العدد 5152 - الجمعة 14 أكتوبر 2016م الموافق 13 محرم 1438هـ

لماذا ينتصر «خطاب الفتنة»؟

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

باعتباره واحدًا من أصعب الأسئلة التي تتطلب إجابات صريحة وواقعية، فإن طرح سؤال من قبيل «لماذا لا تتوقف خطابات الفتنة والتكفير والتشدد في منابر وإعلام ومنصات متعددة على طول وعرض الوطن العربي والإسلامي؟»، يجعل المسئولين عن ذلكما القطاعين يبحثون -دائمًا- عن إجابات إنشائية عاطفية لا تخلو من الخيال.

ولعل في مناسبات واجتماعات ولقاءات كثيرة على مدى سنوات عملي في الصحافة، أجريت لقاءات وحوارات مع عدد من المسئولين في قطاع الشئون الإسلامية والإعلام في الوطن العربي، وحينما أسأل عن سر استمرار الخطاب الفتنوي المدمر رغم كل التوصيات المنمقة والرنانة التي تتحدث عن أبناء الدين الوحد، الأسرة الواحدة، البيت الواحد، والبيانات التي تصدر من منتديات ومؤتمرات تبحث موضوع نشر ثقافة احترام الآخر والوسطية والاعتدال، لا نجد غير كلام مكذوب لا مفر منه، وواقع يكذب تلك التصريحات... لا مفر منه أيضًا.

من الواضح أن هناك حالة من الانتصار لخطاب الفتنة على خطاب الاعتدال في المجتمع الإسلامي، ولا أدل على ذلك من استمرار خطابات التكفير والتشدد واستمرار طباعة الكتب والكتيبات والمنتجات الصوتية والمرئية بل وحتى المناهج الدراسية، التي كأنها فرض سماوي لا يمكن تغييره أو تعديله أو تحسينه، وفيها من المخاطر على نسيج المجتمعات الشيء الكثير الذي لم يعد خافيًا أو مستغربًا، لك أن تنظر في المشهد في السنوات القليلة الماضية لترى وتعرف؛ من هم الذين ينتمون للهمجية الداعشية؟ وكيف تربوا؟ وماذا تشربوا؟ وهذا لا يقتصر على فئة دون فئة أو مذهب دون مذهب، فالدمار الإرهابي مشهد دموي عاصف يستقطب إليه من لا دين له ولا قيم له ولا مبدأ له ينتهجه في حياته، ومن ينتمون إلى هذا الضياع في مجتمعاتنا العربية والإسلامية كثيرون... حتى أننا وجدنا منهم نخبًا من المتعلمين... من مهندسين وأطباء ومثقفين! أليس غريبًا أن يتمادى ذلك الغول وحشيةً فيما لاتزال مؤتمرات وملتقيات واجتماعات الاعتدال ورفض التطرف والتشدد والتكفير ودعوات حماية الإسلام من مشوهات الإرهابيين مستمرة، وتجد ذلك المسئول المعني عن قطاع الشئون الإسلامية أو الإعلام في بلد عربي ما فاغرًا فاه وعيناه تدوران في رأسه حين تسأله «في منابر المساجد عندكم، وفي أجهزة إعلام تقليدية وإلكترونية، لاتزال همجية الجاهلية من تشدد وتكفير وتطرف تملأ الكثير من المواد المتلفزة والمسموعة والمقروءة، فأين أنتم عنها؟» والحقيقة، مهما كانت إجابة ذلك المسئول، فإن المسألة ليست مقصورة على توصيات أو بيانات ختامية في صالات الاجتماعات والمؤتمرات، بل هي تعتمد بالدرجة الأولى على صدق هذه الدولة أو تلك في مكافحة ولجم خطاب الظلام والذي في الغالب، ينطلق من ألسن أناس يعتقدون أنهم أفضل وأعلى خلق الله مقامًا، وأن في مقدورهم إدخال الناس إلى الجنة والنار، حتى لم نعد نستغرب أن يقول فلان عن نفسه أنه الموحد العابد الزاهد السائر على الصراط المستقيم، وأن غيره من المارقين المشركين الذين -لا ريب- في الدرك الأسفل من النار.

في شهر أغسطس/ آب 2016، تابعت باهتمام بالغ فعاليات الملتقى الأول للشباب الإسلامي والمسيحي، والذي استضافته القاهرة، بمشاركة فئات شبابية من جمهورية مصر العربية وعدد من الدول العربية والإسلامية والأوروبية، وكان هدفه بالدرجة الأولى وضع تصور واقعي لتحصين الشباب من الانجراف إلى المد الإرهابي الذي تمثله داعش والتنظيمات الإرهابية مهما كان منشؤها وأساسها العقائدي، والجميل في ذلك الملتقى، أن هناك حقيقة متفقا عليها، وهي أن تنظيم داعش والجماعات الإرهابية تسعى إلى اشعال صدام بين أتباع الأديان السماوية، والعمل على إثارة الأحقاد والصدامات بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى، بل والتحذير من التفرقة والخلاف المذهبي بين أبناء المذاهب الإسلامية من خلال النيران التي تشعلها التيارات الإرهابية والتكفيرية وأصحاب الهوس المتطرف بين أبناء المجتمع الواحد.

ولعل من أهم الأطروحات التي شهدها الملتقى، تلك المواجهة الصريحة والجريئة في الاعتراف بأن غالبية الدول العربية والإسلامية تغذي خطاب التطرف والتشدد ثم تدّعي العمل على مواجهة الفتنة، وتزيح خطاب الاعتدال والوسطية وبناء العدالة الاجتماعية. وبالفعل، أليس مستغربًا أن تجد في دولنا الخليجية والعربية والإسلامية، والأمة تمر بأشد مراحلها صعوبةً وتعقيدًا، ذلك الخطاب المجنون منتشرًا في المساجد والجوامع والفضائيات وحتى في المدارس والجامعات والمعسكرات الشبابية؟ ترى، هل يخدع المسئولون أنفسهم أم يخدعون الأوطان؟.

الخلاصة التي تبدو جوهرية، هي أن التشدد والتطرف والطائفية ورفض الآخر، هي محركات للفتنة لا تنتشر ولا تنمو إلا في رحاب دول وحكومات تريد لها أن تنمو وتنتشر، ولن تجد في أي دولة في العالم صورًا من ذلك الغول الفتاك، طالما هي ترديه قتيلًا وتسحقه حينما يفكر في الفتك بسلامة واستقرار وأمن سلمها الاجتماعي ونسيجها الوطني.

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 5152 - الجمعة 14 أكتوبر 2016م الموافق 13 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 6:08 ص

      المشكلة السدج الي يسمعون كلام الفساد والجور والباطل ويصدقونه هادى هى المشكلة الامام علي عليه السلام يقول غلبت العاقل لاكن لا اقدر اغلب الجاهل قاتل الله الجهل اتباع الشيطان لو تنصحهم ليل نهار لايصدقون لو يطلع اليهم رسول \\ص\\الله لا يصدقون غشاوة على قلوبهم وهم سبب دمار الامة العربيه انه شرب الخمر خلاهم ينسون الله ولايرون اله الجهل

    • زائر 13 | 4:55 ص

      كي تعالج مسألة انتشار الطائفية يجب عليك ان تقتنع أولاً ان المتطرفين و الإرهابيين و الطائفيين موجودين في كل مذهب و مله اما التطبيل على وتر ان الاٍرهاب هو فقط من مذهب واحد و إغلاق الأعين عن ارهاب الطائفة التي ينتمي لها الشخص فهو مجرد صب زيت على النار و التي ستصيب الجميع و سواءكانوا من أبناء الغالبية الساحقة للعرب و المسلمين او من أبناء الأقليات

    • زائر 6 | 1:58 ص

      شلون عن اللي يشتمون الصحابة وأمهات المؤمنين ياريت أحد منكم يقوللي شلصرفة معاهم...يدمرون علاقاتنا مع بعظ وهم مشكلة نفسهم

    • زائر 9 زائر 6 | 2:59 ص

      الاسطوانة المشروخة (يشتمون الصحابة وامهات المؤمنين) أين شتم الصحابة ؟ أولا يجب إلغاء مسألة الجرح والتعديل فهذه فيها مسّ ببعض الرواة وهم من الصحابة والتابعين هذا أولا لأن قضية الجرح والتعديل تتعرض لحقائق الرواة.
      ثانيا احكموا على كل الرواة من المسلمين الذين رووا التاريخ والكتاب والمؤرخين الذين وثّقوا التاريخ الاسلامي وذكروا مثالب البعض ومحاسن البعض الآخر وصادروا كل كتب التاريخ واحرقوها .
      ثالثا لا تدرسونا في المدارس أي شيء عن التاريخ الاسلامي لأن فيه وفيه ولا يمكن اخذ التاريخ من جهة واحدة

    • زائر 3 | 1:46 ص

      إن الباطل كان زهوقا، وإن كان يبدو انه هو المنتصر أولا لكن ألا تنظر كم من الأموال تسخّر وتهدر من أجل اسكات صوت الحق؟
      طيب ماذا سيحدث بعد ان تنفذ هذه الأموال هل ستبقى قوّة الباطل؟ طبعا لا
      ودوام الحال من المحال

    • زائر 2 | 1:21 ص

      يا حبيبي كل.................. تحمي التكفير والتطرف أنا أشوف عمان والكويت الأفضل

    • زائر 1 | 11:06 م

      الدولة المارقة

      ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن منبع الفتنه حيث طلع قرن الشيطان حينما قال وهو يشير إلى "......" هاهنا الفتنه حيث طلع قرن الشيطان،، هناك منبع الفتنه ، أستاذنا اصبر على كيدهم ستقتلهم مذهبيتهم، دعهم يصرخون حتى تجحظ عيونهم !!

اقرأ ايضاً