العدد 5154 - الأحد 16 أكتوبر 2016م الموافق 15 محرم 1438هـ

حين يتحدث العُمانيون... الحكمة تُخمد الفتنة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في جَلِبَة السياسة وصراخ مَنْ فيها، تسمع همساً حكيماً من بعيد. إنه قادمٌ من منطقة في جنوب شرق الخليج العربي. هَمْسٌ تخاله سيضيع وسط الأصوات المرتفعة، لكنك تكتشف أنه يمخر بينها بهدوء وقوة، تاركاً خلفه موجاً متباعداً كي يعبر خلفه المحتاجون إلى الخلاص من غِطَمِّ البحر وهَيَجانه. إنها الشقيقة سلطنة عُمان، التي باتت تُوسَم بـ جنيف الشرق لمساعيها في السلام، وهي السياسة التي أرسى قواعدها جلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان.

الخميس الماضي، أجرَت الزميلة صحيفة «عكاظ» السعودية حواراً مطولاً وشاملاً مع الوزير المسئول عن الشئون الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبد الله بشأن قضايا عِدَّة: اليمن وسورية وإيران ودول مجلس التعاون الخليجي وملفات أخرى. 3278 كلمة بين سؤال وجواب كانت كافيةً لفهم ما يجري من أحداث في المنطقة والعالم، ووضع أكثر من نقطة على كلمات كانت مراميها ضائعة.

والحقيقة أنني أدعو الجميع إلى قراءة ذلك اللقاء لأهميته لعدة أسباب: أولاً: أن بن علوي ليس شخصاً طارئاً على السياسة الإقليمية والدولية، بل هو أقدم وزير خارجية عربي الآن، وكانت له صِلات مع أهم البلدان في المنطقة والعالم، ومع الأطراف الفاعلة في تلك الدول، وفي أتون أزماتها المعقدة.

ثانياً: أن الوزير بن علوي ليس من بلد منتمٍ لأحلاف ولا إلى قوى متواجهة كي يُعبِّر عن وجهة نظر أحادية ومُحدَّدة؛ بل هو ينتمي إلى بلد باتت تمر من خلاله الملفات العالقة للدول الصغيرة والكبيرة كي تُحَلحَل، وبالتالي فبلاده مقصَد الجميع، ويعلم ما لدى الأطراف من أفكار وسياسات وهموم، لذلك فهو الأقدر على قراءة الموقف السياسي في أيٍّ من الأزمات الملتهبة في المنطقة.

الأمر الثالث الذي يجعل اللقاء مهماً هو أن حديث الرجل أبعد من خطاب المجاملات العام والمعهود، بل هو صريح وواضح بحجم الغموض الذي يُريد البعض أن يغطي به القضايا والأحداث بتفسيرات وقراءات أجهزة العلاقات العامة. لذلك تراه يصنع مساراً للحلول عبر حديث يجعل الرأي العام العربي في الصورة، ويضع الجميع أمام مسئولياته ولكن بحنكةٍ وتروٍّ، وبلا انفعال.

الأمر الرابع أن الوزير العماني يقول ما يريد أن يقوله بصراحة، ولا يتكتَّم على ما لا يريد أن يقوله، بل يبثه بطريقة استفهامية، أو محشوة بكلمات تستبطن رأياً يَصِف ولا يَشِف. وهو في حد ذاته جوابٌ مُركَّب يجعل الاستقواء به مُحالاً، وإدانته مستحيلة. وحتى عندما يعتقد الصحافي أنه ظَفر ببضع كلمات منه يعتقد بأنها موجَّهة أو اصطفافية يُبادره الوزير بكلمات أخرى تُقيِّدها وتفرمل من جموحها ومن خيال السائل فيها. وهذا النوع من الخطاب هو فن تحاوري متقدم.

الأمر الأخير أن الحديث عاكس لطبيعة وجوهر التفكير السياسي والاستراتيجي للدولة العُمانية، غير المتقافز ولا المتحوِّل إلاّ ضمن ثوابت راسخة، بعكس بعض التصريحات في دول أخرى والتي عادةً لا تعكس سوى رأي أطراف متنافسة فيها، لذلك يُصبح ليلها قابلاً لأن يجبَّ ما حصل في نهارها.

عندما سُئِلَ عن اليمن قال: «نحن نعمل بمعرفة الجميع». وعندما سُئِلَ عن الاجتماعات الأخيرة حوله قال هي «في إطار مشاورات الأمم المتحدة وبحسب منظورها». وعندما سُئِلَ عن الحل فيه قال وبوضوح: «هناك خريطة طريق تم الاتفاق عليها في لقاء مجلس التعاون وبريطانيا وأميركا».

وعندما سُئِلَ عن إيران وعلاقتهم بها قال هي: «ليست على حساب أحد». وعندما سُئِلَ عن علاقتهم بسورية قال هي: «دولة عضو في الأمم المتحدة وتحضر اجتماعاتها، وحتى من قال إن الرئيس بشار فقد شرعيته، لكنه في الوقت نفسه يتعامل مع نظامه في الأمم المتحدة فلا يجب أن نكون عاطفيين»، وعن أفق الحل فيها قال إنه بات «في يد اللاعبين الكبار، روسيا وأميركا».

اليوم سلطنة عُمان تستمر في سياسة تكريس السِّلم والاستقرار التي جلبت لها احتراماً واسعاً من الحكومات والشعوب على حدِّ سواء. وهي سياسة أثرت بشكل إيجابي على موقعها وعلاقاتها واقتصادها والأمن الذي تنعم به، والذي حوَّلها إلى قِبلَة سياسية واقتصادية وسياحية، وصار اسمها يُتداول في أروقة الكونغرس والبيت الأبيض، ومجلس العموم و10 داوننغ ستريت والبوندستاغ.

قبل فترة كنتُ أستمع لكلمة أولريش كينتسله في مدينة درزدن بولاية سكسونيا الألمانية خلال مراسم تسليم الوزير يوسف بن علوي وسام سانت جورج، تقديراً لجهوده الدبلوماسية والسياسية لإحلال السلام في المنطقة والعالم. كان أولريش يقول: «هناك دولة تستخدم الدبلوماسية بكل نجاح. إنها عُمان. هذه الدولة كنز للهدوء والاستقرار. في الوقت الذي تُزهَق الأرواح وينتشر الموت في غيرها من البلدان تستمر عُمان في التقدم الاجتماعي والثقافي. وعوضاً عن صبّ الزيت على نار الصراعات يقوم هذا البلد بدبلوماسية نزع فتيل الصراعات». ثم وجّه كلامه للوزير العُماني قائلاً: «لقد نجحت الدبلوماسية العمانية بفعل أمر غير عادي للغاية: جلبتم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وخصمه الأميركي جون كيري» بشأن سورية. ثم أضاف: «إن نجاح عملكم يعني تقلّص عدد الناس الذي يتركون أوطانهم ويتجهون إلى أوروبا كلاجئين».

هذه شهادة قالها غربيون وأصحاب فكر وقلم. والشهادات القائمة على إنجازات حقيقية للشعوب والبشرية عبر إبعادها عن الصراعات وإنقاذ حياة ناسها تبقى محفورةً في الذاكرة. وأحسب أن عُمان سيشهد لها التاريخ في ذلك.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5154 - الأحد 16 أكتوبر 2016م الموافق 15 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 5:41 ص

      الله يحفظ سلطنة عمان قائدا وشعبا ويحفظ جميع المسلمين من شر الفتن والحروب

    • زائر 18 | 1:36 ص

      شعار اهل عمان هو قول نبينا " صلى الله عليه وسلم " : ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) وهذا هو منطلق السياسة في سلطنة عمان تجاه المسلمين .

    • زائر 16 | 12:13 ص

      بارك لكم اهلنا في جميع دول الخليج و الوطن العربي اجمع
      الحكمة العمانية هي تاريخ متواتر و حضارة متقدة, الهدوء و العقل و بعد النظر هي خصال عمانية خالصة.

    • زائر 14 | 3:35 م

      ربي احفظ عمان وشعبها وكل دول العربيه

    • زائر 13 | 3:04 م

      حفظنا الله وإياهم وبورك مسعاهم

    • زائر 12 | 2:55 م

      اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك

    • زائر 11 | 1:57 م

      الحمدلله الله ينعم بالأمن والأمان على جميع شعوب العالم

    • زائر 10 | 12:36 م

      عمان نموذج للسلام والحكمة في ظل العالم المأزوم بالأزمات
      شكرا للكاتب على المقال الرائع

    • زائر 9 | 12:29 م

      بوركت يداك

    • زائر 8 | 12:01 م

      (عُمان الإنسانية)
      كُل موقف عقلاني و إنساني، و جهود صادقة تُبذَل من أجل السلام و الإستقرار للبشرية، ستظلّ راسخة في التاريخ.
      تحيّة للوزير الحصيف، يوسف بن علوي
      و تحيّة للكاتب القدير، محمد عبدالله محمد.

    • زائر 7 | 10:57 ص

      حفظ الله عمان شعبا وقائد .. أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس .. فمن سعى لحفظ السلام وأفشاه بين بني خلقه هنيئا له بذلك

    • زائر 6 | 9:41 ص

      عمان بلد السﻻم

      مقال في الصميم ..قد ﻻ أعرف كيف أعبر عن مدى الإعجاب بالسياسة الحكيمة التي ينتهجها السلطان قابوس حفظه الله ووزراءه الأكفاء دوليا ومحليا من خﻻل سياساتها الخارجية الحكيمة وماوجدته خﻻل زيارتي إلى السلطنة وقد ذهلت من مدى التطور في شتى المجاﻻت والتسامح الديني والمحبة بين أفراد الشعب الواحد بجميع طوائفه واﻷخﻻق الرفيعة التي يتعامل بها العمانيون مع السائحين لهذا البلد الرائع .

    • زائر 5 | 9:22 ص

      لله الحمد والمنه الذي أوجد شخص كالسلطان قابوس ليكون رجلاً داعماً لسلام في زمن تتصارع فيها كل الدول وتتزايد في الحروب انه رجل لا يحب الاعلام ولا يحب الضجيج يعمل بصمت ويترك التاريخ يتحدث عنه
      حفظك الله ورعاك ورحم الله من رباك

    • زائر 4 | 2:11 ص

      عندما تستقل الأوطان بسياستها

      وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. وليس وضع الرجل الطائفي والغير مؤهل. وتعزيز وجود المجنس وتقريبه للسلطة على حساب المواطن.ورهن رأي وسياسة البلد للحارج. فقل على البلد السلام

    • زائر 3 | 2:09 ص

      لقد أصبح هذا البلد الجميل والرائع قبلة للمأزومين الذي وجدوا أنفسهم وسط بحر هائج من المشاكل يريدون من يخلصهم منه! وها هي عمان تقوم بذلك: السبب هو في العقل وليس في الجنون وداء العظمة

    • زائر 2 | 11:54 م

      مقال تأخر كثيرا ولكنه وصل

      نعم هي السلطنه التي تسعى للسلام وشعبها الهادئ الذي يقف بقوة مع قيادته دون صخب وضجيج ورغم ماقيل عنهم الا انهم ارفع وارقى من الدخول في مهاترات تملأ الدنيا زبدا في مواقع التواصل لانهم يعرفون انه يذهب ويبقى ما ينفع الناس .. تحية من القلب لعمان السلام ونسأل الله لهم مزيدا من الحكمة والامن والتعقل ..

    • زائر 1 | 11:18 م

      نعم انها حكمة السلطان الحكيم . وليس كمن يدع الحكمه وهو لا يعرفها. ويخرب بها الاوطان انها عمان الخير واهل الخير فليبقى الله السلطان دخرا للأوطان.

    • زائر 15 زائر 1 | 11:09 م

      نعم هذه عمان المحبة الجامعة لا المفرقة نابذة التطرف والتعصب لا تتدخل في شؤون الغير إلا للخير...ولو كل دولة لم تتدخل في شؤون الغير وتركت شعوبها تحل مشاكلها بنفسها لما رأينا حروبا ودمائا

    • زائر 17 زائر 1 | 12:20 ص

      بارك فيك اخي الكريم, نعم انه سلطان الحكمة و المحبة و السلام, عمان تمخر في عباب السلم العالمي بلا ضجة و لا صراخ و لا عويل. لقد اثبتت المواقف العمانية صحتها بعد حين رغم ما قيل عنها في حينها غير انه بعد فترة يتظح الفكر الثاقب و بعد النظر

اقرأ ايضاً