129 - الأربعاء 21 سبتمبر 2016م الموافق 19 ذي الحجة 1437هـ

تحاربوا ثم تصالحوا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الثاني والعشرون من سبتمبر له ذكرى سيئة عند العراقيين والإيرانيين. فقبل 36 عاماً، وفي ذلك التاريخ (22 سبتمبر/ أيلول 1980) اندلعت حرب الثمان سنوات بين العراق وإيران، ولم تنته حتى الـ 20 من أغسطس/ آب 1988. وبالحساب الدقيق فقد كانت أيامها 2890 يوماً، وأسابيعها 722 أسبوعاً وأشهرها 96 شهراً من الدَّم المراق والآهات.

خسر العراق 440 ألفاً من القتلى و700 ألف من الجرحى، و70 ألفاً من الأسرى، وبات لديه 400 ألف لاجئ. وخسرت إيران 830 ألفاً من القتلى ومليون و200 ألف من الجرحى و45 ألفاً من الأسرى ومليونَيْ لاجئ. وبلغت خسائر هذه الحرب المدمرة للطرفين 400 مليار دولار! لنا أن نتخيّل هذه الأرقام.

عندما وقعت المأساة بين بلدين جارين منذ آلاف السنين، كان الأميركيون لا يفكرون إلاّ بشيء واحد فقط وهو: النفط وقضايا الطاقة وأوضاع الحدود القائمة. لست أنا مَنْ يقول ذلك بل غاري سيك وهو مستشار مجلس الأمن القومي الأميركي الأسبق خلال إدارة الرئيس كارتر مَنْ صرح بذلك.

كان يقول: «كنت مع بريجنسكي في ذلك الصباح الذي حدث فيه الهجوم. وجدت في مكتبي خريطة تبيّن توزيع الحدود وأنابيب النفط، أخذتها معي إلى مكتبه وجلسنا على الأرض ونشرنا الخريطة وبدأنا في النظر إليها لتحديد الوضع الاستراتيجي». هكذا كان همّ الأميركيين ولهيب النار يستعر.

أحد الأكاديميين العراقيين قال إن الحرب مع إيران كانت «أكبر كارثة في تاريخ العراق»، فهي أسوأ من «غزو هولاكو لبغداد»، وأنها دقت «المسمار في نعش المجتمع والمدنية في العراق»، محطمةً التراكم الحضاري للعراق في لحظة واحدة.

حامد الجبوري، وهو وزير شؤون الرئاسة والخارجية في العراق أيام الرئيسين أحمد حسن البكر وصدام حسين يقول بأنه وقبل الحرب كان آخر رئيس وزراء في عهد الشاه شاهبور بختيار ومعه جنرال إيراني موالٍ للحكم الملكي، بالإضافة إلى وزير خارجية بريطاني يترددون على الرئيس صدام حسين، وكانوا يؤكّدون له بأن إيران بعد الثورة على شفا الانهيار، إذ أن الجيش مفكك، وبالتالي فإن أية عملية عسكرية من العراق ستكون سهلة أمامه.

وبعد اندلاع الحرب بقليل يذكر الجبوري أنه وعندما كانوا ذاهبين لاستقبال الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق بعدما كُلِّف كمبعوث من منظمة المؤتمر الإسلامي للتوسط كي تنتهي الحرب، قال له النائب الأول لرئيس مجلس قيادة الثورة عزة إبراهيم الدوري هذه العبارة: «حتى ولو استمرت الحرب ستة أشهر سنخوضها». كان هذا التقدير هو السائد لدى العراق، لكن الحرب استطالت حتى وصل عمرها ثمانية أعوام، وبدأت بغداد تشعر بأنها تخسر الحرب التي شنتها بعد السنتين الأوليين لاندلاعها حسب قول الجبوري. كان هذا خطأً فادحاً وقع فيه صدام حسين.

وفي اللحظة التي كان العراق فيها مشغولاً بالجبهات الشرقية ضد الإيرانيين، جاء الإسرائيليون وقاموا بأخطر عمليتين وقعتا ضد العراق، الأولى: أنهم قاموا بإنزال فرقة كوماندوز وسرقوا عقدة الاتصالات في المجرى الرئيسي الذي يضم الاتصالات السرية والعلنية للعراق بكل ما فيها، والثاني: أنهم قاموا بتدمير مفاعل العراق الذري الذي كان سيجعل منه بلداً متطوراً وقوياً. لقد وجدها الأعداء فرصةً لا تعوّض ضد العراق في اللحظة التي كان مشغولاً فيها بالجبهات.

في الضفة الأخرى كان الإيرانيون في زخم ثوري عارم. وقد اعتقدوا أن الحرب هي بمثابة المعبر لهم كي يُرحلوا كل شيء إلى ما بعد المعركة. لقد أوهمهم ذلك الزخم بأن كل شيء قابل للتحقق عبر الشعارات والقتال على الطريقة الكورية الحمراء أو الكاميكازيا، مدفوعين بالانتصار الذي حقّقوه في خرمشهر سنة 1982. لكن الحقيقة اتضحت أنها مُرَّة. فعلى الرغم من أن هجومهم المضاد سنة 1982 ثم دخولهم قاطع البصرة بغداد والفاو سنة 1986 جعلهم في عمق الأراضي العراقية، لكن ذلك لم يقلل من خسائرهم الفادحة، ولم يجعل ميزانية الدولة في لحظةٍ ما لتضم أكثر من 50 مليون دولار. ولم يمنع ذلك لأن تتضرر خمس محافظات إيرانية بنسبة 90 في المئة من بينها إيلام وباختران وخرمشهر.

تقاتل الطرفان طيلة ثماني سنوات ثم تصالحوا بعد أن قبلا قرار الأمم المتحدة رقم 598. ثم بدأ المسئولون في البلدين يتبادلون التحايا. ففي 5 يناير 1990 أطلق صدام حسين مبادرة حسن نية مع إيران. وفي 14 أغسطس 1990 بعث برسالة إلى نظيره الإيراني آنذاك هاشمي رفسنجاني. وفي 8 يناير 1991 زار عزة إبراهيم الدوري إيران على رأس وفد كبير لتعزيز التعاون في قضايا عدة.

وبالمثل فعل الإيرانيون، حيث بادروا إلى ربط مطار البصرة الدولي بشبكة مطار عبادان، وربط السبيل الجوي (21) بالأجواء الإيرانية عبر الشبكة لإقليم طهران، وجرى الترتيب في النقلين الجوي والبحري من ميناء أم قصر إلى ميناء بندر عباس وبندر خميني، وإرسال 3000 زائر إيراني أسبوعياً للعتبات المقدسة في العراق، حسب قول محمد حمزة الزبيدي عضو مجلس قيادة الثورة أيام البعث. حدث كل ذلك وكأن شيئاً لم يكن! بل وكأن الحرب كانت مقطعاً تاريخياً لا صلة له بما يجري!

هنا، يأتي السؤال: إذاً لماذا كانت الحرب أصلاً؟ هل لكي يتدمّر البلدان ويخسران 400 مليار دولار وأزيد من مليون قتيل ومئات الآلاف من الجرحى؟ هذا الأمر فعلاً مثير للاستغراب! وهو درس للجميع كي يعوا كارثية الحسابات الخاطئة!

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5129 - الأربعاء 21 سبتمبر 2016م الموافق 19 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 29 | 10:59 م

      ارقام غير صحيحة.. ايران قدمت 212 ألف شهيد فقط في هذه الحرب

    • زائر 21 | 3:41 ص

      امريكا = مثيرة للحروب عدوة للشعوب

      امريكا = الارهاب
      امريكا = ناهبة ثروات الشعوب
      امريكا = داعمة للانظمة الديكتاتورية الظالمة
      امريكا = قاتلة ومبيدة للشعب الاصلي لامريكا وهم الهنود الحمر
      امريكا = سبب لكل اراقة دم للانسان في العالم
      امريكا = سبب لتدمير ومصالح الشعوب المستظعفة في العالم .
      امريكا = الشيطان الاكبر
      على الاقل في عصرنا الحالي او 100سنة الاخيرة او القرن الاخير .

    • زائر 23 زائر 21 | 3:50 ص

      أمريكا تحارب مع الحشد الشعبي في الشرقاط عدال لا ينط لك عرق!

    • زائر 15 | 3:03 ص

      لا تصالحوا و لا هم يحزنون، ايران احتلت العراق و انتهى الموضوع!

    • زائر 14 | 2:43 ص

      هنا، يأتي السؤال: إذاً لماذا كانت الحرب أصلاً؟ هل لكي يتدمّر البلدان ويخسران 400 مليار دولار وأزيد من مليون قتيل ومئات الآلاف من الجرحى؟ هذا الأمر فعلاً مثير للاستغراب! وهو درس للجميع كي يعوا كارثية الحسابات الخاطئة! هذا هو السؤال والجواب مقال ممتاز هو تدمير البلدين و جعل اقتصادهم 0000

    • زائر 13 | 2:40 ص

      الحرب للفرس

      قال مولانا ومقتدانا امير المؤمنين علي عليه السلام. الحرب للفرس والكرم للعرب. فالفرس اولي قوة وشجاعة في الحرب . وطبعا من كرم العرب تقديم المئات من المليارات لتمويل الفتن والحروب في العالم وارضاءا واذعانا للسيد الامريكي وحتى الصهيوني

    • زائر 28 زائر 13 | 10:10 ص

      من وين جايب هالحديث أول مرة أسمعه، وحاولت أدوره و مالقيته.

    • زائر 12 | 2:36 ص

      الشيطان الأكبر

      رحم الله السيد . عندما قال بان امريكا هي الشيطان الاكبر ومعها بريطانيا الخبيثة لقد دمروا الدول العربية والإسلامية منذ مئات السنين عبر مايعرف بالمستشرقين الجواسيس

    • زائر 11 | 2:32 ص

      الشاه

      ايام الفاشي الشاه كان صدام يقبل وينحني للشاه مع بقية امراء وملوك المنطقة وكان الكل ترتعد فرائصة عندما يشير الى مناطق يريد أن يحتلها والكل كان مسلم ومستسلم لاوامرع. عجب

    • زائر 8 | 1:30 ص

      كل الحروب في العالم وراءها أمريكا. هي من دمرت ايران والعراق وتسعى يوميا لتدمير أي بلد يتمتع باستقرار وأمان. هذا هو الجواب على سؤالك أخي الكاتب.

    • زائر 6 | 1:28 ص

      بريطانيا وامريكا ومعهم بعض دول الخليج اوعزوا لصدّام القيام باجتياح الاراضي الإيرانية كون الثورة فتية والدولة طريّة العود ولا تستطيع صدّ أي هجوم عليها لذلك شجعوه ودعموه بمليارات الدولارات والعتاد والسلاح ليغزو ايران لكنه اصطدم بحاجز صدّ عصي على الانكسار وهذا ما اطال امد الحرب.
      كانوا يظنونها نزهة في ايران واذا بهم يستنزفون الى آخر قرش
      دول المنطقة لا تأخذ العبرة والعضة مما حصل ولا زال يقامرون بالحروب

    • زائر 5 | 1:24 ص

      أمريكا وبريطانيا وبعض الدول الكبرى وبعض الدول التابعة ينصبّ تفكيرهم في أمرين:
      1-مصادر النفط والطاقة
      2-تسويق السلاح
      ولا يمكن ان يأتي شيء فوق هذين العاملين
      لذلك لو ان شعبي العراق وايران دمّرا تماما لما اهتمت لهما دولة من الدول المذكورة

    • زائر 3 | 11:58 م

      المعتدين

      لم تتحسن علاقة ايران بالعراق الا بعد سقوط الطاغيه صدام فهو من شن الحرب على ايران وساعدته وعاونته الدول الذي انقلب عليها وغار عليها ثم تخلصو منه

    • زائر 4 زائر 3 | 12:56 ص

      لو لم يكن هناك علاقات دبلوماسية بعد الحرب لما قام العراق بإرسال طائراته المدنية الى ايران ولما تم تبادل الاسرى بين البلدين

    • زائر 7 زائر 4 | 1:28 ص

      لم تتحسن علاقة ايران بالعراق الا بعد أن مات صدام حسين وأصبحت ايران تنتشر في العراق وتتحكم فيه فأصبح العراق جزء من ايران.

    • زائر 16 زائر 7 | 3:05 ص

      إذا البعثيون يقولون بأن علاقتهم رجعت مع إيران بعد الحرب فلماذا نكابر ونقول لا! صور عزة الدوري في إيران مازال يتذكرها الجميع وصور علي أكبر ولايتي في بغداد مازال يتذكرها الجميع! هذا تاريخ لا يمكن للعواطف والنزعة القومية أن تغيره

    • زائر 2 | 10:24 م

      يرجى من الكاتب الكريم التزام الدقة واستقاء معلوماته من مصادر موثقة..
      فعدد شهداء الحرب في إيران حسب الاحصاءات الرسمية الموثقة هو 211 ألف شهيد والجرحى في حدود 300 ألف..

    • زائر 10 زائر 2 | 1:35 ص

      تعليق على الزائر رقم 2 - الأرقام التي أوردها الكاتب في مقاله صحيحة، فحسب تقرير الحكومة البريطانية الرسمي عن أسلحة الدمار الشامل العراقية الصادر في العام 2002م فإنه يشير إلى أن خسائر الحرب العراقية الإيرانية في الأرواح تقدر بمليون قتيل من كلا الجانبين

    • زائر 1 | 9:50 م

      الكاسر
      من فرض الحرب هو صدام لا الإيرانيين ولا الشعب العراقي راضي على هدة الحرب

    • زائر 9 زائر 1 | 1:34 ص

      السبب الرئيسي في الحرب معروف من هو المتسبب بها امريكا من اجل النفط وعلى قول المثل ما بعد عداوة الامحبة الله يدومها على الجميع

اقرأ ايضاً